خاص العهد
رفع الدعم.. أسعار خيالية للسلع وتداعيات كارثية على الدواء
فاطمة سلامة
ما إن أشيعت "خبرية" توجه مصرف لبنان نحو رفع الدعم عن السلع الأساسية (القمح، الدواء، المحروقات، وبعض السلع) خلال الأشهر القادمة، حتى أثيرت المخاوف من تداعيات هذه الخطوة. صحيح أنّ فكرة الدعم لطالما كانت محط انتقاد من قبل أهل الخبرة في عالم المال والاقتصاد، لكن الغاءها اليوم لا يجب أن يكون بلا استراتيجية تقي الناس شرّ ارتفاع الأسعار. لا يجب أن يكون بلا خطة بديلة تضمن للناس تأمين السلع الأساسية بعيداً عن منطق الاحتكار والتلاعب. بنظر البعض فإنّ رفع الدعم بلا رؤية يعني فتح الأسواق على كافة الاحتمالات، ويعني أيضاً تحليق الأسعار بلا سقف وسط تحليق سعر صرف الدولار. فهل لنا أن نتخيّل ما انعكاسات رفع الدعم عن القمح على ربطة الخبز مثلاً؟. هل لنا أن نتخيّل "الهجمة" التي ستشهدها السوق السوداء من قبل المستوردين للحصول على العملة الصعبة وتداعيات ذلك على سعر صرف الدولار؟. طبعاً ستنسحب هذه التداعيات على مختلف السلع في السوق اللبناني لا سيما أن لبنان يستورد ما يقارب الـ80 بالمئة من السلع الأمر الذي يضع المواطن أمام سيناريوهات صعبة، اللهم إلا إذا جرى تأمين البديل لعدم تركه لمصيره بمواجهة لعنة الاستيراد.
فماذا يعني رفع الدعم عن السلع الأساسية؟ وكيف سينعكس هذا الأمر على الأسعار لا سيما على الدواء كعنصر أساسي لا غنى عنه؟.
عجاقة: سترتفع الأسعار بنسبة ارتفاع سعر صرف الدولار
الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة يرسم معادلة رفع الدعم وارتفاع الأسعار بالآتي: فور رفع الدعم عن المواد الأساسية سترتفع الأسعار بنسبة ارتفاع سعر صرف الدولار الدولار. ويشرح عجاقة في حديث لموقع "العهد" الإخباري أسباب ارتفاع الأسعار مستعيناً بماهية الدعم الذي يُقدّمه مصرف لبنان اليوم والذي يقضي بتأمين 85 بالمئة من الدولارات اللازمة للاستيراد على سعر الصرف الرسمي 1515 لتغطية المواد الأساسية: القمح، المحروقات والأدوية. كما يؤمّن الدولارات على سعر صرف الـ3900 ليرة للسلة الغذائية المدعومة. وهنا يُشير عجاقة الى أنّ مصرف لبنان يدفع فاتورة دعم بقيمة 608 ملايين دولار كمعدّل شهري لأشهر عام 2020. هذا المبلغ لن يتمكّن من دفعه بعد فترة لأننا وصلنا الى عتبة الاحتياطي الإلزامي أي ١٧ مليار و٥٠٠ مليون دولار. وهنا يوضح عجاقة أنّ الاحتياطي الالزامي هو نسبة 15 بالمئة من ودائع الناس، وهذا الاحتياطي هدفه حماية ودائع الناس والقطاع المصرفي وبالتالي لم يعد بإمكان مصرف لبنان الاستمرار بالدعم الا اذا أوجدنا بدائل خصوصاً أن فاتورة الاستيراد في لبنان مرتفعة، وقد وصلت عام 2019 الى عتبة الـ20 مليار دولار، فيما من المتوقع أن تصل نهاية هذا العام الى عتبة الـ12 مليار دولار وهو رقم لا شك أنه كبير.
