خاص العهد
بالأرقام..حوادث السير وضحاياها في لبنان: ماذا عن "السلامة المرورية"؟
فاطمة سلامة
يكاد لا يمر يوم لا نسمع فيه خبراً عن ضحية على الطرقات. حوادث السير المتنقلة باتت قدراً يلاحق اللبنانيين أينما توجهوا. غالباً ما نستقبل على هواتفنا المحمولة أخباراً عاجلة تفيد عن قتيل هنا وجريح هناك في حادث سير. قصص الموت على الطرقات تزداد يوماً بعد يوم والأسباب متعددة. تارةً يجري الحديث عن سرعة جنونية أودت بحياة البعض، وتارةً أخرى يُشار الى أوضاع الطرقات التي لا تحوي أدنى قواعد السلامة المرورية. من لم يُصادف مروره ليلاً عبر طرق رئيسية بالكاد يرى فيها ظل سيارته بسبب عدم وجود إنارة؟!. المتهم الأول في هذه الحال هي الدولة التي لم تتّعظ من الأرقام المطردة لحوادث السير والضحايا لتدارك التقصير على كافة المستويات. لا بل إنّ الأوضاع تزداد سوءاً حتى بتنا نسمع مناشدات عدة لتحسين وضع طرقات محددة نتيجة تكرر الحوادث عليها والاستجابة تبقى معلّقة لنخسر المزيد من الضحايا. فعام 2020 ورغم أنه شهد فترات إقفال كبيرة، إلا أنّ الانخفاض بعداد الحوادث والضحايا لم يكن كما يجب، اذ بلغ المعدل اليومي للحوادث ما يقارب الـ8 حوادث، ونحو 10 جرحى وقتيل يومياً.
مسلّم: نسبة الانخفاض في عام 2020 لم تكن كافية
ولا شك أنّ ملف حوادث السير يعتبر من الملفات الشائكة والمعقدة، فهو عبارة عن سلسلة مترابطة من الأسباب ضحيتها الأولى والأخيرة المواطن. لدى سؤال رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الامن الداخلي العقيد جوزيف مسلم عن آخر الإحصاءات حول أرقام حوادث السير وضحاياها يوضح أنّ الحوادث بلغت منذ كانون الثاني حتى تشرين الأول من عام 2019 3614 حادثاً راح ضحيتها 5769 جريحاً و426 قتيلاَ. وفي عام 2020 بلغت الحوادث 2666 حادثاً والجرحى 3542 و337 قتيلاً. نسبة الانخفاض في عام 2020 بلغت كالتالي: 26 بالمئة للحوادث، 39 بالمئة للجرحى و21 بالمئة للقتلى. هذا الانخفاض -وفق مسلّم- مرده الى إقفال البلد لفترات بسبب فيروس "كورونا"، مع الإشارة الى أنّ نسبة الانخفاض لم تكن كافية بل كان يجب أن تتخطى الـ40 بالمئة، بحسب مسلّم.
وفي ختام حديثه، يشدّد مسلم لموقع "العهد" الإخباري على أنّ وعي المواطن في هذه القضية أساسي لحماية نفسه ومحيطه كي لا يكون ضحية أو قاتلاً، خاصة وسط شبه غياب للصيانة الدائمة للطرقات وهذا الأمر يستوجب من السائقين الوعي والحذر وتخفيف السرعة بشكل أكبر.
ابراهيم: مفهوم "السلامة المرورية" غائب في لبنان
مدير الأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية كامل إبراهيم يوضح في حديث لموقعنا أنّ هناك عوامل عدة تساهم في حدوث حوادث سير بهذه النسبة التي نشهدها في لبنان سواء لناحية عدم التزام بعض المواطنين بالقوانين، أو لجهة الطرقات غير الجيدة. برأي ابراهيم، الجميع مسؤول فالمواطن الذي يخالف القانون يتحمل مسؤولية كبيرة عن حدوث الحادث لأنه تسبب به. وهنا لا ينكر ابراهيم أنّ النسبة التي يتسبّب فيها المواطنون بالحوادث كبيرة، لكنّه في المقابل يشدد على دور الدولة في معالجة هذه المشكلة. لا بد أن يكون للدولة دور في هذا الإطار للحد من حصول الحوادث من خلال تعميم قوانين وتطبيقها وتحسين الطرقات وصيانتها لمعالجة هذه المشكلة. وهذه الأمور جميعها تندرج في إطار ما يسمى بـ"السلامة المرورية"، ذلك المفهوم الغائب في لبنان ما يرفع من نسبة الحوادث ويجعل البلد في وضع سيئ.
