خاص العهد
بالأرقام..هكذا سيستفيد اللبنانيون من سد بسري
فاطمة سلامة
ربما حفظنا عن ظهر قلب خلال تلقينا مادة الجغرافيا في السنوات المدرسية أنّ لبنان بلد غني بالثروة المائية. فالمناخ اللبناني هو مناخ متوسّطي يتميّز بغزارة المتساقطات في فصل الشتاء، ما يجعله الأغنى في الشرق الأوسط. كما أنّ لبنان يضم أكثر من 13 نهراً ونحو 2000 نبع ومئات العيون. لكن للأسف، فهذه الهبة الربانية لم يُحسن اللبنانيون استخدامها على مدى عقود، حتى بات المواطن بمثابة القابع فوق نهر من المياه دون الاستفادة منه. وهو الأمر الذي يُفسّر المعاناة المستمرة التي يعيشها سكان البلد الغني بالمياه. معاناة تدفعهم الى تسديد أكثر من فاتورة للحصول على أدنى حاجتهم من المياه. معاناة قد يضطرون معها الى حرق أعصابهم لتأمين حاجتهم اليومية، وهو مشهد يتكرّر كثيراً في فصل الصيف حيث يبدأ موسم "الصهاريج" اذا صحّ التعبير. والمؤسف أنّ المواطن الذي يضطر الى شراء المياه، لا يعلم نوعية هذه المياه التي تصله، وما اذا كانت مطابقة للمعايير والشروط الصحية أم لا. لكنّ المؤسف أكثر أنّ أمام المواطن حلولا لتبديل تلك المعاناة ببحبوحة مائية. سد بسري يُعد بمثابة خشبة خلاص لمئات الآلاف من اللبنانيين الذين تعبوا من زمن الشح المائي وسوء الاستفادة من الثروة المائية. فما مدى أهمية هذا السد؟ ومن سيستفيد منه؟ وكم يؤمّن من الموارد المائية؟.
تاريخ مشروع سد بسري
مدير مشروع سد بسري في مجلس الإنماء والإعمار المهندس إيلي موصللي يجيب في حديث لموقع "العهد" الإخباري عن العديد من الأسئلة المتعلّقة بالسد، فيوضح بدايةً أنّ العمل على إنشاء سد بسري يعود لعام 1953. حينها، طلبت الحكومة اللبنانية من مكتب الاستصلاح الأميركي (USBR) مساعدتها لوضع خطة للمياه، وقد تم تحديد المواقع الأساسية للمياه في لبنان، وجرى لحظ مشروع سد بسري في أول مرسوم صدر عام 1970 والذي حددت فيه المشاريع الأساسية لقطاع المياه على الأنهر الأساسية وتحديداً الليطاني والأولي أي سد القرعون وبسري.
من سيستفيد من المشروع؟
ويتحدّث موصللي كونه على تماس مباشر من كافة تفاصيل المشروع عن أهميته، فيشدّد بداية أنّ مشروع سد بسري هو مشروع حيوي، واذا ما خسرناه في هذه المرحلة نكون قد ضيّعنا على البلد فرصة كبيرة، اذ يكفي الناس فقراً حتى تستمر على منوال شراء المياه. وفق قناعاته، على الدولة تأمين هذه الخدمة الأساسية وأمامنا مورد مهم يجب أن نستثمره ونسارع لإنجازه بعدما عُلّق العمل به لعقود نتيجة الاحتلال "الاسرائيلي" للجنوب من جهة، ونقص التمويل من جهة ثانية. ويوضح مدير مشروع السد أنّ المنطقة التي ستستفيد من السد هي ساحل عالية والشوف، منطقة بيروت الكبرى والتي تضم: بيروت الإدارية والضاحية الجنوبية، بالإضافة الى جزء كبير من الضاحية الشمالية المتن مروراً بالجديدة ونهر الموت. هذه المنطقة بأكملها تضم -وفق المتحدّث- عدد سكان كبيرا يُقدّر بـ40 بالمئة من سكان لبنان أي مليون و600 ألف نسمة. هذا التقدير ليس عشوائياً بل رسمي صادر عن مؤسسة مياه بيروت ومؤسسة كهرباء لبنان. وبحسب موصللي، فإنّه من المرجح أن يستفيد من المشروع اذا ما أخذنا الخمسة عشر عاماً القادمة مليون و900 ألف نسمة أي ما يقارب نصف الشعب اللبناني.
ماذا يُقدّم سد بسري؟
يوضح موصللي أنّ سد بسري يُغطّي حاجة المنطقة المُستهدفة في المشروع بأكملها استراتيجياً لمليون و900 الف نسمة، ويشكل مخزوناً استراتيجياً يغطي كافة النقص الحاصل مع فائض، وذلك على قاعدة أنّ الانتاج لا يجب أن يعادل المصروف بل أكثر. وفق حسابات موصللي، يُعطي السد وعلى مدى ستة أشهر من السنة أي كافة فترة الصيف والمعروفة بفترة الشح، يعطي 500 ألف متر مكعب يومياً -وهو رقم عال جداً، أما الستة أشهر الباقية في الشتاء، فهي عادة مؤمنة من المصادر المعروفة.