سندخل في خضم كارثة اجتماعية
ويتحدّث عجاقة عن مخاطر توقف عملية الدعم، فيوضح أننا سندخل في خضم كارثة اجتماعية ستكون الفوضى الأمنية أبرز نتائجها، بحيث سنشهد موجات من السرقة وكل ذلك نتيجة الأسعار الخيالية للسلع. فلو أخذنا مثلاً سعر صفيحة المازوت المسعّرة حالياً وفقاً للسعر الرسمي 1515، في حال جرى رفع الدعم عن المحروقات سيرتفع سعرها بنسبة ارتفاع سعر صرف الدولار، وعليه قد يرتفع مرتين اذا كان سعر الصرف 3000 ليرة، أما في حال وصل حد العشرة آلاف فسيرتفع سعرها أضعافا مضاعفة. أسعار السلع ستتراوح بين ثلاثة وخمسة أضعاف وفق تقدير عجاقة الذي يلفت الى أنّ رفع الدعم عن القمح قد يُحوّل سوق الخبز الى سوق أشبه بالسوق السوداء بحيث إنّ الأسعار ستكون مفتوحة على كافة الاحتمالات، والمشكلة الكبرى -برأي عجاقة- أن التجار لا يساعدون المستهلك بل يفتحون الأسواق على عمليات من النصب والفساد.
ما الحل إذاً؟ وفق معلومات عجاقة فإنّ حاكم مصرف لبنان يعمل حالياً على صندوق cedar oxygen fund لاستكمال الدعم بواسطته. وهنا يشير عجاقة الى أنّ الصندوق هو عبارة عن صندوق استثماري أشبه بحساب مصرفي أنشأه مصرف لبنان في الخارج لجذب المستثمرين اللبنانيين وهدفه دعم الاستيراد بحيث يستفيد منه الصناعيون والمزارعون ومن المفترض أن يضاف اليهم المستوردون للمواد التي سيتوقّف دعمها داخلياً. لكن هنا تبرز مشكلة -برأي عجاقة- تكمن في أن المستثمرين في الصندوق الموجود خارج لبنان قد يتعرّضون لضغوطات سياسية لمنعهم من وضع الأموال بداخله ما يؤدي لإفشال المشروع. وهنا يوضح عجاقة أن الحل يكمن في تشكيل حكومة لاستكمال الاصلاحات ما يمهّد لعودة الأمور الى طبيعتها خلال أشهر.
جبارة: تداعيات كارثية على صحة المواطن
وفيما يُشار الى تداعيات كارثية لرفع الدعم عن المواد الأساسية، يبرز الدواء في مقدّمة تلك المواد ما يُهدّد صحّة المواطنين. وفي هذا السياق، يوضح نقيب مستوردي الأدوية كريم جبارة أنّ رفع الدعم يعني أن المستورد لن يعود بمقدوره الحصول على عملة صعبة من مصرف لبنان ما يدفعه الى اللجوء للسوق السوداء كأي مستورد لسلع أخرى. ولكن جبارة يوضح أنّه يجري الحديث اليوم عن سيناريوهين أو توجهين في هذا المجال: أول يقضي برفع الدعم نهائياً، وثان يقضي بتخفيف الدعم كأن يستمر مصرف لبنان بتأمين الدولارات للمستوردين ولكن على سعر صرف مغاير للسعر الرسمي كما هو الحال اليوم. وهنا يلفت جبارة الى أنّ لكل توجه تداعيات معيّنة، مع الإشارة الى أنّ السيناريوهين يحملان عواقب وتداعيات كارثية على الصعيد الصحي.