الحوادث تتصاعد جراء عدم صيانة الطرق بشكل جيد وعدم دراسة الأمكنة
ووفق ابراهيم، يغيب مفهوم "السلامة المرورية" نتيجة عدم صيانة الطرق بشكل جيد وعدم دراسة الأمكنة التي تتكرر فيها الحوادث وتنتج عنها الضحايا لمعالجة هذه النقطة بالذات أو تلك، كأوتوستراد الأسد، وعدم تطبيق القوانين في أماكن محددة بشكل جيد وفعال. القضية تحتاج -بحسب ابراهيم- الى تشخيص المشكلة بشكل جيد واتخاذ الإجراءات بناء على التشخيص السليم لا القيام بإجراءات بشكل تقليدي. معالجة حوادث السير بهذا الشكل لا تؤدي الى نتائج إيجابية ولهذه الأسباب نرى حوادث سير كثيرة في لبنان.
وفي سياق مقاربته للقضية، يشدّد ابراهيم على أنّ التخفيف من حوادث السير يتطلب إدارة مختلفة لملف السير في البلد ومتخصصين والأهم أنه يتطلب قراراً سياسياً. بحسب ابراهيم، لم تتخذ الحكومة الحالية خطوات في ملف حوادث السير. لم يكن هناك اهتمام في هذه القضية، وللأسف دائماً ما يتم وضع هذا الملف تحت رحمة وزارات ومؤسسات تتفاوت فيها نسبة الاهتمام، وهذا الأمر في غاية الخطأ اذ يجب أن يكون لدينا مؤسسات تهتم لا وزارات يتوقف على مزاجيتها إعطاء أولوية للملف من عدمه.
صيانة الطرق باتت مكلفة ووضعها سيئ
وفيما يتعلّق بوجود طرق تغيب فيها الإنارة، يوضح ابراهيم أنّنا نعيش في بلد تحاصره مشكلة الكهرباء، الأمر الذي يؤثر على الإنارة والأخيرة تؤثر على الرؤية فينتج الحادث. هذا الموضوع لا يمكن حله سوى بتأمين الكهرباء المسألة التي ترتبط بالأزمات الموجودة. وضع الطرقات صعب وليس هيّنا خاصة أنّ صيانة الطرق باتت مكلفة مع ارتفاع سعر صرف الدولار وسط ميزانية قليلة لوزارة الأشغال العامة والنقل. وعليه، فإنّ الكثير من الأمور اختلفت بمفهوم السلامة المرورية ما أنتج واقعا صعبا وقد رأينا في بيروت إشارات بدأت تتعطّل نتيجة عدم وجود صيانة وفي أماكن أخرى كذلك الأمر يحدث.
خلاصة القول، يوضح ابراهيم أن لدينا مشكلة كبيرة في مفهوم "السلامة المرورية" تتزامن مع الواقع الاقتصادي الصعب ما يجعل القوى الأمنية تتراخى كثيراً في تطبيق القانون ما يؤثر سلباً على كافة نواحي "السلامة المرورية". ما المطلوب من المواطن؟ يرى ابراهيم أن المطلوب من كل فرد منا أن يلتزم بالقوانين ويلتزم بقانون السير، وأن لا يقود بسرعة، عليه أن يلتزم بحزام الأمان، ولا يستخدم الهاتف خلال القيادة. أن يكون حذراً ومتنبهاً ويقظاً، وفي حال قيادته دراجة نارية عليه أن يضع الخوذة وأن لا يسير عكس السير. كلما كان المواطن واعياً وحذراً أكثر كلما خفّف من نسبة الحوادث على الطرقات، يختم ابراهيم.