خاص العهد
أطفال اليمن: في الحرب يولدون.. ويُقتَلون
سراء جمال الشهاري
الطفولة هي صوت الانسانية الصارخ، وهي الحياة الظاهرة في بسمة طفل.. في بلدان العالم، ينعم الأطفال بحقوقهم، الا أطفال العرب. في اليمن، لا يجري الأطفال لعبًا أو حماسة، بل يجرون هربًا من حمم الموت السعودية - الأميركية.. يرقدون باستسلام حين تتداعى أسقف المنازل على أجسادهم الطرية، وينامون في العراء حين يفقدون المأوى.. ويستجدون طبابة حرموا منها بفعل العدوان.
الحديث عن الطفولة في اليمن، حديث شجون لا تنتهي. في هذا الاطار، توضح الأمينة العامة للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة الأستاذة أخلاق الشامي في حوار خاص مع موقع "العهد" الاخباري أن "وضع الطفولة في اليمن لم يكن خلال النظام السابق متينًا بالشكل الذي يتيح للطفل اليمني أن يتمتع بكل حقوقه؛ وذلك بفعل الكثير من العوامل التي كانت تهدف في الأساس إلى تنشئة جيل ضعيفٍ خانعٍ منحرفٍ عن قيمه وهويته وثوابته، ضعيف في تحصيله على مختلف الأصعدة. كانت الطفولة خلال النظام السابق مهضومةً في كثير من جوانبها وحقوقها، وما إن تنفس الشعب اليمني رائحة الحرية ونهض من الانبطاح الذي كان مفروضًا عليه - بثورة الحادي والعشرين من سبتمبر - وقرر بناء نفسه والنهوض بواقع مستقبله وحاضره، حتى تكالب عليه العالم بعدوان وحشي لم نشهد له مثيلا في التاريخ المعاصر، وتجاوز في سنواته أطول حرب عالمية عرفتها البشرية للأسف".
وتفيد الأمينة العامة للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة أنه "خلال السنوات الماضية من المظلومية المسكوت عنها عالميًا، كان الشعب اليمني بكل مقوماته وتراثه وماضيه ومستقبله هدفًا لوحشية دول تحالف الشر، فوجدناهم يصبون حقدهم الأعمى امتثالًا لأوامر أسيادهم من الأميريكيين والصهاينة على رؤوس أبناء هذا الشعب، إلا أنه وفي كل الحروب تكون شريحتا النساء والأطفال هما الأكثر تضررًا".
وتشير الشامي الى حال الأطفال خلال العدوان بالقول "خلال الست السنوات الماضية حُرموا من كل حقوقهم وفي مقدمتها الحق في الحياة. فكان الأطفال هدفًا مباشرًا لدول تحالف الشر في أكثر من مرة، ولم يعد أطفال اليمن يجدون الأمان حتى في أحضان أمهاتهم، اللواتي قُتلن معهم في بيوتهم وحتى في مخيمات النزوح التي هُجّروا إليها قسرًا، ولحقت بهم طائرات تحالف العدوان إلى المخيمات، وأمطرتهم بكل أنواع الأسلحة المحرمة دوليًا في جرائمِ حربٍ يندى لها جبين الانسانية".
وتضيف الشامي "خلال هذه السنوات وبفعل العدوان والحصار حُرم الطفل اليمني من كل حقوقه تقريبًا، فلا غداءَ ولا دواءَ ولا تعليمَ ولا لعبَ ولا مشاركةَ، وفوق هذا كله لم يعد من حقه أن يعيش؛ لأن مسوخ العرب قرروا أن يقتلوه، لأن شعبه يحلم بالكرامة والعزة والحرية".
أطفال اليمن المرضى من يسمع صوت أنَّاتهم؟
بحسب الأمينة العامة للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة "هناك تزايد ملحوظ في أعداد الاصابات بالأمراض خلال سنوات العدوان، ومنها السرطان بمختلف أنواعه، وقد ارتفع معدل المصابين بالسرطان نتيجة استخدام دول تحالف العدوان لأسلحةٍ محرمةٍ دوليًا من 2.3% إلى 5.5%، وكذلك أمراض الفشل الكلوي والكبد والسكر وغيرها، وكان للنساء والأطفال نصيبٌ وافرٌ من تلك الأمراض، بالإضافة إلى ارتفاع معدلِ وفيات الأمهات والرضع، نتيجة قصف المنشآت الصحية التي تقدم خدمات الأمومة والطفولة، فضلاً عن تزايد حالات موت الخدّج، وتشوه الأجنة بفعل أسلحة التحالف، وحدثت تشوهات نادرة بحسب تصنيف الأطباء".
وتؤكد الشامي "أن هناك أكثر من 2.9 مليون طفل يمني يعانون من سوء التغذية من أصل 5.4 مليون طفل، منهم 500 ألف طفل مصابون بسوء التغدية الوخيم ومهددون بالوفاة، وأن ما نسبته 86% من الأطفال دون سن الخامسة يعانون من أحد أنواع فقر الدم، و 47% منهم يعانون من التقزم، كما أن 265 ألف طفل يموتون سنويًا بسبب الأمراض والمعاناة الصحية، وتسبب الحصار الجائر المفروض على الشعب اليمني في منع دخول أكثر من 362 صنفًا من الأدوية، وحرمان أكثر من 400 ألف مريض من تلقي العلاج في الخارج، منهم 230 ألف مريض مسجلون في السجلات الرسمية أنهم بحاجةٍ ماسةٍ إلى العلاج في الخارج توفي منهم 43000 مريض بينهم 30% من الأطفال، وما تزال الحالات في زيادة مستمرة نتيجة استمرار العدوان في استخدام الأسلحة المحرمة، واستمرار الحصار، ومنع دخول الأدوية، وقصف المنشآت الصحية، وقطع الطرق أمام المرضى، فالمأساة الانسانية التي يعيشها اليمن بسبب العدوان الظالم والتواطؤ الدولي المخجل تتفاقم يومًا بعد آخر".
