خاص العهد
احتجاجات طرابلس: جوع أم حرب سياسية؟
محمد ملص
لليوم الثالث على التوالي عاشت مدينة طرابلس ليلة أقل ما يقال عنها إنها "دامية"، جراء الاشتباكات وعمليات الكر والفر بين القوى الأمنية وعشرات المتظاهرين، ما أدى الى سقوط ضحية من المحتجين، وعدد كبير من الجرحى في صفوف الطرفين. الا أن السؤال الأساسي الذي لا يزال حتى اليوم يتردد على ألسنة معظم الطرابلسيين: "ما الذي يحرك هؤلاء الجوع أم السياسة؟".
تشهد الاحتجاجات التي تجري ليلاً في طرابلس تطورًا بالأحداث بين ليلة وأخرى، حيث كان المؤشر الخطير ليلة أمس، بعد تصاعد حدة التحركات، حين عمد المحتجون الى محاصرة سرايا طرابلس، وأمطروها بقنابل المولوتوف، وكسروا الباب الحديدي لأحد مداخلها، وأحرقوا غرفة الحرس والسور والأشجار، وحاولوا اقتحامها والدخول إليها مرات عدة، الا أن القوى الأمنية نجحت في التصدي لهم، وعملت على استخدام الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، لتعود الأمور وتخرج عن السيطرة بفعل الهجمات المتلاحقة التي شنها المحتجون باتجاه السرايا، لتطلق حينها القوى الأمنية الرصاص في الهواء لتفريقهم.
أمام هذا المشهد، بدأت الأحاديث تتناقل في أروقة السياسة الطرابلسية واللبنانية، عمن يقف وراء تلك التحركات، وهل فعلاً الجوع والفقر والعوز هو ما دفع هؤلاء الشبان الى الاحتجاج في الشارع تحت عنوان رفض تمديد الإغلاق العام بسب جائحة كورونا؟
لا شك أن الواقع الاقتصادي المتردي والمخيف الذي تعانيه طرابلس بشكل أكبر من باقي المناطق اللبنانية، وتفاقم حالة البطالة والفقر المدقع، يدفع بعشرات الشبان الى اللجوء للشارع في خطوة كانت تهدف في البداية الى الضغط على الحكومة لتخصيص مساعدات عاجلة لهؤلاء الذين يعملون بشكل يومي، لا سيما مع استمرار الاقفال وفقدان الأساسيات من منازل الطرابلسيين.
لكن مصادر أمنية أفادت موقع "العهد" أن "ما يجري في ساحات المدينة وشوارعها من عمليات كر وفر، واختيار التوقيت ليلاً، لم يعد يندرج صمن المطالب المعيشية أو الاعتراض على قرار الاقفال العام، بل أصبح أعمال شغب منظمة غايتها استهداف العناصر الأمنية والمراكز الحكومية".
المعلومات الأمنية تقاطعت مع ما كان يجري ليلاً في شوارع المدينة، حيث سجل خرق خطير جدًا في الاحتجاجات، تمثل بإقدام أحد المحتجين على رمي قنبلة يدوية حربية باتجاه العناصر، وذلك بحسب بيان قوى الأمن الداخلي ما أدى الى إصابة 9 عسكريين من بينهم ثلاثة ضباط أحدهم حالته حرجة، الأمر الذي دفع العناصر الأمنية الى إطلاق النار باتجاه المتظاهرين.
تلك الصورة عكست حجم الصراع السياسي الذي تحمله المدينة على كاهلها، اذ برزت رسائل سياسية لافتة، أبرزها كان البيان الصادر عن رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري والذي أشار فيه الى جهات سياسية من دون أن يسميها "تقف وراء التحركات في مدينة طرابلس، تريد توجيه رسائل سياسية معينة".
مصادر خاصة كشفت لموقع "العهد" أن "الرئيس الحريري أراد توجيه اتهام مباشر الى شقيقه الأكبر بهاء، والى الوزير السابق اشرف ريفي، بعدما شوهد أنصارهما في أكثر من مشهد احتجاجي في المدينة، وأن تلك التحركات تأتي لمزيد من الضغوط على الرئيس المكلف وربما لدفعه للتراجع عن تكليفه أو لتطويقه أكثر داخل البيت السني الواحد".
مما لا شك فيه أن ليلة أمس لن تكون الأخيرة، وأن الاحتجاجات في طرابلس ستستمر، ومن المتوقع أيضًا أن تشهد مزيدًا من حالات العنف، لكن يبقى السؤال الأساسي لأبناء المدينة، لماذا كتب على طرابلس أن تكون الصندوق الأسود لايصال رسائل مشفرة بين الأفرقاء السياسيين لا سيما وأن معطيات أخرى برزت أمس، أشارت الى أن قيادات سياسية في تيار "المستقبل" استغلت أمس التحركات ايضًا لارسال رسالة توحي بأن الأمور ستنفجر في حال لم "يُسمح" للرئيس الحريري بالاسراع بتشكيل الحكومة..
في المحصلة ضاعت مطالب الفقراء والطرابلسيين وبقيت الرسائل السياسية تتناقل في أروقة وشوارع طرابلس.