معركة أولي البأس

خاص العهد

المزيد عن العدوان الجوي الأميركي..هكذا ينظر القانون الدولي لفعلة واشنطن
25/07/2020

المزيد عن العدوان الجوي الأميركي..هكذا ينظر القانون الدولي لفعلة واشنطن

فاطمة سلامة

يكفي أن نتخيّل مشهد الأطفال الذين كانوا على متن الطائرة الإيرانية لحظة اعتراض الطائرتين الأميركيتين لمسارها في الهواء لندرك حجم الإرهاب الأميركي. لا شيء يصف لحظات الرعب والخوف التي عاشها الركاب. أولئك كانوا يسيرون بأمان الله ليجدوا أنفسهم فجأة ودون سابق إنذار يتطايرون من مقاعدهم في حادثة تُترجم انعدام الإنسانية. ولا شك أننا مهما حاولنا توصيف المشهد لن نُفلح بوصفه شاهدا كان على متن الطائرة. فاطمة حمدان واحدة من الركاب الذين عايشوا دقائق الترهيب الأميركي. لحظات رعب وخوف عاشها كثيرون على متن الطائرة كما تخبرنا فاطمة التي تمكنت من رؤية ما حدث عن قرب. وفق المتحدّثة، فإنّ طائرة أميركية اقتربت منا ونحن في الأجواء، تبعتها طائرة أخرى اقتربت كثيراً باتجاهنا لدرجة أنها كادت "تضرب" جناح الطائرة التي نحن على متنها. بعدها سمعنا صوتاً يُشبه صوت الانفجار قبل أن يتّخذ القبطان قراره الحكيم بالهبوط بسرعة حرصاً على سلامتنا. لحظات الهبوط -بحسب فاطمة- أدت الى  تطاير الركاب في الهواء من أطفال وغيرهم. صراخ كبير علا في أرجاء الطائرة نظراً لهول المشهد. وهنا، تصف فاطمة ما حصل من استفزاز بالإرهاب، فتسأل: ما ذنب الأطفال والرضّع وكبار السن لترويعهم؟ ما ذنب الجريح الذي لا يزال يركن في المستشفى بعد تعرضه لكسور في رقبته؟ ما ذنب الأطفال الذين تعرضوا للكسور؟ وفق فاطمة فإنّ أغلب ركاب الطائرة هم من العائلات اللبنانية الذين لم يتمكنوا من العودة الى لبنان بسبب أزمة "كورونا". 

أمام لحظات الرعب التي عاشها ركاب الطائرة المدنية، يبدو السؤال ملحاً عن موقف لبنان الرسمي حيال ما حصل. فصحيح أنّ الطائرة إيرانية ولكن على متنها لبنانيون. وصحيح أنها إيرانية لكنها كانت متجهة الى لبنان. فما موقف وزارة الخارجية اللبنانية مما حصل؟ وما الاجراءات التي اتخذها مطار بيروت الدولي؟ وكيف ينظر القانون الدولي الى هذه الحادثة؟. 

حتي: نحتج كثيراً 

في أول تعليق له على الحادثة، يؤكّد وزير الخارجية ناصيف حتي لموقع "العهد" الإخباري أننا كوزارة خارجية نحتج بشكل كبير وندين التعرض لأي طائرة ركاب مدنية لأنها تعرض سلامة المدنيين للخطر. يشدّد حتي على أنّ كل محاولة اعتراض طائرة مدنية بطيران عسكري هو أمر مرفوض،  ويوضح أنّ لبنان يتمسك بالمعايير ويؤكّد موقفه على احترام الأعراف والقوانين الدولية. وفق حتي، فإنّ كل محاولات من هذا النوع تتعرض لها طائرات مدنية هي مدانة ومرفوضة، فحتى لو لم يكن على متن الطائرة لبنانيون لكنا سنحتج أيضاً، مع الإشارة الى أنّ وجود لبنانيين يجعل موقفنا أقوى. المسألة بنظر حتي ليست سياسية بل تتعلّق بالمعايير والأعراف الدولية. 

 

المزيد عن العدوان الجوي الأميركي..هكذا ينظر القانون الدولي لفعلة واشنطن

 

ورداً على سؤال حول ما اذا كان لبنان قد قدّم احتجاجاً أو أجرى اتصالات نظراً لوجود لبنانيين على متن الطائرة، يشير حتي الى أنّ صاحب الطائرة هو من يحق له القيام بالاتصالات. 

مرجع في مطار بيروت: القضية حسّاسة 

كيف تعامل مطار بيروت الدولي مع الحادثة خاصة أنّ الطائرة كانت متّجهة الى لبنان؟ وما الإجراءات التي اتخذها؟. يُجيب مرجع في مطار بيروت الدولي على أسئلتنا بالإشارة الى أنّ القضية حساسة. يفضّل التكتم على التعليق. لا ينكر المرجع أنّ المطار اتخذّ الإجراءات اللازمة وفق إمكانياته، رغم أن لحظة دخول الطائرة الأجواء اللبنانية كانت طبيعية جداً، ولكن في المقابل هناك شح بالمعلومات فيما يتعلّق بالتفاصيل. وفق المرجع، فإنّ الحدث ليس تقنيا وأي كلمة قد تُحسب علينا وعليه فالتحفظ أفضل. 

