خاص العهد
تونس: غضب شعبي وحصاد مرّ لسنوات من السياسات المتعثرة
تونس - روعة قاسم
لم يمنع الحجر الصحي الموجّه الذي فرضته الحكومة التونسية مؤخرًا، في محاولة لكبح جماح تفشي جائحة كورونا، مئات التونسيين من الخروج الى الشارع مجددًا للاحتجاج على تدني الوضع الاجتماعي والاقتصادي، مرددين هتافات عديدة على غرار "شغل.. حرية.. كرامة وطنية".
وتتركز أهم مطالب المحتجين على ضرورة بحث منظومة جديدة تضمن الشغل والحرية والتنمية ومعالجة الأوضاع المتدهورة اجتماعيًا واقتصاديًا وصحيًا.
ضغوطات كبيرة
وتُحمّل شرائح تونسية واسعة الطبقة السياسية التي حكمت البلاد طيلة الأعوام الماضية سبب هذا التدهور والتراجع في الأرقام الاقتصادية والتي أدت الى زيادة نسب البطالة بشكل كبير ووصول الانكماش الاقتصادي الى عتبة الـ 8 بالمئة. وبالتزامن أيضًا جاء التقرير الجديد لصندوق النقد الدولي ليكون بمثابة سيف مسلط على البلاد، فهو يكشف عن شروط جديدة لإبرام اتفاقية مع الحكومة ومنها خطة إصلاحات تحظى بتوافق وطني. ولطالما شكك ناشطون بتوجهات صندوق النقد الدولي والذي يضع البلاد رهينة له. فهو منذ ثورة 2011 يسعى الى التحكم في التوجهات الكبرى للاقتصاد الوطني التونسي ودعم الخصحصة. كل هذه التطورات تضع حكومة المشيشي اليوم أمام ضغوطات كبيرة داخلية في الشارع التونسي الغاضب وخارجية من خلال املاءات صندوق النقد الدولي وشروطه.
فعلى وقع غضب المحتجين المتصاعد والمتواصل منذ أيام دون توقف، تستعد حكومة المشيشي للخضوع لامتحان جلسة منح الثقة للتحوير الوزاري بكل ما يشكله ذلك من تحد للحكومة نفسها ورهاناتها. فهذه الجلسة تكتسي أهمية كبيرة أيضا لأنها ستكشف -من خلال نتائج التصويت- على التموقعات الجديدة للأحزاب والكتل البرلمانية بين مؤيد ومعارض.
المشيشي والامتحان الصعب
ويبدو رئيس الحكومة هشام المشيشي في وضع لا يحسد عليه وهو يواجه هذا الامتحان على وقع غضب الشارع المتواصل دون توقف. ويعتبر محسن النابتي الناطق باسم التيار الشعبي في حديثه لـ "العهد" ان ما يجري من احتجاجات في تونس هو ثمن عشر سنوات من السياسات العشوائية والمتعثرة التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة منذ الثورة وكانت نتيجتها الفشل التام في كل النواحي اقتصاديًا واجتماعيًا وسياسيًا.
ويرى النابتي أن "آمال الشعب التونسي بالكرامة والسيادة تبددت بسبب تغوّل لوبيات التبعية والفساد التي اتسع نفوذها في صلب أجهزة الدولة، واتسعت الرأسمالية الطفيلية واقتصاد الريع بشكل ينهب كل مقدرات البلاد، فالاقتصاد المنتج دُمر لصالح مافيا التوريد والتهريب، والتدخل الاستعماري الكبير في الجوار الليبي والمنطقة عمومًا، فتح الباب أمام التدخلات الخارجية لكل من هبّ ودبّ في تونس وهذا ما أوصل المديونية الى طريق مسدود وتسجيل نسب غير مسبوقة في تاريخ تونس من التضخم والبطالة"، مضيفًا إن "التسرب المدرسي جعل الشباب التونسي قنبلة موقوتة رهينة للفكر المتطرف الإرهابي وبعضهم سلك طريق الهجرة غير الشرعية بعد ان انهارت الخدمات العمومية مثل الصحة والعليم والبيئة والثقافة وغيرها، وهو نتيجة للحصاد المرّ لكل هذه السنوات من الحكم الهش المرهون بإرادات الخارج التي يمثلها اقتصاديًا صندوق النقد الدوليّ واملاءاته التي تخدم مصالح الشركات المتعددة الجنسيات والرأسمالية المتوحشة".
وبحسب النابتي فإنه من حق الشعب التونسي أن يقاوم ويناضل من أجل كسب حريته وكرامته وغيره، ولكن هناك خشية من أن تستغل الدوائر الخارجية المتربصة الأحداث سواء من خلال اتباعها في السلطة أو ممثليها في الشركات المتعددة الجنسيات المتعاملة مع الكيان الصهيوني. لذلك فإن دور النخب والأحزاب الوطنية اليوم كبير جدًا من أجل تأطير الاحتجاجات وعدم ترك الشباب المحتج رهينة ولقمة سهلة للدوائر الخارجية التي يمكن أن توظف حراكهم لمصلحتها.