العدوان يحرم أطفال اليمن من حقهم في التعليم
وتقول الأمينة العامة للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة في حديثها لـ"العهد" إن "التعليم لم يكن بمنأى عن وحشية دول التحالف، فقد نالت المؤسسات التعليمية نصيبًا من التدمير الممنهج بنيران العدوان الأمريكي السعودي، وأصيبت بأضرارٍ كارثية".
وتؤكد الشامي أن "العدوان استهدف أكثر من 2482 مدرسة حكومية وأهلية، وخرجت أكثر من 29% منها من الخدمة نتيجة الأضرار والتدمير.
كما قطعت رواتب المعلمين مما أثّر على سير العملية التعليمية، وحُرِمَ نحو 4435000 طالب وطالبة من الذهاب للمدرسة بشكل طبيعي، وصار بعضهم يدرس في أماكن بديلة نتيجة لقصف مدارسهم وهم فيها في بعض الأحيان".
مستقبل أطفال اليمن مهددٌ بآثار العدوان
أمام هذا الوضع الكارثي للأطفال اليمنيين تظل هناك آثارٌ بعيدة المدى للعدوان الأمريكي - السعودي الغاشم على مستقبلهم.
الشامي تؤكد أن "صحة الأطفال النفسية أصبحت كارثةً انسانية، وهي بحاجة لتكاتف كل أصحاب الضمائر الحية في العالم، للوقوف مع الجهات المعنية لمعالجة تداعياتها المؤلمة"، لافتة الى "نسبة الأطفال الذين يصابون بحالات الاغماء أو التبول اللاإرادي وغيرها من الاضطرابات نتيجة الخوف، حيث وصل عدد الأطفال الذين خضعوا للفحوصات الطبية نتيجة الاضطرابات النفسية الى أكثر من 80 ألف طفلٍ وطفلة، وهناك الكثير غيرهم ممن يحتاجون برامج مدروسة لمعالجة حالاتهم".
وبحسب الشامي "فقد حاولت دول العدوان كسر صمود الشعب اليمني بكل الطرق، وعندما عجزت عن ذلك بكل ترسانتها العسكرية، لجأت إلى جريمة حربٍ مدانةٍ في كل المواثيق الدولية، تتمثل في التجويع الجماعي للشعب اليمني، تأثرت منه كل الشرائح، وطال الطفولة نصيب الأسد"، وبدلاً من ذهاب الأطفال لمنازلهم وأسرهم، وجدنا أطفالنا يهربون خوفًا من الطائرات والغارات من مخيم لآخر، بل لم يسلم منهم حتى الطفل الكفيف الذي قُصِفَ في داره، ولم يتمكن من الهرب فاستشهد تحت أنقاض الدار، وعوضًا عن حمل الحقيبة المدرسية وجدنا أطفالنا يحملون الماء لمسافاتٍ طويلة".
أسطورة الصمود اليماني والانتصار بالله
تشدد الأمينة العامة للمجلس الأعلى للأمومة والطفولة على أن "ارتباط الشعب اليمني كبارًا وصغارًا بالله وتمسكه بنهجه ومعرفة مظلوميته ومدى أحقيته في الدفاع عن نفسه، يزيد من عزيمة هذا الشعب، وإصراره على المضي قدمًا نحو لملمةِ شتاته، وبناءِ مستقبله أيًّا كانت الصعوبات.
فها نحن اليوم نجد أن الرؤية الوطنية وعلى الرغم من شح الامكانيات وقلة الموارد، إلا أنها تمضي نحو محاولة بناء مستقبل أطفالنا، والنهوض بواقع مجتمعنا، مستمدةً عزمها من دماء الشهداء الطاهرة، ومن ثبات المجاهدين وايمان الجرحى والأسرى ومن معهم من أسرهم المباركة".
وتوصل الشامي رسالتها لدول العدوان ومن يقف الى جانبهم: "ما يقومون به من جرائم لن يسقط بالتقادم، ودماء أطفال اليمن ستكون لعنة تلاحقهم مهما طال الزمن، وهم قبل غيرهم يدركون أن العاقبة للمتقين، وأن شعبنا لم يعتد على أحد، ولم يرتكب أي جرم إلا رغبته في العيش بكرامة وحرية والتعامل مع كل دول العالم باحترام وندية، ومهما أمعنوا في جرمهم، فلن يفتوا في عضد شعبٍ صغاره قبل كباره وقد كشفوا زيفهم وعرفوا قبحهم، وأقسموا أن لا يتراجعوا عن العيش بعزةٍ، وفاءً لشهدائهم الذين استهدفهم العدوان دون ذنبٍ".
وتناشد الشامي "المنظمات المعنية بالطفولة الالتفات بجدية لمعاناةِ أطفال اليمن، ونقل مظلوميتهم للعالم وشعوبه، الذين لم يتمكن بعضهم حتى اليوم من الاطلاع على حجم الكارثة الانسانية التي نعيشها منذ ست سنوات".