ابناؤك الاشداء

خاص العهد

 
13/10/2020

 "نكبة" في القطاع الاستشفائي..هجرة الأطباء والممرضين بالمئات و"الحبل عالجرار"

فاطمة سلامة

لطالما سمعنا عبارة "مستشفى الشرق الأوسط" لوصف الاستشفاء في لبنان. كما قيل في هذا البلد انه بلد السياحة الاستشفائية. المصطلحات تلك لم توجد من فراغ، بل من جودة الطبابة التي تُقدّم ومستواها. تلك الجودة بالتأكيد لم تكن لولا تميز القطاع الطبي والتمريضي بكفاءات عالية ومهمة. كفاءات يقصدها البعض من الخارج ودول الجوار لتلقي العلاج. كفاءات سجّلت العديد من النجاحات والابداعات في عالم الطب. لكن للأسف، وسط هذه الصورة المشرقة، ثمة صورة أخرى قاتمة بدأت تظهر وترخي بتداعياتها السلبية جداً على القطاع الاستشفائي. ثمّة أطباء وممرضون وممرضات بالمئات حملوا شهاداتهم الجامعية وكفاءاتهم وهاجروا في الفترة الأخيرة لأسباب عديدة على رأسها الوضع الاقتصادي. والمؤسف أنّ من بين هؤلاء أطباء في الصفوف الأمامية يحملون لقب "بروفسور" هاجروا تاركين وراءهم فراغاً من الصعب أن يُعوّض. فما واقع هجرة الكادر الطبي والتمريضي في لبنان؟ ما الأسباب التي تدفع الى ما بات يعرف بهجرة الأطباء والممرضين؟ وما عواقب هذا الأمر على القطاع الاستشفائي في لبنان؟. 

علامة: الكثير من العقود أبرمت مع دول الخليج

عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب الدكتور فادي علامة يؤكّد بداية أن لا احصاءات دقيقة تبيّن الأرقام الفعلية المهاجرة، لكن ما بات واضحاً أن هناك الكثير من العقود التي أبرمت من قبل الأطباء والممرضين مع دول الخليج. كما أنّ هناك طلبات هجرة قدّمت الى كندا ودول أخرى. ولدى حديثه في الأسباب، يلفت علامة الى الوضع الاقتصادي الصعب الذي يطال القطاع الاستشفائي كأي قطاع آخر. كما يدرج كسبب آخر قدرة الأطقم على تحمل الضغط الذي يحصل وسط الظروف الحالية. برأيه، عندما يرى الطبيب أو الممرض أننا عاجزون عن تنظيم عملية الحد من انتشار فيروس "كورونا" وسط ضبابية في السياسات وعجز الدولة عن تأمين الدعم اللازم يشعر هؤلاء بـ"نقزة" لا سيما وسط الإصابات العالية التي تسجّل في الجسم الطبي والتي فاقت الـ1150 إصابة وسط نقص التدعيم ما يدعو الى الخوف والقلق. 

 "نكبة" في القطاع الاستشفائي..هجرة الأطباء والممرضين بالمئات و"الحبل عالجرار"

أطباء وممرضون يهاجرون: هل يصبح القطاع الاستشفائي بخطر؟

ما الفرق بين عمل الطبيب في لبنان والخارج؟ يجيب علامة عن هذا السؤال بالقول:"خلال تواصلي مع الأصدقاء الذين انتقلوا الى الخارج، تبين أن هناك دعما كاملا من الحكومات لتأمين التمويل اللازم لهم، ففي الخارج لا توجد المشكلة الاقتصادية الموجودة لدينا في لبنان ما يدفع بالحكومات الى تأمين الدعم إما عبر الخزينة الخاصة أو عبر الاتفاقيات الدولية، وهذا ما لم نتمكن من تأمينه لتوفير وسائل الحماية وتجهيز الغرف والمراكز والبنى التحتية الخاصة لاستقبال مرضى الكورونا". وفق علامة، فإنّ تكلفة تحضير الغرفة لمرضى "كورونا" تصل الى 50 ألف دولار، وهذا ما لم تتمكن من تأمينه أي مؤسسة في لبنان سواء أكانت خاصة أم رسمية اذ لا توجد الملاءة المالية لذلك ما يثير الخوف لدى العاملين بالقطاع الصحي". 

