خاص العهد
كورونا..لبنان في وضع "مأزوم"..40 سريرًا فقط وأرقام صادمة في الأيام المقبلة
فاطمة سلامة
لدى سؤال أحد المعنيين عن كثب في متابعة ملف "كورونا" عن السيناريو والنموذج الخارجي الذي يواجهه لبنان اليوم، يسارع الى القول: "قد يتحوّل لبنان الى نموذج تُضرب فيه الأمثال عالمياً لوصف قساوة المشهد. قساوة مبنية على عداد إصابات مرتفع، ومستشفيات غير قادرة على استقبال المرضى نتيجة نفاد القدرة الاستيعابية". برأيه، قد نجد المصابين في الطرقات وسط تخلف عدد كبير من المستشفيات الخاصة عن القيام بواجباتها في هذه الحرب الوطنية الكبرى.
قد يكون هذا الكلام المختصر خير دليل على خطورة المرحلة الصحية التي وصل اليها لبنان وحراجة الظروف. والأسباب تكمن في كلمة واحدة "الاستهتار". نعم، يواصل "الاستهتار" المجتمعي تمدده، ومعه تتمدّد "كورونا" ويواصل عداد الإصابات الإرتفاع. والمصيبة الكبرى تكمن في خروج أسرة المستشفيات -بعد أيام قليلة- عن التغطية، ما يطرح السؤال حول السيناريو القادم اذا لم تلتحق المستشفيات الخاصة -والتي لم تفتح بعد أقساماً لمرضى "كورونا"- بركب المستشفيات الفاعلة في هذه الحرب الخبيثة. مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزيف الحلو يؤكّد لموقع "العهد" الإخباري أنّ المستشفيات الحكومية والخاصة في كل الأراضي اللبنانية تحتوي حالياً ما بين 35 الى 40 سريرا كحد أقصى فقط في العناية الفائقة لمرضى "كورونا" قبل أن تعلن نفاد قدرتها الاستيعابية. ويرجّح الحلو نفاد تلك القدرة في الأيام القليلة المقبلة خصوصاً أنّ نتيجة الاستهتار الذي شاهدناه في فترة الأعياد ستبدأ بالظهور في 9 و10 من الشهر الحالي، حيث سيسجّل عداد الإصابات أرقاماً قياسية، وعندها لن يعود ينفع الندم.
خوري: الأخطر من التفشي هو عدم قدرة المستشفيات على الاستيعاب
عضو لجنة متابعة كورونا مستشار رئيس الجمهورية للشوون الصحية النائب السابق الدكتور وليد خوري يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ الوضع الصحي مأزوم خاصة على صعيد المستشفيات الخاصة والحكومية التي لم تعد قادرة على الاستيعاب. وفق خوري، فإنّ الوضع خطير ليس لجهة تفشي "كورونا" فحسب، بل الأخطر من التفشي هو عدم قدرة المستشفيات على الاستيعاب. كنا ننتظر أن توسّع المستشفيات استيعابها بالأخص الخاصة وهذا الأمر لم يحصل في الإقفال السابق بالوتيرة التي خططنا لها. وعليه، يسعى وزير الصحة الدكتور حمد حسن للضغط على المستشفيات الخاصة، لكنّ هذا الأمر غير كاف -من وجهة نظر خوري- الذي يرى أنّ المستشفيات يجب أن تعطى تحفيزاً، فالطاقم الطبي والتمريضي والمستشفيات الخاصة تحتاج أموالاً لتكمل في المهمة. وفق قناعات خوري، الجهاز الطبي والتمريضي والاستشفائي يشكّل السلاح في هذه الحرب، ولهذه الأسباب تقتطع الدول من ميزانياتها لتحفّز هذا القطاع وتوسع خدماته الاستشفائية. برأي خوري، علينا أن ننسى كل شيء ونصرف الأموال على القطاع الصحي.
يجب أن يشمل الإقفال حظر تجول
وفيما تتّجه البلاد نحو الإقفال، يشدّد خوري على أنّ الإقفال لن يؤتي أكله اذا لم يكن إقفالاً تاماً يشمل حظر تجول. يشدّد خوري على ضرورة تنفيذ إقفال شبيه بالإقفال الذي شهدته البلاد في آذار العام الماضي عندما لازم المواطنون منازلهم. أكثر من ذلك، من وجهة نظر المتحدّث، يجب أن يؤازرالجيش اللبناني قوى الأمن الداخلي في المناطق الصعبة لأن بعض الأماكن لم تلتزم كما يجب.
