ابناؤك الاشداء

خاص العهد

 تذاكر
23/12/2020

 تذاكر "الميدل ايست" بـ"الفريش دولار" بدءاً من شباط: قراءة في الجوانب القانونية والاقتصادية

فاطمة سلامة

أثارت التصريحات التي أدلى بها رئيس مجلس إدارة "الميدل ايست" محمد الحوت مؤخراً حول عزم الشركة بيع تذاكر السفر بـ "الفريش دولار" فقط الكثير من التساؤلات. البعض قارب الخطوة على أنها استكمال لنهج مصرف لبنان -المرجع الأم لشركة طيران الشرق الأوسط- في الضغط على أموال الناس وحرمانهم من الاستفادة من أموالهم وشقاء عمرهم المحتجز في المصارف. والبعض الآخر ذهب أكثر من ذلك ليربط قرار "الميدل ايست" بالحيلة الجديدة لسحب ما تبقى من دولارات في جعبة المواطنين والمغتربين. فماذا يعني أن تتوقف شركة وطنية تابعة لمصرف لبنان عن قبول الدفع بالدولار الأميركي من الودائع في البنوك المحلية؟ ماذا يعني "الفريش دولار"؟ كيف يبرّر الحوت هذا القرار؟ هل من تداعيات للقرار العتيد على حركة السياحة شبه المعدومة؟ وكيف ينظر القانون اللبناني الى خطوة "الميدل ايست" القادمة؟.

الحوت: القرار سيُطبّق في شباط ولا أحد يزايد علينا 

بدايةً، يعرّف الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش لموقعنا مصطلح "الفريش دولار" بالإشارة الى أنّه "الدولار النقدي الآتي من الخارج والموجود في الداخل بأيدي المواطنين، أو دولار الحساب الجديد غير المرتهن". وقبل أن يُقدّم عكوش قراءته الاقتصادية والمالية لقرار "الميدل ايست" كان لموقع "العهد" الإخباري حديث مع رئيس مجلس إدارة "الميدل ايست" محمد الحوت للوقوف على حيثيات القرار. وبحسب الحوت، ستبدأ شركة طيران الشرق الأوسط بتطبيق القرار الذي أعلن عنه ببيع تذاكر السفر بـ "الدولار الطازج" في شباط المقبل. يُبرّر الحوت قرار الشركة بالإشارة الى أنّ لديها 6000 موظف ولا يأتيها دعم حكومي، فمن أين ستؤمّن المستحقات المطلوبة منها والرواتب للعاملين؟ يسأل الحوت ويضيف: "هناك شركات تضرّرت جراء الواقع الحالي، اذا لم نتّخذ هكذا إجراءات كيف سنحافظ على الشركة؟". 

وفي معرض حديثه، لا يعتبر الحوت أن هذه الخطوة ستؤثر على السائح القادم من الخارج. ورداً على سؤال، يلفت الحوت الى أنّ "أموالنا نحن أيضاً محتجزة في المصارف"، طالباً من البعض عدم المزايدة علينا في الوطنية. 

الكيك: القانون يحدّد إيفاء الالتزامات بالعملة اللبنانية 

الباحثة في الشؤون القانونية المصرفية الدكتورة سابين الكيك تتوقّف عند قرار "الميدل ايست"، فتقاربه من الناحية القانونية. وفق الكيك، توجب المادة ٣٠١ من قانون "الموجبات والعقود" إيفاء الالتزامات بالعملة اللبنانية عندما يكون الالتزام مبلغاً من النقود، لكنها طبعاً لا تمنع حصول التعاقد بالعملة الأجنبية، ولكن توفر للأشخاص إمكانية إبراء ذمتهم بدفع ما يوازي قيمة العملة الأجنبية بالنقد اللبناني. وبحسب الكيك، لا يجوز لأحد أن يمتنع عن قبول العملة الوطنية لما تتمتع به من قوة ابرائية شاملة، فكيف الحال إذا كانت الشركة هي شركة الطيران الوطني والتي تعود ملكيتها للمصرف المركزي الموكلة إليه مهمة الحفاظ على قيمة النقد اللبناني؟ تسأل الكيك.