هجرتهم خسارة للقطاع الاستشفائي

وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري، يُشدد عضو كتلة "التنمية والتحرير" على أنّ هجرة العاملين في القطاع الصحي تشكّل خسارة للقطاع الاستشفائي في لبنان وتهدد أمننا الصحي. عندما يصل خط الدفاع الأول الى مرحلة لم يعد بمقدوره تحمل الواقع فيتخذ خيار الهجرة سيؤثر هذا الخيار على أمننا الصحي، ما يحدث أزمة كبيرة ويؤدي الى تراجع دور القطاع الاستشفائي في لبنان والذي لطالما شكل ميزة لدينا حيث كنا مقصد العرب لتلقي العلاج. بتقدير علامة، ليس من السهل استرداد الكفاءات التي هاجرت، فمن أمّن مصدر عيش له في الخارج من الصعب جداً استرداده. وهنا يشدّد علامة على ضرورة تأمين الدعم والبيئة السليمة والمريحة لهؤلاء الأطباء والممرضين ليقوموا بدورهم كما يجب. ومن الناحية الفنية علينا تأمين كافة الوسائل والأجهزة لحمايتهم، كما المطلوب إيجاد أطر لمساعدتهم على تحمل الضغط النفسي، وفي الوقت نفسه تأمين الدعم المادي المناسب لهؤلاء بعد أن نذروا حياتهم للعمل، والحق يقال بدونهم لا أمن صحيًّا في لبنان".

أبو شرف: نحو 300 طبيب هاجروا و"الحبل عالجرار"

نقيب الأطباء الدكتور شرف أبو شرف يلفت في حديث لموقعنا الى أنّ نحو 300 طبيب هاجروا خلال الأشهر الأخيرة، ومثلهم أضعاف من الممرضين والممرضات. أسباب تلك الهجرة ترجع لعدم تمكن هؤلاء من تأمين الحد الأدنى من المعيشة. ويشير أبو شرف الى أنّ قسما من المهاجرين ذهب باتجاه أوروبا، وآخر باتجاه الدول العربية. هذه البلدان تبدي اهتماماً كبيراً بالكفاءات اللبنانية نظراً للمستوى العالي الذي يتمتعون به، موضحاً في السياق أنّ "الحبل عالجرار" وقد نشهد المزيد من الأرقام المهاجرة طالما أن الأوضاع تزداد سوءاً، وطالما أنّ الخارج يتمنى الكفاءات الموجودة لدينا. وهنا يأسف أبو شرف فالمهاجرون حتى اللحظة هم أصحاب الكفاءات -ومن بينهم برتبة "بروفسور"- ما يعني أنه  من الصعب تعويض خسارتهم.

 

 "نكبة" في القطاع الاستشفائي..هجرة الأطباء والممرضين بالمئات و"الحبل عالجرار"

السبب في الأزمات المتتالية 

ويُشدّد أبو شرف على أنّ أسباب هجرة الأطباء والممرضين تنقسم ما بين قديمة وحديثة. من الأسباب الحديثة ما عايشه هؤلاء في العام الأخير نتيجة الوضع الاقتصادي المزري، أزمة المصارف وانهيار سعر صرف الليرة، أضف الى ذلك أزمة فيروس "كورورنا" الذي أتقن "الجيش الأبيض" التعامل معه بكل ما أوتي من قوة، ولكنه تضرّر في المقابل بشكل كبير  حيث انخفضت وتيرة العمل الخاص للأطباء نتيجة التعبئة العامة، وأتى انفجار المرفأ ليدمّر العديد من المستشفيات ومئات العيادات الخاصة للأطباء. كل هذه الأمور جعلت المستوى الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي للطبيب والممرض في وضع مزري ما دفع بهم الى الهجرة. 

