خاص العهد
لبنان في القائمة الأدنى للأجور..هل تصحيحها ممكن؟
فاطمة سلامة
يتفق جميع المسؤولين والخبراء والمحللين أن الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان غير مسبوقة. وعليه، فإنّ العمال في لبنان يمرون بأزمة غير مسبوقة أيضاً. أزمة يتعرّضون فيها للصرف التعسفي والاستغلال وكافة أشكال المعاناة. لا أحد ينكر أنّ المؤسسات في لبنان تمر بظروف لا تحسد عليها، لكنّ مؤسسات عدة في المقابل تستغل الظرف وتتخلى عن عمالها بلا سابق إنذار ما جعل مئات الآلاف في لبنان عاطلين عن العمل، وسط توقعات بأن يلامس العدد المليون خلال الأشهر القادمة.
وفي خضم هذه الأزمات التي يعاني منها الموظفون، تبرز قضية الأجور التي تآكلت ولم تعد تساوي شيئاً -كما يُقال- مع الارتفاع الجنوني بسعر صرف الدولار والذي بات يساوي ما يقارب ستة أضعاف السعر الرسمي. الحد الأدنى للأجور والمحدد بـ675 ألف ليرة بات يساوي 84 دولاراً وفقاً لسعر صرف الدولار في السوق السوداء (8000 ليرة) بعدما كان 450 دولاراً. هذا الرقم يعتبر من الأدنى في العالم، وفق ما يقول الباحث في الدولية للمعلومات الأستاذ محمد شمس الدين لموقعنا. ويستعرض شمس الدين بعض الدول المصنفة في قائمة الأدنى في هذا المجال، فتشاد مثلاً يبلغ الحد الأدنى للأجور فيها 102 دولار، أفغانستان 90 دولار، غانا 47 دولار، وبنغلادش 23 دولار. وما يزيد الطين بلة في لبنان -وفق شمس الدين- هو أنه يعاني من كلفة معيشة مرتفعة يضاف اليها غياب الخدمات الأساسية من كهرباء ونقل عام، ما يعني أن لبنان ورغم مظاهر الثراء من ضمن الدول الفقيرة في المجتمع.
بموازاة هذا الواقع، تُثير جهات عدة منذ فترة مسألة تصحيح الأجور للموظفين في القطاعين العام والخاص بعدما تآكلت قدرتهم الشرائية، فأين أصبحت هذه القضية؟ وهل تصحيح الأجور ممكن؟
الأسمر: تصحيح الأجور أولوية قصوى في هذه المرحلة
رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر يعتبر في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ قضية تصحيح الأجور أولوية قصوى في هذه المرحلة لأننا مهما بذلنا من جهود نبقى مقصرين تجاه العمال خصوصاً في القطاع الخاص في ظل الصرف التعسفي الذي يتعرضون له وعدم القدرة على الحفاظ على ديمومة العمل. وفق الأسمر، هناك مسعى جدي في قضية تصحيح الأجور، ولكنّ ظروف "كورونا" تؤخر المشاورات. وبحسب المتحدّث، يجب أن نكون على قدر آمال الناس في هذه المرحلة ولو بالحد الأدنى.
ويوضح الأسمر أنّه جرى الاتفاق مع وزيرة العمل لميا يمين على إطلاق لجنة مؤشر الغلاء لرفع الحد الأدنى للأجور، وقد سمى الاتحاد العمالي العام مندوبيه في اللجنة التي ستترأسها يمين بانتظار أن تسمي الهيئات الاقتصادية مندوبيها للبدء بحوار جدي لمصلحة العمال، خاصة بعد الانهيار الكبير الذي لحق بالقدرة الشرائية لمختلف شرائح الشعب اللبناني نتيجة الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار ما يُحتّم -بحسب الأسمر- العمل على تصحيح الأجور آخذين بعين الاعتبار المصاعب التي تعانيها بعض المؤسسات والإفلاسات التي تعانيها مؤسسات أخرى، ولا يخفى على أحد -بحسب الأسمر- أنّ هذه المؤسسات جنت أرباحا وهي مدعوة للتعاطى بإيجابية.
وفي معرض حديثه، يُشدّد الأسمر على أنّه اذا لم نشهد ثباتاً في سعر صرف العملة سندخل في نفق لا خروج منه، فلو افترضنا جرى تصحيح الأجور وأكملت العملة في مسارها الانحداري ماذا سنستفيد؟ يسأل الأسمر الذي يوضح أن هناك جملة من الأمور يجب مراعاتها في هذا الإطار. برأيه، يجب أن تكون هناك سلة متكاملة في قضية تصحيح الأجور. هذه السلة يطال جزء منها موظفي القطاعين العام والخاص معاً، وجزء آخر موظفي القطاع الخاص حصراً. وهي تلحظ بطبيعة الحال -وفق الأسمر- رفع الحد الأدنى للأجور من جهة، وتحسين بعض التقديمات من جهة ثانية. على سبيل المثال، زيادة منح التعليم للعاملين في القطاع الخاص، زيادة بدلات النقل حيث إنّ مرسوم النقل حدد البدل بـ 8 آلاف ليرة في اليوم، وفي المقابل ارتفعت تسعيرة النقل من 2000 الى 3000 ما يوجب ضرورة إعادة النظر بمرسوم بدلات النقل إن بالقطاع العام أو الخاص. تعزيز الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعزيز عطاءات تعاونية موظفي الدولة.