جوني: ما حصل جريمة دولية 

أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية الدكتور حسن جوني يشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على ضرورة التوقف أمام الحادثة التي حصلت، فالقانون الدولي ينظر الى ما جرى على أنه عملية إرهابية لأنها تستهدف المدنيين والهدف منها خلق حالة من الرعب لديهم. برأي جوني، عندما نخلق هذه الحالة فنحن حكماً نمارس الإرهاب، وهذا ما فعلته الولايات المتحدة الأميركية حيث ارتكبت بطائراتها الإرهاب.

ولا ينكر جوني أنّه ومن حيث المبدأ، قد يحدث في الأجواء خطأ في بعض الأحيان، ولكن ما حصل ليس خطأ، فالطائرة الإيرانية هي طائرة مدنية انطلقت من طهران وتمتلك مسارا مدنيا معروفا وليس عسكريا، وعليه، لا تستطيع الولايات المتحدة الأميركية أن تدّعي أنها اشتبهت في الطائرة لأنها كانت تراقبها في الأجواء، خصوصاً أنّ هناك وجودا للقوات الأميركية العسكرية في العراق وفي حوزتها أكثر الإحداثيات في العالم، ما يمكّنها من مراقبة الطائرة منذ لحظة انطلاقتها عبر الأقمار الصناعية. 

 

المزيد عن العدوان الجوي الأميركي..هكذا ينظر القانون الدولي لفعلة واشنطن

 

ويُشدّد جوني على أنّ ما حصل يُشكّل جريمة موصوفة و"بلطجة" وعملية إرهابية وسابقة خطيرة، والحديث عن لغط ساد القضية لجهة نوع الطائرة ما اذا كانت عسكرية أم لا هو كلام خطير، فلنتصور لحظة أن كل دول العالم تلجأ الى نفس العملية، عندها لن يعود بإمكان الطيران المدني السير في الأجواء خصوصاً أن للطيران المدني مسارا وتوقيتا محددا، فهو لا يتواجد صدفة في الأجواء بل كل شيء محدد له، وخاصة أن هناك ازدحام طائرات في الأجواء، اذ لدينا عشرات الآلاف من الطائرات التي تسير يومياً في الهواء. 

ويدرج جوني عناصر هذه القضية في ثلاث نقاط: 

-أولاً، وفيما يخص الشق المتعلّق بالطائرة الإيرانية، انتهكت واشنطن بفعلتها وبشكل خطير اتفاقية "مونتريال" عام 1971، واتفاقية منظمة الطيران المدني، وأيضاً اتفاقية "شيكاغو". هذا الانتهاك للطيران المدني خطير جداً -وفق جوني- لأن هناك منظمة دولية تنظم هذه الأمور، وهو ما دفع إيرن الى أن تشتكي أمام هذه المنظمة لتتخذ الإجراءات اللازمة بعد مخالفة المعاهدة.  

-ثانياً، وفيما يتعلّق بالشق السوري، فإنّ ما حصل -من وجهة نظر جوني- هو انتهاك للسيادة السورية والأجواء السورية، فاستقلال سوريا ليس فقط على الأرض بل في الماء والهواء. أضف الى أن هناك نزاعا واضحا بين سوريا والولايات المتحدة الأميركية، ما يدفع لهذه العملية بأن ترقى لجريمة العدوان لأن هناك حالة حرب وعداوة بين الدولتين وأميركا تحتل جزءاً من سوريا.  

-ثالثاً، يتمثّل الشق المتعلّق بالجانب اللبناني، وهنا يوضح جوني أنّ إصابة لبنانيين وإلحاق الضرر بهم تتحمّل مسؤوليته أميركا، ففي القانون الدولي تتحمّل واشنطن المسؤولية عن عمل قد يحدث ضرراً وعلى واشنطن أن تعوّض على اللبنانيين. أولئك باستطاعتهم  اللجوء الى القضاء اللبناني أولا لأن قانون العقوبات اللبناني يعطي الاختصاص له. وثانياً، بإمكانهم اللجوء الى الكثير من المحاكم الدولية التي تعترض للصلاحية العالمية في جريمة الإرهاب. وفق جوني، بإمكان إيران ولبنان إذا أرادا -والموضوع معقدا وليس سهلاً- الذهاب الى محكمة العدل الدولية على أساس انتهاك اتفاقية "مونتريال" لأنها تلحظ إمكانية الذهاب الى محكمة العدل، وهذا ما قامت به ليبيا سابقاً، ولكن الولايات المتحدة الأميركية قامت بالالتفاف آنذاك على القضية وذهبت بها الى مجلس الأمن. الآن لا تستطيع  الولايات المتحدة فعل ذلك لأن هناك فيتو بانتظارها. 

في الختام، يُكرر أستاذ القانون الدولي في الجامعة اللبنانية كلامه لناحية أننا "أمام جريمة إرهاب وهي جريمة دولية وجريمة عدوان فيما يتعلق بسوريا، وهناك محاولة خطف أو قتل وتحويل مسار الطائرة"، ويضيف أنّ" الضرر الكبير حصل وهناك سابقة في هذا الصدد، فعندما أسقطت واشنطن طائرة إيرانية عام 1988، عرضت على إيران مبلغ 132 مليون دولار كتعويضات لكي تسحب ايران دعواها أمام محكمة العدل الدولية".


 

واشنطنناصيف حتي

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة