خاص العهد
ماذا لو رفع الدعم عن القطاع الزراعي؟
فاطمة سلامة
في الوقت الذي تحلّق فيه أسعار السلع جراء تحليق الدولار، تقتضي الضرورة الالتفات الى الإنتاج المحلي. المنطق يقول ذلك. في الأصل، يجب أن يكون الانتاج المحلي هو القاعدة والاستيراد استثناء يتم اللجوء اليه للضرورة. هذه العقلية للأسف غير موجودة في لبنان، حيث يتحكّم النموذج الريعي بكل مفاصل الاقتصاد اللبناني. تبعات هذا النموذج تحتّم تعديل الوجهة نحو الاقتصاد المنتج، وإن كان الصعود على سلّم هذا النموذج سيكون درجة درجة وببطء. التهديد الذي يطال الأمن الغذائي يجب أن يتحوّل الى فرصة لخلق اكتفاء ذاتي قدر المستطاع. إلا أنّ المفارقة اليوم للأسف تكمن بغياب "بعد النظر" في مقاربة هذه القضايا. فنجد مثلاً دعماً في غير محله يقابله تقصير حكومي في ما يتعلق بدعم القطاعات الإنتاجية. هذه القطاعات لا يصلها الدعم كما هو مطلوب -وفق ما يقول العاملون فيها-. القطاع الزراعي واحد من القطاعات التي يشكو العاملون فيها من قلّة الدعم وغياب التخطيط الرسمي اللازم للنهوض بهذا القطاع.
قبل أيام، جرى تداول خبر مفاده أنّ الحكومة تدرس فكرة إلغاء الدعم عن القطاع الزراعي. القيّمون على هذا القطاع انتفضوا معتبرين أنّها خطوة في غاية الخطورة وتترتّب عليها انعكاسات كارثيّة على القطاع الزراعي تصل حد انهياره. فما حقيقة رفع الدعم عن القطاع الزراعي؟ وما انعكاسات هذه الفكرة لو تحوّلت الى واقع على المزارع والمستهلك معاً؟.
الترشيشي: ننتظر جلاء الصورة
رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع إبراهيم الترشيشي يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ ثمّة خلافا بين المعنيين على استمرارية دعم القطاع الزراعي -وفق ما أُبلغنا من أحد المصادر-. البعض اقترح فكرة إلغاء الدعم عن القطاع الزراعي لتوفير مبلغ الـ10 ملايين دولار شهرياً على خزينة الدولة. فور سماع هذه الخبرية، تحركنا ملوحين بالتصعيد والإضراب -يضيف الترشيشي- قبل أن نتلقى اتصالا من السراي الحكومي يبلغنا بأن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب مع استمرارية الدعم ولا يريد إيقافه. وعليه، نحن نترقّب ما ستحمله الأيام القادمة لجهة ما اذا كان سيكون هناك إلغاء للدعم أم لا ولن نقدم على أي خطوة حالياً أو نستبق الأمور بانتظار جلاء الصورة".
القطاع الزراعي لا يتلقى دعماً فعلياً
ويلفت الترشيشي الى أنّ دعم القطاع الزراعي ليس دعماً في الحقيقة. جُل ما في الأمر أننا نتمكّن بموجب هذا الدعم من شراء الدولار وفقاً لسعر الـ3900 ليرة، لا كما قد يتخيّل البعض أنه يتم إعطاء الأموال لهذا القطاع كهبة من الدولة اللبنانية. يشرح المتحدّث ظروف المزارعين الصعبة والذين تُحتجز أموالهم في المصارف، فيما تتوقّف القروض وتجمّد الحسابات حتى بالليرة اللبنانية. في السابق، كنا نأخذ تسهيلات من الخارج بموجب اعتمادات، كل هذه التسهيلات للأسف حُرم منها المزارع اللبناني. أكثر من ذلك، ثمّة لا عدالة في توزيع الدعم. ففي السابق، جرى التركيز على قطاع الأعلاف والأبقار وهذا خطأ طالبنا بموجبه العام الماضي بالسماح للمزارع بدعم شراء المستلزمات الزراعية بسعر معقول أو السماح له بسحب أمواله من المصارف لشرائها بأسعار منخفضة قبل الوقوع في المحظور الذي -للأسف- وقعنا به اليوم. وهنا يوضح الترشيشي أن الدولة منذ شهرين فقط التفتت الى مسألة دعم الأسمدة فدعمت كمية ليست كبيرة، فيما لم يتم حتى الآن دعم الأدوية. وفي هذا السياق، يطالب بضرورة الاستمرار بدعم هذه المستلزمات لأن دعمها يعطي انعكاسات إيجابية أفضل بكثير من دعم الأعلاف المنتج الذي نستطيع إنتاجه في لبنان. هناك فارق كبير بين أن ينتج المزارع العلف وتدعمه الدولة وبين شراء الأعلاف من الخارج ودعمه وتقديمه لمربي المواشي.
