خاص العهد
سعر صرف الدولار يتّجه صعودًا: من المسؤول؟
فاطمة سلامة
لم يكن أحد ليتخيّل أن يصل ارتفاع سعر صرف الدولار في لبنان الى المستويات القياسية التي وصلها خلال عام مضى. جُلّنا يذكر كيف كان ارتفاع الدولار مئات قليلة من الليرات ثقيل الوقع على اللبنانيين. عندما لامس الارتفاع عتبة الـ1600 ليرة لبنانية في تشرين الأول من العام 2019، ارتفع مستوى القلق، فكيف الحال اليوم وقد بات سعر صرف الدولار أضعافا مضاعفة من الـ1600 ليرة، لا بل يتّجه صعوداً، حيث لامس في الساعات الأخيرة عتبة الـ9500 ليرة وسط توقعات تشي بالمزيد من الارتفاع؟.
وفيما تتنوّع الأسباب المؤدية للارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، جرى الحديث مؤخراً عن سبب إضافي فاقم أزمة التلاعب بسعر صرف الدولار. وُجّهت أصابع الاتهام الى المصارف مباشرة، وقيل إنها أحدثت هجمة على الدولار تسبّبت في المزيد من الارتفاع. وكأنّه لا يكفي اللبنانيين كل الويلات التي جنوها من المصارف التي احتجزت ودائعهم وتركتهم لمصيرهم وهواجسهم يسألون عن جنى عمر قد يجدونه بعد حين وقد لا يجدونه. كما لم يكن ينقص المواطنين سوى أن تنهض هذه المصارف على أكتافهم لتحفر الليرة اللبنانية عميقاً في الانحدار ما يحمّل المواطنين المزيد من التبعات. فهل تتحمّل المصارف فعلاً مسؤولية الارتفاع الأخير في سعر صرف الدولار؟ والى أين يتّجه مستقبل الليرة اللبنانية؟
عجاقة: جهات عدة تتحمل مسؤولية الارتفاع منها المصارف
الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة يرى أنّ هناك عوامل عدة لارتفاع سعر صرف الدولار. برأيه، تتحمّل المصارف جزءاً من الارتفاع الحاصل ولكن هناك عوامل أخرى تضاف اليها أوصلت سعر الصرف الى ما هو عليه اليوم. التعثر الحكومي واحد من الأسباب، يضاف اليه تلويح مصرف لبنان برفع الدعم، زيادة الطلب على الدولار من قبل الناس المتوجسة من الأوضاع، زيادة الطلب من قبل المصارف. إلا أنّ الإشكالية الأساس -بحسب عجاقة- موجودة لدى الصرافين الذين لا يسلمون سوى 50 بالمئة من المبالغ المطلوبة منهم في السوق. وفق قناعاته فإن المسؤولية الأساسية تقع على عاتق "مافيا" الصرافة التي تراهن على العوامل المأزومة في البلد لترفع سعر الصرف.
لا يبرئ عجاقة المصارف. برأيه فإن إقبالها على شراء الدولار واحد من الأسباب، يضاف اليه تلويح مصرف لبنان برفع الدعم. وحول ما يحكى عن لجوء المصارف لشراء الدولارات بكميات كبيرة لإتمام عملية الهيكلة، يقول عجاقة: "انا لا أبرئ المصارف، ولكن اذا كان المصرف ينتظر حتى اليوم لتأمين الدولارات المطلوبة منه لـ28 شباط، فهذا ليس مصرفاً بل "دكانة" خصوصا أن الأموال المطلوبة من المصارف كبيرة جدا وتفوق الـ7 مليارات دولار". برأي عجاقة، فإن مسألة الهجمة الكبيرة للمصارف على الدولارات ليست مستبعدة لكن -ان حصلت- نكون أمام "دكاكين". طبعا، هذا ليس معناه أن المصارف لا تتدخل في السوق، بل إن السوق اللبناني غير كاف لتأمين دولاراتهم.
عكوش: ما يُحكى عن هجمة للمصارف ليست السبب الرئيسي في ارتفاع سعر الصرف
الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يرى في حديث لموقع "العهد" الإخباري" أنّ ما يحكى عن هجمة المصارف على الدولار لا تشكّل السبب الرئيسي في ارتفاع سعر الصرف. وفق حساباته، فإنّ غالبية المصارف التي تحتاج الى رأسمال كبير استطاعت أن تؤمن هذا الرأسمال من خلال بيع الوحدات الموجودة لديها في الخارج كبنك "عودة" و"لبنان والمهجر". بتقدير عكوش، تمكّنت هذه المصارف من تجميع سيولة كبيرة، أما المصارف الصغيرة والتي تفوق الـ50 مصرفاً فليست بحاجة الى النسبة الكبيرة من الأموال، خصوصاً أنّ الدولار -برأيه- متوفر في السوق وبكميات كبيرة، اذ هناك ما يفوق الـ10 مليارات دولار في حوزة الناس. واذا دقّقنا في أرقام الميزان التجاري العام الماضي، نجد أنّ لبنان استورد لغاية تشرين الأول بحدود الـ9 مليارات دولار ، فيما صدّر حوالى الـ3 مليارات دولار أي بفارق 6 مليارات دولار فقط. وفي المقابل، خرج من مصرف لبنان الى السوق المحلي "دولارات" تفوق هذا الرقم، يقول عكوش، الذي يلفت الى التحويلات من الخارج والتي بلغت بحدود الـ7 مليارات دولار، ما يعني بالخلاصة أن لدينا أكثر من 10 مليارات دولار في السوق الداخلي.
التشنجات السياسية تتحمّل مسؤولية كبيرة عن الارتفاع بسعر الصرف
اذاً ما الأسباب التي أدّت الى الارتفاع بسعر صرف الدولار مؤخراً؟ يجيب عكوش بالإشارة الى التشنجات السياسية السائدة في البلد. معظم الارتفاع الذي حصل تتحمّل مسؤوليته المناكفات السياسية الواضح من خلالها أن لا حل ولا أمل في الحل، وسط غياب الخطط الاقتصادية والمالية وتخبط المصارف التي يطلب بعضها تأجيل موعد "الهيكلة" لأنهم لا يريدون زيادة رأسمالهم. تلك الزيادة مطلوبة من رأسمالهم الخاص وعليه يحاولون تأجيل هذا الأمر للاستفادة قدر الإمكان، حتى أنهم كانوا يطلبون أموالاً "طازجة" من الناس ويقدّمون إغراءات وعروضا عبر ردها بزيادة 3.5 بالمئة.
ذاهبون نحو المزيد من الارتفاع بسعر صرف الدولار
ويرى عكوش أن المضاربين اتخذوا ذريعة المصارف حجة للمضي في المضاربة. هؤلاء يعملون على استغلال أي حجة للتلاعب في سعر صرف الدولار صعودا ًوهبوطاً. والملاحظ أنه ولمجرد أن تنتفي الحجة يهبط سعر صرف الدولار ويستقر عند حدود معينة. لكن ذلك لا يعني -برأي عكوش- أنّ الدولار لن يرتفع. الدولار سيرتفع ونحن ذاهبون نحو المزيد من الارتفاع لأن السلطة السياسية -للأسف- لم تتمكّن من القيام بإصلاحات جوهرية لا في النظام السياسي ولا في النظام الاقتصادي، يختم عكوش.