ويلفت موصللي الى أنّ سكان الضاحية الجنوبية يمثلون 20 بالمئة من إجمالي عدد السكان المستهدف في المشروع والبالغ 40 بالمئة من عدد سكان لبنان، أي نصف العدد. وبحسب المتحدّث، فإنّ 800 الف نسمة يعيشون في الضاحية الجنوبية، وتبلغ حاجتهم للمياه 100 ألف متر مكعب يومياً، لكن للأسف يصل اليهم حالياً 14 ألف متر مكعب فقط من هذه الحاجة. وهنا، يُشدّد موصللي على أنّ منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت والتي تضم كثافة سكانية عالية تعاني ما تعانيه من أزمات على صعيد الشح في المياه، وهذا ما يبرر وجود ظاهرة الصهاريج. والمهم -بحسب موصللي- أنّ مشروع بسري سيؤمّن لسكان الضاحية الجنوبية ما يقارب الـ 250 ألف متر مكعب يومياً أي فوق حاجتها بأكثر من 150 ألف متر مكعب، وأكثر مما يصلها اليوم بنحو 18 مرة.
هكذا ستتم العملية
تقنياً، كيف تتم عملية تجميع المياه في السد وإيصالها الى الأماكن المستهدفة؟. يجيب موصللي عن هذا السؤال بالإشارة الى أنّ سد بسري سيكون بمثابة الخزان الذي يتم تجميع المياه فيه، أما جر المياه فسيكون عبر خطوط جر وأنفاق وهو ما بات يعرف تحت اسم مشروع "جر مياه الأولي" الذي بدأ تنفيذه قبل السد. بعد ذلك، تصل المياه الى محطة تكرير في منطقة الوردانية، لتُكمل بعدها عبر خطوط جر وتصل الى منطقة خلدة والحدث حيث توجد الخزانات المركزية، ومن هذه الخزانات تتفرّع شبكات التوزيع التي تزوّد المناطق بالمياه الى الضاحية وبعبدا وكفرشيما وغيرها من المناطق التي ذكرناها.
كم تبلغ تكلفة المشروع؟
وفق موصللي، فإنّ تكلفة مشروع السد وحده تبلغ 194 مليون دولار وهي قيمة العقد، أما المنظومة بأكملها فتبلغ 870 مليون دولار، جزء من هذا المبلغ بمثابة قروض تصل الى حد الـ670 مليون دولار، وبقية الأموال مؤمنة من الدولة اللبنانية. وتوزّع هذه الأموال بدل إنشاء السد، الاستملاكات، مشاريع الجر والأنقاق، فضلاً عن منظومة معامل الكهرباء والصرف الصحي لحماية الحوض، محطات التكرير والشبكات، وكافة الأمور المكملة للمشروع.
أين أصبح العمل في المشروع؟ ومتى يتم الانتهاء منه؟
يعرض موصللي مراحل المشروع، فيوضح أنّ العمل على منظومة الأنفاق وشبكات التوزيع وغيرها قد بدأ قبل مشروع السد، ونسبة الإنجاز فيها تتفاوت بين قسم وآخر، ففي الأنفاق مثلاً أنجز 65 بالمئة وهو قسم كبير، وتبلغ نسبة الإنجاز في محطة التكرير 50 بالمئة. وفيما يتعلق بشبكات التوزيع فقد جرى إنجازها في المناطق، وعليه فإنّ هذا المشروع أنجز منه نحو 70 الى 80 بالمئة كجر وتوزيع وتكرير. أما السد أي الخزان الأساسي فهو يِأتي في المرحلة الأخيرة، وقد بدأ التنفيذ له في شهر أيار 2019، وكان من المفترض أن يتم وضع حجر الأساس له اذ كنا نحضر للافتتاح في عام 2019 لكن ألغي بسبب الأزمات التي توالت مؤخراً.
ويلفت موصللي الى أنّنا حالياً نكمل العمل في مشروع الأنفاق ولن نتوقّف، ونحتاج ما يقارب العام والنصف الى عامين حتى ننتهي من المنظومة، عندها يصبح باستطاعتنا وضع المنظومة بالخدمة ما يمكّننا من الحصول على كميات من المياه ولكن بكمية أقل الى النصف مما لو وضع سد بسري في الخدمة. ويُشدد موصللي على أنّ سد بسري كان المفترض أن ينتهي عام 2024، ولكن المشكلة الأساسية اليوم تكمن في الظروف المستجدة والضغط الذي يمارس من قبل البنك الدولي والموقف المعلن ضد بسري لننتقل الى مرحلة خطيرة يهدّد بموجبها المشروع.
للقضية بعد سياسي
وفي الختام، يُشدّد المتحدّث على أنّ ملف سد بسري أخذ بعداً سياسياً، فالمنطقة التي يوجد فيها المشروع معروفة اللون، اذ تحوّل أصحابها بعدما وافقوا على المشروع وكانوا من أشد المطالبين تحولوا الى معارضين له. والمفارقة أنّ هذه المعارضة لم تتولّد الا بعد قبض الاستملاكات. وهنا يُشدّد موصللي على أننا أمام فرصة وإذا "طارت" من أيدينا فنحن أمام مصيبة وفضيحة بعد كل الأموال التي تكبدتها الدولة اللبنانية.
المياهسد بسريالسدودبيروت الكبرى