وفي هذا الصدد، تشير الكيك الى أنّ قانون "النقد والتسليف" يؤكّد في المادة 192 منه تطبيق العقوبات المنصوص عليها بالمادة 319 (من قانون العقوبات) على كل من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية وفق الشروط المحددة في المادتين 7 و 8 "نقد وتسليف"، ولكن تبقى -بحسب الكيك- إشكالية تحديد سعر الصرف غير محسومة لناحية الالتزامات الناشئة بعد الأزمة والتي تخضع بطبيعتها لمبدأ حرية التعاقد.

عبود: لا ينقصنا قرارات 

لدى سؤال نقيب أصحاب مكاتب السفر والسياحة​ جان عبود عما اذا كان هناك تداعيات للقرار الجديد على حركة السياحة، يوضح أنّ إنتاجية المكاتب تراجعت 90 بالمئة نتيجة فيروس "كورونا" والقيود التي وضعتها المصارف على شركة الطيران. وفق قناعات عبود، فإذا كانت الحركة قد تراجعت 90 بالمئة ستتراجع 99 بالمئة بعد القرار الجديد. يلفت المتحدّث الى أنّ مكاتب السياحة والسفر صرفت موظفين وتعمل بطاقة متدنية تبلغ حوالى 10 بالمئة، مرجحاً أن يعمل الشخص بمفرده في مكتبه وأن لا يبقى هناك موظفون لأن المكاتب فقدت قدرتها، فنحن في وضع حساس جداً وعلى شفير الهاوية ولا ينقصنا قرارات جديدة، يضيف عبود الذي يلفت الى أنّ الخطوة القادمة تتطلّب وقتاً للمعالجة جراء حاجتها لبعض الأمور التقنية والفنية. 

شركات الطيران تعاني

لا ينكر عبود أن شركات الطيران تعاني منذ حوالى العام من عدم تحويل المصارف لأموالها، فهناك 150 مليون دولار في حساب شركات الطيران في لبنان لم يتمكنوا من تحويلها الى مكاتبهم، وهناك شركات انسحبت من السوق اللبناني وشركات بقيت لكن لديها مشكلة في التحويل. وهنا لا يخفي عبود أنه منذ أن بدأت القيود المصرفية على التحاويل الى الخارج طرأت المشكلة علينا ووصلت الى مكاتبنا في الخارج. وفق عبود، فإنّ عمل مكاتب السياحة والسفر توقّف بشكل شبه نهائي اذ لا بطاقة ائتمان تعمل ولا تحويلات من المصارف التي نملكها، وفي المقابل كان لدينا التزامات ومستحقات يجب أن ندفعها للخارج. 

وفي سياق حديثه، يتطرق عبود الى أوضاع شركة طيران الشرق الأوسط غير الجيدة، والتي تعمل اليوم بحوالى 25 بالمئة فقط من قوتها التشغيلية. وفق قناعاته، قد تكون "الميدل ايست" لجأت الى هذا القرار جراء الواقع المتردي، ولكن خطوتها ستواجه أموراً قانونية فقانون النقد والتسليف لا يسمح لنا الطلب بالدولار.

ويوضح عبود أنّ حوالى 2 أو 3 بالمئة فقط من الشعب اللبناني لا يزال لديه القدرة على السفر، معتبراً أنّ هذه الخطوة  ستؤثر بطبيعة الحال أكثر، ويلفت الى أنّ بعض الشركات  قد بدأت أصلاً بمعادلات معينة في سياق احتساب التذاكر،  فهناك من يأخذ 60 بالمئة "دولار كاش" و40 بالمئة "شيك مصرفي" عن طريق "الأياتا". وهنا يوضح عبود أنّ أي شيء يأتي عن طريق "الأياتا" من المفترض أن يكون "شيك دولار" ويذهب الى حسابها في لبنان حيث يتم تجميده. كما أنّ هناك بعض الشركات عملت على حلول أخرى حيث تتقاضى 20 أو 50 أو 60  بالمئة دولاراً.