الطبيب لا يتمتع بحصانة قانونية والتعرفة الرسمية هزيلة 

أما المشاكل القديمة التي يعاني منها الأطباء والتي تدفعهم الى الهجرة، فيختصرها أبو شرف بالآتي: يعاني الأطباء من تعرفة رسمية هزيلة، ولا يتقاضون ثمن التعاون مع الجهات الضامنة الا بعد عام أو عامين. يتعرّض الأطباء للملاحقة القانونية عند أي خطأ أو هفوة، وأحياناً بدون خطأ نتيجة عدم تمتعهم بالحصانة القانونية، بحيث انتشرت مؤخراً حالات استهداف الأطباء في مختلف المناطق، مع العلم أنهم يقومون بواجباتهم بدون أن يكون هناك أي ملاحقة للمعتدي. وهنا يلفت أبو شرف الى أننا تقدمنا بمشاريع عدة في هذا الصدد في مجلس النواب لتأمين الحصانه للطبيب وتغريم وتجريم كل من يعتدي على الطاقم الطبي والتمريضي، اذ من غير المعقول أن تبقى الأمور فالتة بهذا الشكل -يقول أبو شرف- الذي يوضح أن الأطباء لا يمتلكون الضمانة الصحية بعد التقاعد، وقد تقدّمنا لحل هذه المشكلة بمشروع قانون في مجلس النواب لنتمكن من تأمين ضمان صحي للطبيب مدى الحياة. 

كل هذه المشاكل  تركت -برأي أبو شرف- تداعياتها على القطاع الطبي والتمريضي، ما دفع أفراده الى الهجرة. لا ينكر نقيب الأطباء أننا نبذل كنقابة جهوداً لإقناعهم بكل الوسائل بأننا أمام فترة صعبة ستمر، ولكن مع الأسف ليس من السهولة إقناع من يمتلك واجبات تجاه أسرته والتزامات بالبقاء في وطنه، خصوصاً أن المصارف تمنعه من التصرف بوديعته لتيسير أموره.
 
للهجرة تداعيات سلبية جداً 

وفي الختام، يقول أبو شرف :"اذا لم نتمكن من إصلاح الوضع الاقتصادي في وقت سريع ونعطي الأطباء والممرضين حقوقهم سنشهد المزيد من الكفاءات المهاجرة، وهذا يسيء جدا لكل القطاع الاستشفائي في لبنان". وفق قناعاته، لهذه الهجرة تداعيات سلبية جداً لأنه سيكون من الصعب تعويض الكفاءات الموجودة في لبنان والتي صنعت منه صورة "مستشفى الشرق". لذلك، علينا أن نعطي هؤلاء حقوقهم ونؤمن لهم الحد الأدنى كي يستمروا، إذ من غير المقبول أن يكمل الطبيب بالطريقة والنهج ذاته الموجود حالياً. 

ضومط: يكاد لا يمر يوم لا يصل الى النقابة فيه طلب للهجرة

بدورها، نقيبة الممرضين والممرضات الدكتورة ​ميرنا ضومط​ تتحدّث في السياق نفسه الذي تحدّث به علامة وأبو شرف، فهجرة الممرضين والممرضات باتت أمراً واقعاً. وفي حديثها لموقعنا، توضح أنها وقبل قليل من إجراء المقابلة التقت بممرضة تحمل شهادة "الماجستير" أخبرتها بأنها تحضّر أوراقها للذهاب الى أميركا. وفق ضومط، يكاد لا يمر يوم لا يصل الى النقابة فيه طلب من قبل ممرض أو ممرضة للهجرة الى الخارج.

