معركة أولي البأس

خاص العهد

اليمن ينتصر بالمرأة: انتاج محلي يكسر الحصار
19/08/2020

اليمن ينتصر بالمرأة: انتاج محلي يكسر الحصار

سراء جمال الشهاري

من عقود الفساد والفقر والحرمان، إلى ضراوة العدوان الذي تأكل نيرانه الأخضر واليابس، ما تزال المرأة اليمنية تحارب لأجل وجودها.. هي المرأة التي سَمِعَت كثيرًا أباطيل الحقوق والحريات، وهزِئت من مسرحيات حماة حقوق المرأة وترهاتهم.. تُقتل في كل لحظة تحاول أن تجد لأطفالها ملاذًا آمنًا من غارات التحالف.

تُقتل والعالم يواصل الكذب باسم الانسانية، ثم يحاصرها ويُمِيت أطفالها جوعًا. ثم تُقتل أيضًا وهي تبحث عن دواء لمرضها ومرض أطفالها، عن قوت ليومها، عن الأمان.

اليمنية أمام كل هذه الآلام وبعد ست سنين من أكبر حرب دموية تشن عليها، تُخبر العالم أنها لم تمت بعد. هي أسطورة تضحيات وعطاء وآيات في الصبر والتجلد والصمود، وعهود لله بالنصر أو الموت بكرامة.

 تكافح اليوم المرأة في اليمن من أجل عزتها، وتحوّل من سنين العدوان فرصة لتصنع من اللاشيء شيئًا، ومن المستحيل ممكنًا. لم تلتفت أبدًا إلى اغاثات الأمم المسيسة، ولم ترضَ بأن تمد يدها لغير بارئها. وها هي في المعركة الاقتصادية تحقق نجاحات استثنائية وملموسة، على المستوى الشخصي والأسري، وفي المجتمع عامة.

اليمن ينتصر بالمرأة: انتاج محلي يكسر الحصار



لقد اتجهت المرأة اليمنية من واقع الاحتياج إلى البحث عن سبل للاكتفاء، من خلال مشاريع منزلية بسيطة ومصغرة، ظن المراقب من بعيد أنها لن تصمد طويلاً، لكن اليمنية صمدت وبرزت للسوق المحلي بمنتجات وصناعات محلية تُوزع جنبًا إلى جنب البضائع المستوردة.

بصمة المرأة اليمنية في ازدهار المنتج المحلي

كثيرةٌ تلك المشاريع التي اعتمدت عليها اليمنية في النهوض بالمستوى المعيشي لها ولأسرتها، خصوصًا مع واقع الحرب الذي فرض على الكثيرات منهن غياب العائل، والذي يكون شهيدًا أو أسيرًا أو جريحًا أو مرابطًا في جبهات الشرف.

ومن أبرز تلك المشاريع التصنيع الغذائي، وصناعات المنظفات، والملبوسات، والحقائب، وغيرها من الصناعات البسيطة.
لقد أصبحت مشاريع الاكتفاء الذاتي ظاهرة اقتصادية لا يكاد يخلو حي من الأحياء من إحداها.
اتجاه اليمنية إلى الانتاج والتصنيع، حفز المجتمع على اعانتها بالتدريب والتأهيل، في دورات وورشٍ يتبناها عددٌ من الجمعيات الخيرية بدون مقابل في أغلب الأحيان.

اليمن ينتصر بالمرأة: انتاج محلي يكسر الحصار



الدكتورة هدى العماد رئيسة مجموعة معامل ومعارض الأسر المنتجة، ورائدات في الاكتفاء الذاتي تبنت خلال سنوات العدوان جملةً من تلك الدورات والدروس المعنية بتأهيل المرأة، وافتتحت في 26 من مارس المنصرم "مول" الأسر المنتجة، وهو معرض تجاري يحوي عددًا من البضائع المصنوعة محليًا بأنامل النساء.

وقد بلغت مبيعات المعرض خلال خمسة أشهر منذ افتتاحه 45 مليونًا و900 ألف ريال يمني.

تؤكد العماد لموقع "العهد" الاخباري أن "سنوات العدوان والحصار كانت فرصة لازدهار المنتج المحلي بأيدٍ أسرية كونها جمعت بين الإرداة والصمود والتحدي والاحتياج، كذلك حث القيادة ممثلة بالسيد عبد الملك على تشجيع المنتج المحلي".

تجربة جمعية الارتقاء في التصنيع والانتاج

على سبيل المثال لا الحصر، تنتج جمعية "الارتقاء" 20 ألف عبوة من العصير المركز شهريًا، وما يقارب 7000 عبوة من الكلور سعة خمسة لتر، بالإضافة إلى منظفات البلاط، والجل المعقم للأسطح، ومعقم اليدين، والصابون السائل والصلب.

وبحسب رئيسة الجمعية الأستاذة هناء العلوي: "يتم بيع 90% من حجم الانتاج شهريًا".

وتحكي العلوي لموقع "العهد" الاخباري عن بداية مشروع الجمعية ومراحل التطور: "بدأنا مشروعنا عام 2016م في مرحلة مليئة بالتحديات والصعوبات نتيجة العدوان والحصار، وتعددت الصعوبات التي واجهتنا، صعوبات في الحصول على دعم مالي، صعوبات في التنقلات للوصول إلى مقر المشروع وسط قصف الطيران، وانعدام المشتقات النفطية، صعوبات في الحصول على أبسط الآلات نتيجة الحصار، صعوبات في توفير الكهرباء والغاز اللذين نعتمد عليهما في اعداد المنتجات، صعوبات في التغليف واخراج المنتجات بالشكل المطلوب.
كل هذه الصعوبات استطعنا أن نتجاوزها بصبرنا وثباتنا واتخاذ البدائل الممكنة.

بدأنا المشروع بطريقة  متدرجة أولها مرحلة التخطيط والاعداد، ثم اقامة الورش التوعوية التي ساعدتنا على التأثير في النساء، وايجاد قناعات بأهمية المشاريع الصغيرة، والاعتماد على الذات للوصول إلى اقتصاد مقاوم. ثم انتقلنا إلى مرحلة التدريب والتأهيل على أيدي مهندسات زراعيات، وكان أول منتجاتنا عصائر طبيعية مركزة تعتمد بالدرجة الأولى على الزراعة وكذلك المربيات والشطة والصلصة، وأخضعناها للتجربة لمدة ثلاثة أشهر. وتمت الاستعانة بمستشارين ومتخصصين في تحويل الفواكه والخضراوات إلى سلع غذائية، وكانت التجارب ناجحة. والحمد لله أنزلناها إلى السوق عبر معارض تسويقية توعوية، وحظيت بإقبال جيد.
حصلنا مؤخرًا على المرتبة الأولى في ريادة الأعمال ضمن المسابقة التي نفذتها وزارة الصناعة والتجارة للعام 2020 لرواد الابتكار، ولدينا حاليًا العشرات من نقاط البيع".

وعن طموحات جمعية الارتقاء تشير العلوي الى أنه "بعد العام السادس من العدوان لدينا استراتيجية بنقل العمل من خطوط تقليدية إلى خطوط نصف اتوماتيكية، حتى نستطيع الاسهام في تخفيف البطالة وانزال المنتجات بنسب جيدة إلى السوق، كذلك نقل المشروع من قسم يتبع الجمعية إلى شركة صغيرة ثم متوسطة بإذن الله، وفتح باب الشراكة مع الجهات الخاصة للنهوض بالعمل".

المقاطعة الاقتصادية سلاحٌ فعال في مواجهة العدو

لقد بلغ الانتاج المحلي لدى المرأة اليمنية مبلغًا عظيمًا، فهي تنظر إليه إلى جانب كونه وسيلة للعيش، أنه سلاحٌ تواجه به العدو اقتصاديًا، بما يسهم  فيه الانتاج المحلي من تدعيم ثقافة المقاطعة الاقتصادية للمنتجات الأمريكية والاسرائيلية، كون المواطن أصبح يجد البديل لها مطبوعا عليه - صنع في اليمن - وبجودة عالية.

وفي هذا الشأن تبعث الأستاذة هناء العلوي برسالةٍ إلى جمهور المقاومة عبر "العهد": "رسالتي إلى شعوب المقاومة أن الاكتفاء الذاتي وبناء الاقتصاد المقاوم هو جزء من معركتنا مع الصهيونية، حتى لا يكونوا متحكمين بغذائنا وملبسنا. فالمقاطعة للمنتجات الأمريكية والاسرائيلية واجبة علينا تجاه قضية الأمة ـ القضية الفلسطينية ـ وايجاد البدائل المحلية من المأكل والملبس بدلاً عن المنتجات الأمريكية والاسرائيلية هو أمر واجب على كل شعوب المقاومة حتى تنال العزة والكرامة، وأن تقتدي بالدول التي مرت بنفس تجاربنا وحققت نجاحاً وأصبحت رقماً صعباً مثل ايران وكوبا وغيرهما من الدول".

المرأة في اليمن مثلت جبهةً منيعةً في مواجهة العدوان الأمريكي السعودي، وهي  بمنتجاتها، بتضحياتها،  بتقديمها فلذات أكبادها شهداء،  بتسييرها قوافل المدد والكرم على مدى ست سنين دون كلل، تؤكد للعالم أنها ستمضي في درب النصر ولن تخضع للظالمين.

إقرأ المزيد في: خاص العهد