ننتظر أرقاماً صادمة خلال الأيام المقبلة
ويلفت خوري الى أنّ أعداد الإصابات مستمرة في الإرتفاع، وننتظر بعد أسبوع الى أسبوعين من فترة الأعياد أن نرى أرقاماً صادمة، مع الإشارة الى أنّ 80 الى 85 بالمئة من القطاع الطبي والاستشفائي في لبنان تابع للقطاع الخاص غير الملزم في الدولة، فيما المستشفيات الحكومية قامت بجهود كبيرة لتوسعة قدرة استيعابها، ولكن هذه المستشفيات تشكّل فقط 15 بالمئة من قدرة الأسرّة في لبنان، وعليه، وفق خوري، اذا لم نعط أموالاً للمستشفيات الخاصة للتوسعة لن تستقبل المرضى خاصة أن لا أحد يجبرها في القانون سوى قانون الطوارئ. وهنا يفضّل خوري أن نعطي هذه المستشفيات "الجزرة" أكثر من سياسة "العصا" -خاصة أن ما يقارب الألفي عنصر من الجهاز الطبي والتمريضي أصيب بكورونا، وهؤلاء انقطعوا عن أعمالهم، ما زاد الضغط على هذا الجهاز.
وفيما يرى خوري أن ليس بإمكاننا الاستمرار اذا لم تتوسّع القدرة الاستيعابية للمستشفيات الخاصة، يعتبر أن حل هذه المسألة ليس معقداً. إعطاء بضعة ملايين من الدولارات للمستشفيات الخاصة كفيل بحل المشكلة، خاصة أن لدينا قرضا من البنك الدولي، وإلا سنكون أمام مشكلة كبيرة، يختم خوري.
الحلو: لإقفال عام يُسجن ويُغرّم فيه كل من يتجوّل
بدوره، مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزيف الحلو يشدّد في حديث لموقعنا على أننا وصلنا الى ما كنا نحذّر منه منذ أشهر، لكن للأسف أطاح البعض بكل الجهود الجبارة التي بُذلت كرمى لحفلة هنا ومناسبة هناك. هل من إمكانية للعودة الى الوراء في الأعداد؟ يجيب الحلو عن هذا السؤال بالإشارة الى أنّ هناك إمكانية، ولكنّ النتيجة ليست سريعة بل تتطلب من أسبوعين الى ثلاثة أسابيع، لافتاً الى أننا نوصي بإقفال لا يقل عن ثلاثة أسابيع. ومن وجهة نظر الحلو، لكي يؤتي هذا الإقفال أكله يجب أن يكون مصحوباً بمنع تجول وتدابير صارمة تقضي بسجن كل من يتجوّل فضلاً عن تدفيعه غرامة لا تقل عن 5 آلاف دولار، تماماً كما يحصل في كل دول العالم. فهل يُعقل أن نشاهد كل مشاهد الاختلاط في حفلات ليلة رأس السنة؟ يسأل الحلو.
المطلوب تجاوب جميع المستشفيات مع هذه الحرب الوطنية الكبيرة
ولدى سؤاله عن المطلوب للتخفيف من وطأة الأزمة، يلفت الحلو الى أنّ بعض المستشفيات الخاصة تجاوبت بشكل ضئيل، والبعض الآخر لم يتجاوب، وعليه، المطلوب تجاوب الجميع مع هذه الحرب الوطنية الكبيرة. نحن بلد ضعيف وفقير ولا نملك إمكانيات كبرى، يقول الحلو الذي يلفت الى أنّ الدول التي تملك إمكانيات كبيرة خسرت. وهنا لا ينكر الحلو أن للمستشفيات الخاصة مستحقات على الدولة وليس فقط على وزارة الصحة، ولكن عندما نكون في خضم الحرب، علينا تحمل مسؤولياتنا خاصة أننا في ظل حالة طوارئ وتعبئة عامة.
وفي السياق، يعرب الحلو عن استغرابه كيف لا يزال البعض يعتبر "كورونا" مزحة بينما توفي حتى الساعة نحو 1500 شخص، وليلة رأس السنة نقلنا بالتعاون مع الصليب الأحمر 101 حالة كورونا الى المستشفيات. وهنا يلفت الحلو الى أنّ أكثر من 90 بالمئة من القدرة الاستيعابية للمستشفيات امتلأت، لافتاً الى أن الأعداد الكبيرة ستبدأ بالظهور في 9 و10 من الشهر الحالي نتيجة السهرات والاختلاط الذي شهده لبنان في الأعياد.