 

 "نكبة" في القطاع الاستشفائي..هجرة الأطباء والممرضين بالمئات و"الحبل عالجرار"

كل ممرض وممرضة هو مشروع هجرة

وتلفت ضومط الى أنّ أكثر ما يثير القلق أن من يهاجرون هم حملة الشهادات الجامعية والذين يمتلكون خبرات تفوق الخمس سنوات ما يشكّل خطراً على الصحة لأننا نفرّغ القطاع الاستشفائي من الكادرات التمريضية المميزة. هل من إحصاءات معينة للأعداد المهاجرة؟ وفق ضومط، منذ 4 أشهر حتى اللحظة تلقّت النقابة ما يفوق المئتين الى ثلاثمئة طلب للهجرة، وهذا رقم كبير ويؤثر جداً على القطاع التمريضي خصوصاً أن الراغبين بالهجرة من القياديين وحملة الشهادات ولديهم الخبرات الواسعة. وفق المتحدثة، عدد الطلبات التي وصلت الى النقابة تثير القلق، مع الإشارة الى أن الأرقام مرشحة للازدياد وكل ممرض وممرضة من حملة الشهادات الجامعية هو مشروع هجرة، جميعهم دون استثناء. ولا تخفي ضومط أنّ هناك 1100 ممرض وممرضة جددا سيخضعون لامتحان "الكولوكيوم" وسيدخلون الى سوق العمل، ولكن للأسف فبعض المستشفيات اليوم لم تعد تستقبل الممرضين لأنها في الأساس تعمل على دفعهم للمغادرة نتيجة المعاملة السيئة.  

لا سبب يحفّز الكادر التمريضي على البقاء في لبنان

وتوضح ضومط أنّ هجرة الكادر التمريضي تشكل خطراً على صحة المواطنين، فالكادر التمريضي هو صمام الأمان للصحة، وأي تعثر في هذا القطاع معناه أننا نضع خطراً مباشراً على صحة الناس. وتشدّد ضومط على أنّ الممرضين والممرضات هم خط الدفاع الأول 24/24 ساعة و7/7 أيام، وفي حال تقلّص العدد والنخبة سندخل في أتون الخطر. وهنا ترى ضومط أن لا سبب يحفّز هذا الكادر على البقاء في لبنان، فبيئة العمل غير آمنة والمستشفيات بحجة غلاء "الماسكات" لا تسمح لهم سوى بـ"ماسكين" كل 12 ساعة، ما يعرضهم للخطر. أضف الى ذلك المعاملة السيئة والمستشفيات التي تقول انها لا تتقاضى حقوقها من وزراة الصحة والأخيرة تؤكد أنها تعطيهم حقوقهم، وما بين الاثنين يدفع الممرضون الثمن وسط رواتب ضئيلة جداً بالليرة اللبنانية ومع ذلك تتعرض للحسومات. كما يبقى بعضهم لأشهر بلا رواتب أو بنصف راتب. لا شيء يدفع بهؤلاء للبقاء في البلد -تقول ضومط- التي توضح أنّ في الخارج عروضا أكثر من مغرية والكثير من الحوافز. وهنا تلفت الى أنّ البلدان في حالة "تناتش" لاستقطاب الممرضين والممرضات، فالعالم منذ الآن وحتى سنة 2030 يحتاج الى 9 ملايين ممرض وممرضة.  

وفي ختام كلامها، تؤكد ضومط أنه يردها اتصالات من كندا وفرنسا يعربون فيها عن نيتهم "سحب" ممرضين وممرضات من لبنان، متمنيةً على الإعلام دق ناقوس الخطر لهذا الواقع، وداعية المعنيين للتفكير بالطريقة المناسبة للمحافظة -ونحن قادرون- على الكادر التمريضي الذي اذا خسرناه لن نتمكّن من ملء فراغه.

فيروس كورونا

إقرأ المزيد في: خاص العهد