هوة كبيرة ما بين المزارع والمستهلك
وفي سياق حديثه عن انعكاسات ارتفاع سعر صرف الدولار على المنتج الزراعي، يؤكّد
رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع أنّ كلفة البضاعة باتت غالية جداً، والانتاج مرتفع الثمن ما انعكس على سوق المستهلك الذي يصرخ من غلاء الأسعار. على سبيل المثال، أسعار الخضراوات وفقاً لدولار السوق السوداء والمستهلك لا قدرة لديه على شرائها نظراً لمدخوله الذي لا يزال وفقاً لليرة اللبنانية، فيما كلفة المنتجات الزراعية وفقاً لدولار السوق السوداء. هذا الواقع خلق هوة كبيرة ما بين المزارع والمستهلك، وعليه كي نردم هذه الهوة أو نخفف منها -يقول الترشيشي- يجب أن يستمر الدعم وتكون المستلزمات الزراعية مدعومة قبل أي شيء آخر.
لترشيد الدعم منعاً للسرقة والاحتكار
ولا يخفي الترشيشي قناعته بضرورة ترشيد الدعم، فبعض الدعم على الأبقار والأعلاف تخلله هدر وسرقة وتهريب. لسنا في وارد محاسبة أحد، لكن يجب أن يذهب الدعم الى الأماكن التي يستفيد منها المواطن وكل المزارعين على جميع الأراضي اللبنانية. لا بد من دعم كل الأسمدة القادمة الى لبنان مرة واحدة لا أن يكون هناك استنسابية في الدعم. برأيه، على الدولة وضع سعر محدد للأسمدة والبذور بحيث يكون الدعم للجميع ووفق سعر واضح تحدده وزراتا الإقتصاد والزراعة ما يقطع الطريق على التاجر بالتلاعب والاحتكار.
القطاع الزراعي يقدّم ما يقارب المليار دولار للناتج القومي
ويشدّد الترشيشي على أنّ الدعم ضرورة للقطاع الزراعي، فحتى اليوم وبحسب أرقام وزارة الاقتصاد قدّمت الدولة دعماً بقيمة 6 مليارات دولار. لم يأخذ القطاع الزراعي من هذا المبلغ سوى 60 مليون دولار، فيما ذهب أغلب الدعم الى الأعلاف ولم يأخذ القطاع الزراعي الأساسي سوى 15 الى 20 مليون دولار، في الوقت الذي يقدم فيه هذا القطاع ما يقارب المليار دولار للناتج القومي. نطالب باستمرارية الدعم -يكرّر الترشيشي- أقله للـ10 ملايين دولار التي لا تشكل سوى 10 بالمئة من إجمالي الدعم للقطاع الزراعي و1 بالمئة من الدعم الذي يقدم لدعم القطاعات الأخرى في البلد. وفق تقدير المتحدّث، فإنّ الدعم ضرورة لتخفيض كلفة الانتاج ومعها الأسعار كي نصدر منتجاً يكون للمستهلك اللبناني القدرة على شرائه.
وفي الختام، يقول الترشيشي :"لا ومئة لا لرفع الدعم لأن هذه الخطوة استفزازية وسيدفع ثمنها المزارعون على جميع الأراضي اللبنانية وسيتحركون ويصعّدون رفضاً لها. الدعم ضرورة ويجب الاستمرار به ومتابعته مع التجار لمنع الاحتكار والسرقة".