ابناؤك الاشداء

خاص العهد

 
17/02/2021

 "معادلة الضرب" وإعادة رسم خريطة الاشتباك: قراءة في الأهداف والمفاعيل 

فاطمة سلامة

ما إن يُعلن عن إطلالة مرتقبة للأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، حتى يُصبح التوقيت حدثاً في حد ذاته للعدو والخصم قبل الصديق. تكتسب أي إطلالة مرتقبة أهمية خاصة حتى قبل أن تحصل، وقبل أن يُكشف عن مضمونها. فسماحة السيد نصر الله استطاع وعلى مدى سنوات طويلة مضت أن يعطي خطاباته -دون أن يتعمّد- هالة من الأهمية الكبرى والتشويق. تلك الهالة صنعتها حقائق طبعت الخطابات من الصدقية الى الجدية والرصانة والاتزان وما الى هنالك من مميزات يتمتع بها كل خطاب. ولعلّ أبرز ميزة تطبع كل خطاب للسيد نصر الله تكمن في أنه لا ينطق إلا الصدق، وهذه الميزة قلّما نجدها في خطابات الكثير من المسؤولين. البعض منهم يعمد الى إطلاق الأوهام والشعارات ويبيع الجمهور سمكاً في المياه لحصد تأييد الرأي العام، أما سماحة السيد فأثبتت التجارب أنه صادق الوعد.  قصف البارجة "الإسرائيلية" في حرب تموز خير دليل على ذلك. بشر سماحته اللبنانيين حينها بأن البارجة سوف تحترق وما هي إلّا ثوانٍ قليلة وقبل أن يُنهي خطابه، حتى بدأت النيران تشتعل في تلك البارجة. وعليه فأي موقف يطلقه سماحة السيد نصر الله يحسب له العدو مليون حساب. دراسات واستطلاعات رأي أجريت في كيان العدو أكّد فيها الصهاينة أنهم يُصدقون السيد نصر الله أكثر من مسؤوليهم، وأنهم لا يصدقون أي مسؤول عربي إلا الأمين العام لحزب الله.

حطيط: أهداف عدة لمعادلة "الضرب" 

أمس الثلاثاء (16 شباط 2021)، وجّه السيد نصر الله في إطلالته في ذكرى القادة الشهداء مجموعة من الرسائل داخليا ًوخارجياً. أبرز تلك الرسائل معادلة الرد بالمثل على أي "حماقة" "إسرائيلية" "المدينة بالمدينة والقرى بالمستوطنات". وفي هذا السياق، يُقدّم الخبير العسكري والاستراتيجي العميد الدكتور أمين حطيط قراءته للمعادلة العسكرية التي تحدّث عنها السيد نصر الله، موضحاً أنه سبق لسماحته أن أبدى معادلة توازن الردع الاستراتيجي الفعال بشكل واضح في مواقف سابقة، وطبّق هذه المعادلة بشكل عملي في أكثر من سياق. وبتقدير حطيط، فإنّ سماحة السيد رأى وجوب التذكير بهذه المعادلة وتثبيتها بعد المواقف الاستعراضية التي أطلقها رئيس أركان جيش الاحتلال الصهيوني أفيف كوخافي والتي استوجبت الرد. بمعنى آخر، لو لم يكن هناك تصرف "إسرائيلي" لفظي وعملي يشير الى أن كيان العدو بصدد الإطاحة بمعادلة الردع الاستراتيجي الفعال لما كان سماحة السيد بحاجة الى التذكير. وهنا، يرى حطيط أنّ أهمية ما قاله السيد نصر الله يكمن في أنه أتى بعد المواقف الصهيونية، لافتاً الى أنه يحمل مسائل ثلاثة: 

المسألة الأولى: التأكيد على معادلة الضرب وتثبيت المعادلات القائمة دون أي تغيير مع إضافة مهمة لها تكمن في أنّ المجتمع الصهيوني هو مجتمع عسكري وكل أفراده عسكريون بخلاف الحال مع لبنان الذي فيه مدنيون وعسكريون. 

 "معادلة الضرب" وإعادة رسم خريطة الاشتباك: قراءة في الأهداف والمفاعيل 

المسألة الثانية: إجهاض محاولة العدو القفز فوق هذه المعادلات والقيام بمواقف استعراضية يريد منها استعراض القوة، وبالتالي فموقف سماحته أتى ليطيح بهذه المحاولة "الإسرائيلية".

المسألة الثالثة أرادها سماحة السيد وبشكل غير مباشر خدمة لموقف كان قد أبداه في مطلع الخطاب عندما تحدّث عن رفضه للتدويل، واعتبر أن التدويل بمثابة إعلان حرب. وعليه، فإنّ القوى الدولية التي تريد أن تتدخل استجابة للطلبات الداخلية عليها أن تعلم أن القوى التي يمكن أن تعتمد عليها للتدخل -صديقة كانت أم عدوة- محكومة بمعادلات رد استراتيجي يملك حزب الله والمقاومة الإمكانات الكافية لتحقيقها. 