السيناريو الأول: رفع الدعم كلياً
ويوضح جبارة أنّ رفع الدعم كلياً عن استيراد الدواء يعني ترك المستوردين لمصيرهم والقول لهم:" عليكم تأمين دولارات الاستيراد من السوق السوداء". ولهذا الأمر -وفق جبارة- تداعيات كارثية لعدة أسباب أبرزها:
أولاً: 35 بالمئة من الفاتورة الدوائية في لبنان يدفعها المريض من حسابه الخاص، والـ65 بالمئة تدفعها الصناديق الضامنة. فيما يتعلّق بنسبة الـ35 بالمئة، تشير مختلف التقارير الى أنّ 57 بالمئة من المجتمع اللبناني باتوا فقراء، فكيف سيتحمل هؤلاء ارتفاع سعر الدواء بنسبة 5 أضعاف اذا كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء 7500 ليرة؟. أما فيما يتعلق بالنسبة التي تدفعها الصناديق الضامنة، فميزانية الأخيرة بالليرة اللبنانية ومدخول الضمان الاجتماعي أيضاً بالليرة اللبنانية ما يدفعنا الى السؤال التالي: من أين سيتم تأمين الفارق بين سعر الدولار الرسمي وسعره في السوق السوداء؟. برأي جبارة، أمام المعنيين سيناريوهان؛ إما الإفلاس، أو تغطية 20 بالمئة من المرضى أو الأدوية أو الحالات الصحية، وترك 80 بالمئة لمصيرهم.
ثانياً: اذا توجّه جميع المستوردين من أدوية وقمح ومحروقات وسلع أساسية الى السوق السوداء لتأمين الدولارات، فنحن هنا نتكلم عن كتلة تتطلّب دولارات بقيمة ما يقارب الـ8 مليارات دولار سنوياً. لنتخيّل -يقول جبارة- أن هناك جهات توجهت الى السوق السوداء لشراء الدولار بهذه الكمية، عندها سيرتفع الطلب الكبير على الدولار ما سيؤدي الى ارتفاع بسعر الصرف. الأخير لن يكون له سقف، وهذا إن تمكّن المستوردون من شراء الدولار نظراً لندرته، وفي حال لم تتوفّر لديهم العملة الصعبة لم يتمكنوا من الاستيراد وفي المقابل ستنقطع الأدوية والسلع الأساسية، فضلاً عن أنه اذا ارتفع سعر الصرف في السوق السوداء فإن كافة السلع سيرتفع سعرها لتكون النتيجة كارثية على المواطن والاقتصاد والمجتمع.
ويعتبر جبارة أن آلية الدعم التي وضعها مصرف لبنان ووزارة الصحة في 30 أيلول 2019 بموجب التعميم الوسيط رقم 530 أنقذت المريض والمواطن والقطاع الصحي، بعدما لم يعد باستطاعتنا تأمين الدولارات من المصارف على أثر الأزمة الكبيرة التي طالت القطاع المصرفي.
السيناريو الثاني: تخفيف الدعم
أما في حال جرى تخفيف الدعم، فيرى جبارة أنّ سعر الدواء سيرتفع تبعاً للسعر الذي سيؤمّن فيه مصرف لبنان الدولار للمستوردين. فلو افترضنا جرى تأمين دولار الاستيراد بـ3900 ليرة، حينها سيرتفع سعر الدواء ما يقارب المرتين والنصف. حتى أنّ هذه النسبة كبيرة -يقول جبارة- لكن هذا السيناريو أي تخفيف الدعم يلغي آخر إشكالية بحيث نتفادى التهافت على شراء الدولار من السوق السوداء، لكن في المقابل فإنّ هذا الارتفاع سيحمل تداعيات على المواطن والجهات الضامنة ما يحتّم ضرورة دراسة هكذا قرارات جيداً.
وفي الختام، يُشدّد جبارة على أنّ الصحة يجب أن تكون خطاً أحمر بالنسبة للمعنيين وعلينا أن نوجد فسحة أمل اسمها "الصحة" في خضم كافة المشكلات التي يواجهها المواطن ليطمئن على صحته ويتمكن من الحصول على خدمات صحية بأسعار مقبولة على أمل أن نصل الى حل سريع، يختم جبارة