من المعيب أن تذهب كل الجهود الجبارة سدى
وفي سياق حديثه عن القدرة الاستيعابية للمستشفيات، يوضح الحلو أنّنا بتنا اليوم في مرحلة نؤمّن فيها سريراً لمريض "كورونا" بطلوع الروح -كما يقال- اذ لدينا بالحد الأقصى ما بين 35 الى 40 سريرا في المستشفيات، وعندما تبدأ الأعداد الكبيرة بالظهور نتيحة الاختلاط الذي شهدناه مؤخراً، قد نجد المصابين على الطرقات، لافتاً الى أنّه حاول -وهو مدير المستشفيات- تأمين سرير لأحد أقربائه من المصابين بكورونا فبقي 6 ساعات حتى تمكّن من تأمين مكان له في طوارئ أحد المستشفيات. ويأسف الحلو لأن أصوات المعنيين بُحّت من كثرة التحذير ولكن لا أحد يسمع بل توسعت دائرة الاستهتار من الناس. برأي الحلو، من المعيب أن تذهب كل الجهود الجبارة سدى.
وفي الختام، يسأل الحلو: أين البلديات لا تتحمل مسؤولياتها، فيما نشاهد الناس تقيم المناسبات من أفراح وأتراح بلا أي محاسبة؟ وفق الحلو، فإنّ الرقابة من مهمة البلديات. ولدى سؤاله عما اذا بتنا أبعد من السيناريو الإيطالي، يجيب الحلو : "قد تُضرب فينا الأمثال ويقال كالنموذج اللبناني".
هارون: لم نقصّر في واجبنا
وفي الوقت الذي توجّه فيه أصابع التقصير باتجاه العديد من المستشفيات الخاصة التي لم تفتح أقسام لـ"كورونا" بحجة الأوضاع المالية، يُطالبها البعض بضرورة التحلي بمسؤولياتها الأخلاقية في هذه الحرب والمعركة الصحية الكبرى، فيما يلفت نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون في حديث لموقعنا الى أنّ 60 مستشفى بالحد الأدنى جهّزت أسرة لاستقبال مرضى "كورونا". هذه المستشفيات لديها ما يفوق 300 سرير في العناية الفائقة، وما يفوق الـ550 سريراً لمرضى الحالات العادية من "كورونا".
ورداً على سؤال، لا ينكر هارون أنّ هذه الأسرة شبه ممتلئة اليوم، لكنه يستطرد بالقول:" نحن لم نقصّر في واجبنا، ولم نكن بعيدين عن مسؤولياتنا والسؤال كيف بإمكاننا أن نستمر في الطلب من المستشفيات زيادة عدد الأسرّة في الوقت الذي تتخبط فيه بأزمة مالية وسط تمنع الدولة عن دفع مستحقاتها؟". وفق هارون، فإنّ عملية تجهيز أقسام لمرضى "كورونا" مكلفة.
وفي معرض حديثه، يكرر هارون:" نحن نعرف حقوقنا انسانياً ووطنياً، ولكن في الوقت نفسه لا نستطيع تقديم مسؤولياتنا اذا لم نحصل على مستحقاتنا". طيلة عام 2020 لم نقبض شيئاً من مستحقاتنا -يضيف هارون- الذي يلفت الى أن كافة المساعدات التي أتت ذهبت الى المستشفيات الحكومية -ولا مشكلة لدينا في ذلك- لكننا نطالب بتقاضي مستحقاتنا لنقوم بواجباتنا، ومجموع المستحقات يبلغ 2300 مليار ليرة.
نسبة الإصابات عالية جداً
هل من إمكانية لتجاوب بعض المستشفيات الخاصة وفتح أقسام جديدة لكورونا في الأيام المقبلة وسط اشتداد الأزمة؟ يجيب هارون عن السؤال بالإشارة الى أنّ بعض المستشفيات تتجه لزيادة عدد الأسرة، ولكن لا يمكننا أن نعيش سباقاً مع الوقت. اذا كانت أعداد الإصابات كما هو متوقع كبيرة خلال الأيام القادمة فمهما وسّعنا وزدنا أسرة سنبقى مكسورين. في الدول الأوروبية الكبيرة لم تعد المستشفيات قادرة على تغطية الجميع فما بالكم في البلد المفلس، خصوصاً في ظل الاستهتار الحاصل؟ وبحسب هارون، فإن نسبة الإصابات عالية جداً وتتراوح بين 12 و15 بالمئة يومياً، وهذا رقم عال جداً، وخفضه يتوقف على تصرف الناس، اذ ان عدم الوعي يزيد المصيبة، وليس من المقبول التجمعات بالشكل الذي رأيناه في الإعلام في الأماكن العامة والمنازل حيث يسود الاختلاط بلا أي اجراءات وقائية. وهنا يحذّر هارون من أن إصابة أي شخص في العائلة كفيل بنقل العدوى لبقية أفرادها وهذا ما بدا جلياً في فحوصات الـpcr، يختم هارون.