العدو سيدرس جيداً ما قاله سماحة السيد

لذلك، يرى حطيط أنّ هذه الأهداف الثلاثة دفعت سماحة السيد الى التأكيد على هذه المعادلة. برأيه، سيدرس العدو جيداً ما قاله سماحة السيد تعزيزاً لهذه المعادلة، خصوصاً أنه ذكّرهم بالوهم العنكبوتي للجبهة الداخلية عندما قال لهم أن ليس هناك مدنيين، وكل ما لديكم على الأرض الفلسطينية المحتلة من أشخاص في المجتمع الصهيوني هم أهداف مشروعة لحرب الرد الدفاعي. 

بزي: إطلالة تؤكد بأي موقع توجد المقاومة وأي أرض صلبة تقف عليها

بدوره، المحلل السياسي الدكتور وسيم بزي يُقدّم قراءة شاملة لرسائل السيد نصر الله العسكرية والسياسية. خلاصة إطلالة سماحته في ذكرى مهمة تؤكد -وفق بزي- بأي موقع توجد المقاومة وأي أرض صلبة تقف عليها في الداخل وتجاه العدو "الاسرائيلي " وأي استشراق إيجابي ومتفائل تنظر به الى المرحلة القادمة. يستهل بزي حديثه لموقعنا من "معادلة الضرب"، فيرى أنّ المعني الأول بطبيعة الحال بحديث سماحة السيد نصر الله عن الضرب العسكري هو الكيان الصهيوني والمؤسسة الحاكمة، ولكنه يرى فيها رسالة أرسلت خصيصاً الى كوخافي. الأخير وعلى مدى الأشهر الماضية ومنذ تسلمه رئاسة الأركان ادعى أنه يستطيع أن يطوّر قواعد الاشتباك مع حزب الله لصالح العدو وأنه سيكسر السياق المعتمد في الجبهة الشمالية مع لبنان بالتحديد. ولم يكتف بذلك، بل أوجد مساحة لـ"العربدة" الإعلامية خلال الأشهر الماضية وصلت الى ما قاله معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب مطلع العام الجديد.

 "معادلة الضرب" وإعادة رسم خريطة الاشتباك: قراءة في الأهداف والمفاعيل 

السيد نصر الله أعاد رسم خريطة الاشتباك

ومن وجهة نظر بزي، فإنّ سماحة السيد وبخطابه أعاد وضع الأمور في نصابها تجاه أي أوهام قد "تعشش" في عقل المؤسسة العسكرية خصوصاً ما يسمى "مواجهة لأيام عدة ما بين الحروب". سماحته كان حريصاً أن يمسح هذا الاعتبار من حسابات العدو من خلال القول إنّ أي محاولة لاختبارنا في هذا الإطار ستؤدي الى مواجهة شاملة، ولن تقتصر على ما تحاولون فرضه علينا. وفي هذا السياق، أعاد رسم خريطة الطريق أي الاشتباك على القاعدة التي تقول "قرية بمستوطنة، مدينة بمدينة ومنشأة بمنشأة"، مع حافزية أكبر على الاستعداد لمواجهة كبرى والذهاب الى حرب دون خوف أو وجل من هذه الحرب، ومع التأكيد أننا لا نريدها. 

السيد عمل على تحصين حقيقة المشهد ووضع موازينه بالسياق الأدق

ويُشدّد بزي على أنّ الجانب "الإسرائيلي" وخلال فترة الأشهر الأربعة ووسط معادلة "إجر ونصف" كان يسعى للخروج من حالة الضغط النفسي والإعلامي والميداني والتي هي حالة استنزاف بهذه الأقاليم الثلاثة. تماماً كما كان العدو يتهيب من ضربة للمقاومة قد تحصل بأي لحظة ويشعر بأنّ المقاومة كانت قريبة جداً من تنفيذ تهديدها، متوهماً بأن التهديد الذي يطلقه يكسر هذا السياق. وهنا يؤكّد بزي أنّ السيد وبإطلالته أمس الأربعاء عمل على تحصين حقيقة المشهد ووضع موازينه بالسياق الأدق. ولا يخفي المتحدّث أنّ المعادلة موجودة، ولكن أعادت التذكير بالجبهة الداخلية بالتحديد كخاصرة رخوة. ويتطرّق بزي في هذا الصدد الى إطلالة الخريطة الشهيرة عندما وضع سماحته الشريط الساحلي بما يسمى منطقة الوسط، وقال هذه هي "اسرائيل"، وكل صواريخنا تطال الأهداف الحيوية بهذه المنطقة التي تختصر ما يسمى المنشآت الحيوية والجبهة الداخلية. وفق بزي، يعيد السيد التركيز على هذا الأمر ربطاً بتأكيدات تم تداولها في الفترة الماضية بالإعلام الغربي والصهيوني بأن مسألة الصواريخ الدقيقة كماً ونوعاً وقدرة لدى حزب الله والمقاومة محسومة ويستطيع الحزب من خلالها أن يطال جغرافيا الكيان بالكامل. 