وفي ختام حديثه، يتوجّه الأسمر الى كافة عمال لبنان ويشد على أيديهم ويشدد على أن مرحلة التضامن في هذه المرحلة ضرورية ولجوءهم الى الاتحاد العمالي العام ونقل مشاكلهم للاتحاد ضرورية أيضاً لأن بالتعاون والاتحاد قوة.
وهبي: لدينا طرحان لتحسين أوضاع الموظفين
يستهل عضو الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة الأستاذ حسن وهبي حديثه بالتشديد على ضرورة إنصاف موظفي القطاع العام بعدما تآكلت القدرة الشرائية لديهم بشكل كبير. يوضح أنّه وعقب إقرار السلسلة أصبح هناك عدالة في رواتب موظفي القطاع العام، فمن كان يتقاضى من موظفي الفئة الرابعة راتباً بقيمة 900 ألف ليرة، أصبح يتقاضى بعد السلسلة رابتاً بقيمة مليوني ليرة. أما اليوم -يقول وهبي- فقد تآكلت القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام، ومن يتقاضى راتباً بحدود المليونين والنصف بات بمثابة من يتقاضى الـ 400 دولار.
ويوضح وهبي -المفوّض للتواصل مع الحكومة- أننا في الرابطة حاولنا التواصل مع رئيس الحكومة الدكتور حسان دياب بهدف طرح بعض المطالب في سبيل تصحيح الأجور، ولكن حتى الساعة لم نلق جواباً، وفي المقابل، لا ينكر وهبي أنّ الدولة باتت على شفير الإفلاس. ما البديل اذاً؟ يسأل وهبي ويجيب على نفسه بالإشارة الى أننا طرحنا مسألة تخفيض الدوام كبديل، فالأم التي كانت تضع أطفالها في دور الحضانة بعد الظهر لم يعد بإمكانها هذا الأمر، وعليه يساهم تخفيض الدوام في تخفيف الأعباء. كما يساهم تخفيض الدوام في تمكين موظفي القطاع العام من التعليم في فترة بعد الظهر. برأي وهبي، فإنّ تخفيض الدوام حتى الساعة الثانية بعد الظهر بدلا من الثالثة والنصف قد يساعد الموظفين على تحسين أوضاعهم بعض الشيء.
ويلفت وهبي الى أننا طرحنا أيضاً بالإضافة الى قضية الدوام إمكانية إعطاء سلف غلاء معيشة لموظفي القطاع العام أقله 50 بالمئة من قيمة الراتب كما حصل في فترة سابقة. هذه السلفة تتوقف الدولة عن دفعها في حال تحسّنت الأوضاع وعادت الأمور الى طبيعتها. يوضح وهبي أنه وفي كل دول العالم هناك مؤشر للأجور يتعلق بحركة البلد الاقتصادية، وعندما تنخفض القدرة الشرائية يتم رفع الرواتب تماشياً معها.
شمس الدين: تصحيح الأجور من الأخطاء الكبيرة
بموازاة المطالبات بضرورة تصحيح الأجور، يرى شمس الدين أنّ تصحيح الأجور هو مطلب محق ولكنه من الأخطاء الكبيرة التي من الممكن أن ترتكب في حال حصلت لأنه سينعكس سلباً على المطالبين به. برأيه، صحيح أن القدرة الشرائية تآكلت إلا أن إمكانية تصحيح الأجور غير واقعية، فالقطاع الخاص الذي يصرف موظفيه ويعلن خسارته سيرفض بطبيعة الحال أي زيادة وسيقفل أبوابه لنشهد المزيد من إقفال المؤسسات وصرف العمال، فإذا صحّحنا الرواتب لموظفي القطاع الخاص وجرى صرفهم من العمل ماذا نستفيد؟ يسأل شمس الدين الذي يتطرق في المقابل الى موظفي القطاع العام ليوضح أن الدولة أمام مشكلة كبيرة فهي تدفع 12 ألف مليار ليرة سنوياً مقابل رواتب وهذا رقم كبير جداً لأن دخل الدولة بالليرة اللبنانية وليس بالدولار، وعليه فإن أي زيادة ستؤدي الى عجزها أكثر وأكثر ما سيدفعها الى طباعة العملة، الأمر الذي سينعكس مزيداً من التضخم والأسعار العالية.
ويُشدّد شمس الدين على أن الحل ليس بزيادة الأجور، وخاصة أنه اذا أردنا أن نصحّح الأجور بنسبة ارتفاع الأسعار فإن التصحيح يجب أن يكون بين الـ 120 بالمئة والـ250 بالمئة. الحل -وفق شمس الدين- في أن يصار الى تخفيف الضغط على الرواتب، فبدلاً من أن نعطي الموظّف مبلغا من المال نوفّر عليه هذا المبلغ من خلال التقديمات إن كان عبر النقل المشترك، تعزيز المدرسة الرسمية، تعزيز الاستشفاء الحكومي وتخفيض سعر الدواء وغيرها العديد من الأمور التي تدخل في صلب أساسيات المواطن.