خاص العهد
الاقتدار في "الرد بالمثل" .. إيران في مواجهة التسلط الأميركي
يوسف جابر
فرضت الجمهورية الإسلامية الإيرانية عقوبات على كلٍّ من السفیر الأمریكي في بغداد ماثیو تولر، ونائبه ستيف فاجن والقنصل الأمريكي العام في أربيل روب والر، لارتباطهم بأعمال إرهابية في العراق والمنطقة، وآدائهم دورًا محوريًا في اغتيال الشهيد اللواء قاسم سليماني وتشديد الحظر على إيران.
تأتي هذه الخطوة بعد يومٍ من فرض وزارة الخزانة الأمريكية، إجراءات الحظر على سفير الجمهورية في العراق ايرج مسجدي. ما تقدم يشير بشكل واضح إلى أن العقوبات الايرانية بحق المسؤولين الأميركيين في العراق تستبطن دلالات عدّة وعلى صُعدٍ مختلفة، فما هي؟
أنيس النقَّاش: الردّ الإيراني على الممارسات الأميركية لإيقاظ الرأي العام العالمي
للإجابة عن هذا السؤال، أجرى موقع "العهد" الإخباري مقابلةً مع منسّق شبكة الأمان للبحوث والدراسات الإستراتيجية، أنيس النقاش، الذي أكَّد أنَّ الحظر الايراني جاء لإثبات أن الولايات المتحدة ليست الوحيدة التي تستطيع أن تبتكر وتخترع وتوجِد قوانين خاصة بها عابرة لسيادات الدول.
وأضاف: "تتفرَّد الولايات المتحدة اليوم بهذه القوانين التي يُقرّها الكونغرس بعقوباتٍ وحصارٍ على الدول، وكأنها القاضي الأول في العالم التي تقاضي جميع الدول بغض النظر عن سيادتها وعن قوانينها الداخلية، كما تتخطّى القانون الدولي المتعارف عليه بالاتفاقيات الدولية وفي مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة".
النقاش أشار إلى أنَّ الولايات المتحدة سنَّت قوانين تسمح لأجهزتها الأمنية بقتل كل من تعتبره وتعتقد أنه يهدِّد أمنها القومي، أو مواطنيها، بناءً لمعطياتها من دون محاكمات، لذلك شاهدنا حالات اختطافٍ واغتيالاتٍ عديدة في العالم.
في ظلّ هذا الوضع، قرَّرت إيران منذ فترة طويلة عدم السُّكوت عن مثل هذه المعاملات، بحسب النقاش، وعملت على سنِّ قوانين واتخاذ قرارات على مبدأ المعاملة بالمثل، مشددًا على أنَّ "أمريكا لا تستطيع ارتكاب الإرهاب وهي تلبس "ربطات العنق" وتدّعي أنها دولة ذات سيادة ولديها قوانين، متغافلة عن أنَّ للدول الأخرى سيادة وقوانين".
ويرى النقاش أنه عندما تريد أمريكا أن تعمِّم "شريعة الغاب" علينا أن نتصدّى لها بقوانينا الخاصة وأن نضعها عند حدِّها.
كذلك، اعتبر منسّق شبكة الأمان للبحوث والدراسات الإستراتيجية أن الردَّ الإيراني على هذه الممارسات هو رد مباشر ويهدف لإيقاظ الرأي العام العالمي، والرأي العام الأمريكي على وجه الخصوص، موضحًا أنه عندما يرى الأمريكيون دولًا أخرى تفرض حظرًا على ضباطهم وجنودهم ومسؤوليهم السياسيين والأمنيين، عندها يمكن أن يستيقظوا ويقولوا أنه لا يمكن أن تستمر السلطات الأميركية بهذه السياسات.
اسكندر: إيران توزِّع رسائل ولكن بقالب دبلوماسي "لطيف"
وفي السياق نفسه، اعتبر الخبير في الشأن الإيراني الدكتور رضا اسكندر، أنه من حقِّ القضاء الإيراني كونه مستقل إصدار أيّ قانون، مشيرًا إلى أن الجمهورية الاسلامية في إيران تتعامل مع الأمريكي بكلّ التفاصيل على أنها ندّ وليست خاضعة.
وأكَّد في حديثه لـ "العهد" أن إيران بدأت بالحرب الفعلية على قاعدة "أنا أُستهدف، أرُدّ"، معتبرًا أنها توزِّع رسائل ولكن بقالب دبلوماسي "لطيف".
وتابع اسكندر "الكرامة الوطنية للشعب الإيراني تأبى أن تتنازل أمام الأمريكي"، ولفت إلى أن "إيران بنت علاقات مع الدول على مبدأ احترام الذَّات، فالكرامة الوطنية تأتي بالدرجة الأولى ودون ذلك تفاصيل"، مستشهدًا بتداعيات حادثة "ميكونوس"، حين اغتيل صادق شرفكندي الأمين العام للحزب الديموقراطي الكردستاني، وذلك في برلين بألمانيا مع اثنين آخرين في فندق "ميكونوس" عام 1992، وحمَّلت حينها المحكمة الألمانية وزير الأمن القومي الإيراني علي فلاحيان مسؤولية الاغتيال، فيما ضغط الاتحاد الأوروبي على إيران لتسليم فلاحيان، إلاّ أن الأخيرة رفضت واعتبرت أنَّ في الحكم تجني وظلم، ما دفع 12 دولةً أوروبية لسحب سفرائها اعتراضًا على عدم تعاون إيران مع القرار.
وأشار إلى أنَّ إيران تعاملت معهم على مبدأ "الخروج بمزاجكم والدخول بمزاجنا"، وعندما أرادت الدول الـ 12 مطلع الألفين إعادة سُفرائها، قدَّمت كل دولة على حدىً اعتذارًا رسميًا لأن ايران اعتبرت أن الأمر يمسّ بالأمن القومي.