خسائر لحقت قطاع الملاحة الجوية بقيمة 168 مليار دولار

وفي الختام، يشدّد عبود على أنّ قطاع الملاحة الجوية تضرر جراء فيروس "كورونا"، ففي هذا القطاع هناك خسائر بقيمة 168 مليار دولار حول العالم، والشركات التي لم تتمكن دولها من دعمها تراجعت. وبحسب عبود، فإنّ كل شركة طيران يوجد في أسطولها 1000 طائرة تعمل على تشغيل 300 طائرة فقط، ما يعني أن هناك تراجعاً بالقدرة الاستيعابية. وهذا التراجع يزداد في لبنان الذي يعاني من أزمتين؛ صحية واقتصادية. 

عكوش: "الميدل ايست" مؤسسة عامة لا تبغي الربح وعليها أن تراعي الشروط الوطنية والحالة الاقتصادية 

الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يقارب القضية من منطلق عام وشامل، فيشير بداية الى أنّ شركة الطيران من الطبيعي أن تطلب عملة تكون قادرة أن تحصل عليها، وكلنا يعلم أنّ قيمة "الشيك" المصرفي حالياً أصبحت بحدود الـ35 بالمئة من قيمته الفعلية. على سبيل المثال، لو كان لدينا شركة تبيع سلعة قيمتها مئة دولار وفقاً للسعر الرسمي فإنها تخسر حوالى 80 بالمئة من قيمتها، وهو ما دفع  أكثر التجار  -وفق عكوش- الى رفع أسعارهم لأن قيمة الدولار ارتفعت والقدرة الشرائية للمواطنين تراجعت بحدود الـ80 بالمئة. تماماً كما انخفضت قيمة الليرة بما يوازي الـ 450 الى 500 بالمئة نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار. 

وعليه، يرى عكوش أنّه من الطبيعي لأي شركة أن ترفع أسعار سلعها وبضائعها. لكن المشكلة -برأي عكوش- في قضية "الميدل ايست" أننا نتحدث عن شركة الطيران الوطنية والتي تعتبر شركة ومؤسسة عامة لا تبغي الربح، فالمؤسسات العامة -كما نعلم- لا تبغي الربح الا اذا تم خصخصتها. ويوضح عكوش أنّ شركة "الميدل ايست" هي شركة مساهمة لبنانية تخضع لقانون التجارة الا أنّ ملكيتها محصورة بالدولة عن طريق مصرف لبنان الذي يملك معظم الأسهم حيث لم يكن الهدف من استملاكها الربح، بل الهدف من شرائها من قبل مصرف لبنان كان عدم إفلاسها والحفاظ عليها كمؤسسة وطنية. لذلك، لا يستطيع رئيس مجلس إدارة "الميدل ايست" أن يقول ليس بإمكاني أن أبيع إلا كما تبيع الشركات العالمية المخصخصة أصلا والتي يملكها أشخاص وشركات معروضة أسهمها في البورصات العالمية. يلفت عكوش الى أنّ شركة "الميدل ايست"  هي شركة وطنية ليست مخصخصة وبالتالي عليها أن تراعي الشروط الوطنية والحالة الاقتصادية للمواطنين اللبنانيين.

لا بد من سياسة لا تفتح باباً للاستنسابية
 
ويشدّد عكوش على ضرورة أن تعمل "الميدل ايست" على سياسة تميز فيها بين المستهلكين كما كانت تعمل بعض الدول حيث تميز بين المستهلك اللبناني وغير اللبناني. سياسة واضحة ومقوننة يحدد فيها سعر الصرف بطريقة دقيقة لكافة المكاتب. ويعتبر عكوش أنّ المواطنين كانوا يستفيدون في جزء من الواقع الحالي، إلا أنّ مكاتب الطيران كانت تستفيد في الجزء الأكبر. وبحسب عكوش، يُرجعنا هذا الواقع الى مسألة سياسة الدعم التي اعتمدتها الحكومة ومصرف لبنان حيث إنّ المواطن اللبناني يستفيد بنسبة 20 بالمئة، بينما المستفيد الأكبر هم التجار ونفس المنطق ينطبق على قضية التذاكر التي كان تستفيد منها المكاتب. الأخيرة كانت تحدد أسعار التذاكر بطريقة استنسانية، وعليه لا بد من سياسة لا تفتح باباً للاستنسابية لأي طرف ويحدد فيها سعراً موحداً لمكاتب السفر.
 
 

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل