خاص العهد
وُلدَ العزيز.. كلّ قلوبنا كرمان
ليلى عماشا
لأيام ميلاد الأولياء رائحة خاصة، وعطره في كل يوم فوحٌ من أيّام الأولياء..
اسألوا القلوب الحرّة عمّا يقوله نبضها حين يُتلى اسمه عليها، ودوّنوا الشهقات التي تصحب جملة تقول: "في مثل هذا اليوم، وُلد الوليّ الثوريّ العاشق العظيم قاسم سليماني"، ودوّنوا غصّات الأوردة التي منذ ذلك اليوم كُتب له في طيّاتها الورد والقمح والمواقد والدمع، الدمع الذي صار ماءً زلالًا وصار غضبًا وصار جرحًا كلّما مرّ عليه الزمّن اشتدّ نزفًا واشتعل..
في مثل هذا اليوم انشقّ الحبّ في كرمان عن وجه يحمل ملامح كلّ الطيبين في الأرض، وعن عينين تحويان مطرًا يسقي كلّ عطاشى العالم، وعن كفّين رفعتا الولاية دعاءً وسلاحًا وراية وذهبتا في العشق العلويّ إلى أرض الأئمة وهناك ضمّتا التراب المقدّس بكلّ ما فيهما من طهر ويقين..
ربما، لا حاجة لنا بالمناسبات كي يحضر سلطانًا في قلوبنا، فمنذ فجر العروج لم يغادر وجهه الرؤوف أعيننا.. تلك الشيبة البهية التي خُضّبت بالدم العزيز صونًا لنا، ما زالت شمسًا تلفّنا بالنور وبالدفء وبالحبّ، وما زالت دمعاته تربّت على كتف أيامنا التي إن زادها الفقد ثقلًا فبسمته تكفّلت برفع التعب على حبال اليقين بأن "يقينًا كلّه خير"..
اعتدنا أن نزيّن أيام ميلاد الشهداء بالورد عند أضرحتهم أو في زواياهم المحفوظة في قلوبنا وأيامنا.. لكنّ وجهه الحاضر صار وردًا نما فينا وجعل لنا أمنية أن يكون لدمعنا قدرة على الاستحالة عشبًا في كلّ موضع شرب من خطواته.. واعتدنا حين نطفىء شمعة من ذاكرة مرور شهيد في عالمنا، أن نستحضر أيامه وملامحه وحكاياته وضحكاته في ساعة ذكرى الميلاد، لكنّ يوم السليماني يستحضر كلّ الشهداء دفعة واحدة، بل دمعة واحدة.. وكلّ الأيام يومه..
هنا وجهه، يرسم في ميلاد كلّ طفل لنا ضحكة مستبشرة بعالم أكثر رأفة بالمستضعفين وبالطيّبين..
هنا دمعه، يمسح على رؤوس كلّ يتامى الأرض ويعدهم بالبيوت الدافئة وبالأمان..
هنا ضحكته، تعدّ خطط القتال حتى المعركة الأخيرة، تظلّل آخر الطلقات وتمنح بيوت المنتظرين كفافها من الحبّ الكريم..
هنا صوته، يحطّ كعصافير الفجر إذ تمدّ الطمأنينة دربًا للشروق، ويهدّىء من روع الخائفين من الظلم ومن الظلام..
هنا بأسه يخيف كلّ شياطين الأرض شهيدًا كما كان يؤرقهم قائدًا في ساحات الاشتباك وعند السواتر..
هنا كفّه ترصّع أرض العراق وكلّ القلوب، تزهر مع كل شمس وتفوح في كلّ ليل صيحة تذكّر العالم أن "هيهات منّا الذلّة"..
هنا دمه، هنا دمه يا الله، استحال دمعًا يُتلى في محضر الصور..
هنا، من الضاحية الممتنة أبد الدهر للهفته، إلى كرمان الحاضنة لضريحه الشريف، تمدّ العيون دمعها دربًا من شموع، فاليوم ميلاد العزيز النقيّ..
وهنا، في أعلى ركن من أركان أرواحنا، في يوم ميلاده وفي كلّ الأيام، يتربّع سيد شهداء محور المقاومة، ذو الهيبة العالية، الوالد الحنون، السّند الذي لا يغيب ولا ينكسر، الجندي العظيم، الوليّ العاشق: قاسم سليمانيّ..