وضع عناصر جديدة لحالة الاستعصاء الحكومية

ويتطرق بزي الى الملف الحكومي، فيرى أن السيد نصر الله ومن مكان خفي وضع عناصر جديدة لحالة الاستعصاء التي تحكم هذا الملف. بتقديره، حاول سماحته من خلال هذه العناصر أن يوازن بين كفتي الميزان على ضفتي الخلاف حيث أعطى لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الحق برفع عدد الوزراء الى 20 أو 24، وفي الوقت نفسه تفهم مطلب الرئيس المكلّف سعد الحريري بالاحتفاظ بوزارة الداخلية مبرراً ذلك بتمسك الشيعة بالمالية. هذه المعادلة -وفق بزي- تكسر جدار الاستعصاء شرط أن ينجح الحريري بحل مشكلته مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. فالحريري ورغم أنه يحاول حصر مشكلته بالملف الداخلي، ولكن لا يخفى على أحد أن مشكلة الحريري مع السعودية تكمن في تشكيل حكومة يشارك فيها حزب الله. 

التدويل.. السيد يضرب الأوهام لصالح حقيقة الواقع 

وحول ملف التدويل المرتبط ببكركي وبعض الأحزاب على الساحة اللبنانية وبعض الشخصيات والتي يظن البعض أنها عصا لدفع الرئيس عون الى تشكيل حكومة كيفما كان، والا التهديد بالفصل السابع، يرى بزي أنّ السيد نصر الله لدى مقاربته هذه القضية ضرب الأوهام في عقول وأحلام البعض لصالح حقيقة الواقع التي تستند الى أربعة عناصر:

-توازنات المجتمع الدولي ومعادلاته في مجلس الأمن الدولي وخارجه ليست طوع بنانكم. 

-موازين القوى في داخل البلد لا تسمح للبعض بالتقرير عن كل لبنان.

-قضية التدويل تؤدي الى حرب أهلية.

-بعض الدول عندما يتم استدعاؤها تضع يديها على كل شيء حتى عليكم، وهذا يضرب مفهوم السيادة.

"العلاقة مع التيار الوطني الحر"

ويلفت بزي الى ما قاله سماحته في رحاب العلاقة مع "التيار الوطني الحر"، موضحاً أنه ورغم إبدائه انزعاجاً من بعض المواقف التي تطلق على صعيد العلاقة، إلا أنه كان حريصاً على استمرار التشاور في الغرف المغلقة -وليس عبر الإعلام- كتأكيد على الاستمرار بهذه العلاقة الاستراتيجية ونتائجها المفيدة.

الهجمة الإعلامية والاتهامات الجاهزة 

اما بموضوع الاعلام والهجمةالشرسة على المقاومة، فيرى بزي أنه وبقدر ما أشاد السيد نصر الله بمواقع التواصل المحسوبة على المقاومة، والدور الذي تؤديه لكنه دعاها الى عدم استخدام أسلوب الخصوم والأعداء بالمخاطبة، وفي الوقت نفسه اعتبر أن السجال الدائر حيال المقاومة من بعض وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي تجاوز كل الخطوط الحمراء. 

وفي سياق آخر، ينوّه بزي الى نقطة مهمة بملف المرفأ يتحدّث عنها سماحته لأول مرة حين ذكر موضوع شركات التأمين وارتباطها بالحكم القضائي وكأنه يقول -بحسب بزي- إنّ هناك علامة استفهام حول كيفية صدور حكم قضائي، ودفع شركات التأمين للأموال اذ هناك حوالى مليار و200 مليون دولار كتعويضات للناس، وطبيعة الحكم تتحكم بهذه الأموال التي بإمكانها تحريك البلد اقتصادياً. 

وفي الختام، يتناول بزي موضوع الاتهامات الجاهزة الذي تطرق اليه سماحة السيد، فيلفت الى أن هذه الاتهامات تجسّد مدرسة استخدمت كسيف مصلت منذ عام 2005 وتكرست كأسلوب عمل مُدار من غرف تحكم وسيطرة توجه هذه المنظومة بأكملها، وتوزع فيها الأدوار. ويوضح بزي أنّ حزب الله في الماضي ولأسباب وطنية ربما وظروف كانت قائمة كان يتجاوز عن هذه الاتهامات، أما الحال فقد تغير منذ اللحظة التي قدّم فيها ادعاء ربطاً بقضية المرفأ حيث أصبح هناك مقاربة مختلفة تقول إن هناك إرادة لمواجهة هذا الأسلوب وانتهاء مرحلة السكوت.

 

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل