خاص العهد
هبوط مفاجئ لسعر صرف الدولار...هل سنشهد المزيد؟ وما الذي تغيّر؟
فاطمة سلامة
في الآونة الأخيرة، بات الدولار حديث الناس. العملة الصعبة انعكست على كل نواحي الحياة، وكيفما اتجهنا نجد من يشكو الأسعار الفالتة من عقالها، والقدرةالشرائية شبه "المعدومة". وما زاد الطين بلة أن ارتفاع سعر صرف الدولار لم يقف عند حدود "معقولة"، بل تخطى المحظورات وبات خارج السيطرة. قبل يومين، وصل سعر الصرف في السوق السوداء الى مستويات قياسية لامست حد العشرة آلاف ليرة للدولار الواحد. ارتفاع لم يشهده السوق منذ اندلاع أزمة الدولار وبدء التلاعب بسعر الصرف. لكن وفي اليوم التالي على هذا الإرتفاع الجنوني، عاد سوق الصرف ليشهد انخفاضا وُصف بالـ"حاد"، حيث وصل سعر صرف الدولار الى الـ7500 ليرة أي أنه هبط نحو 2500 ليرة دفعة واحدة. السيناريوهات تعددت حول سر الانخفاض المفاجئ. ورغم أنّ أحداً لا يملك الكلمة الفصل في هذه القضية، إلا أنّ البعض يربط الأمر بإعادة مطار بيروت الى العمل، والبعض الآخر وضعه في سياق جملة عوامل إيجابية على رأسها انفتاح لبنان على خيارات الشرق، وتعهد البنك المركزي بضخ الأموال عبر المصارف. فما الأسباب الحقيقية وراء هذا الانخفاض؟ وهل سنشهد المزيد؟ أم أن الانخفاض يدخل في سياق لعبة "المضاربة" ليعاود الارتفاع لاحقاً في السوق السوداء؟.
عكوش: المضاربون يتلقفون الإشاعات ويستخدمونها في عمليات المضاربة
الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يستهل حديثه بالإشارة الى أنّ المضاربين في السوق السوداء يتلقفون الإشاعات والأخبار ويستخدمونها في عمليات المضاربة، وهنا يكمن سر انخفاض سعر الصرف، حيث جرى التداول في الساعات الأخيرة بعدد من الأخبار الايجابية التي ساهمت في هبوطه. ويُشير عكوش الى أنّ سعر الصرف الذي شهده السوق ليس سعراً اقتصادياً (10 آلاف- 8آلاف) بل سعر مضاربة؛ وبالتالي، فإنّ أي خبر يؤثّر عليه. من وجهة نظره، فإنّ القضية هي فقط قضية إعادة الثقة بالليرة اللبنانية. هذه الثقة يمكن إعادتها عبر إتمام الاجراءات الحكومية التي بدأ رئيس الحكومة حسان دياب العمل عليها لجهة التوجه الى الشرق. المطلوب ترجمة هذه الاجتماعات الى أفعال. كل هذه الأمور اذا ما تُرجمت تعيد الثقة بالاقتصاد اللبناني، وبطبيعة الحال فإنّ المضاربين سوف يتلقفونها ويستخدمونها في هذا المجال. ولكن هل من الممكن أن يستقر سعر صرف الدولار أو يهبط الى حدود معينة؟ يسأل عكوش ويجيب على نفسه بالقول "لا أحد يعرف، فإذا لم تترجم الاجتماعات على أرض الواقع وتتحول الى مشاريع، سوف يعاود سعر الصرف ارتفاعه".
لرفع أعداد القادمين الى لبنان يومياً
ورداً على سؤال حول مدى مساهمة قدوم المغتربين في لجم الدولار، يقول عكوش " الحد الأقصى لأعداد القادمين يومياً صغير جدا مقارنة بحركة المطار قبل أزمة "كورونا". وبالتالي فإن هذا الرقم لن يكفل تنشيط الحركة السياحية في لبنان. يتمنى عكوش أن يتم رفع العدد لأنّ عودة المغتربين تحرّك الاقتصاد، خصوصاً أن سعر صرف الدولار وصل في السوق السوداء الى الـ10 الاف ليرة. وهنا يتوقّف عكوش عند نقطة مهمة تتعلّق بالتحويلات التي يجري صرفها على الـ3850 ليرة. برأيه، فإنّ هذا السعر ليس عادلاً ويشكل خطراً على لبنان، حيث أدى الى "فرملة" كثر للتحويلات عبر الـomt ولجوء المغتربين الى طرق ملتوية لإيصال الأموال الى ذويهم بسعر السوق السوداء. هذا الأمر -وفق عكوش- يحرم لبنان من العملات الصعبة، ما يحتم ضرورة العودة عن تعميم البنك المركزي في هذا الصدد، واتباع الدفع بالدولار أو بالليرة وفقاً لسعر السوق السوداء.
ضخ الدولارات عبر المصارف يخفف الضغط على الدولار
وحول تعهد البنك المركزي بضخ الدولارات عبر المصارف، يعتبر عكوش أنّ هذه الخطوة تُخفّف الضغط عن الصرافين وهذا المطلوب حيث تفتح المجال للتجار بفتح اعتمادات عبر المصارف لاستيراد البضائع من الخارج. وبالتالي، فإنّ إعادة هذا الموضوع الى المصارف يخفف الضغط على العملة الصعبة ومعه تخف المضاربات.
وفي سياق متصل، يشير عكوش الى أنّ الكتلة النقدية وصلت حتى اليوم الى 19287 مليار ليرة، حيث تزداد شهرياَ بحدود الـ2000 مليار ليرة. هذه الزيادة تعتبر مساهما رئيسيا في ارتفاع سعر الصرف، ناهيك عن أن تخزين الأموال في المنازل يساهم في عملية المضاربة. فطالما الأموال لا تزال بيد الناس ستستمر المضاربات، والحل برأي عكوش يكمن في إقرار مشاريع قوانين تعطي الثقة للمواطن وتشجّعه على إعادة أمواله الى المصارف.
لا سقف للدولار
وفي الختام، يؤكّد عكوش أنه طالما لا يوجد مشاريع وخطط اقتصادية لا سقف للدولار في لبنان. أما وفي حال بدأ رئيس الحكومة بتطبيق بعض الخطط الاقتصادية ومنها الاتجاه شرقاً، فهذه الخطوات ستخفف الضغط على الدولار. ولكن بالتأكيد يجب أن يترافق هذا الأمر مع تنظيم القطاع المصرفي. الدولار لن يستقر اذا لم يُنظّم هذا القطاع، لأنه وطالما بقيت الكتلة النقدية بين أيدي الناس طالما تحول كل مواطن لبناني الى صراف.
حلاوي: الدولار تصاعد بطريقة غير صحيحة
لدى سؤال نائب نقيب الصرافين الأستاذ محمود حلاوي عن الأسباب التي أدّت الى انخفاض سعر الصرف، يشير بدايةً الى أنّ الدولار تصاعد بطريقة غير صحيحة وغير مبنية على مبدأ العرض والطلب الحقيقي في السوق. جميعنا يعلم أن المضاربين في السوق السوداء غير مرتبطين لا بقاعدة ولا بمرجع مالي صحيح، وعليه، فإنّ الإشاعات التي تصدر عن هؤلاء تُروّج بين الناس الذين يسارعون لتصديقها ما يؤدي الى ارتفاع الطلب على الدولار ورفع سعر صرفه. طبعاً نحن لا نقول أنّ الليرة بخير -يُضيف حلاوي- ولكن هذا ليس معناه أن الأسعار التي تُبث بين الحين والآخر صحيحة خصوصاً بعدما جرى نفخ الدولار حيث وصل الى الـ10 آلاف ليرة. أما اليوم، وعندما برزت لدينا بعض المقومات الإيجابية ارتاحت الأوضاع وبدأ سعر الصرف بالإنخفاض. وهنا يُدرج حلاوي المقومات التي أدت الى انخفاض سعر الصرف بالآتي:
-بقاء الحكومة بعد أن سرت أخبار بإمكانية تغييرها
-الاجتماعات مع الوفود الصينية والعراقية
- موافقة البنك المركزي على تمويل ودعم السلة الغذائية الموسّعة المقترحة من وزارة الاقتصاد والتي ترفع الأصناف المدعومة من 30 صنف الى 280. بمعنى أنها ستشمل الكثير من السلع التي لم تكن مدعومة والتي تؤمن الأمن الغذائي للناس. هذه الخطوة دفعت بالكثير من التجار الى عدم طلب الدولار من السوق السوداء وتأجيل شحن البضائع لشرائها مدعومة ما يخفّف الطلب على السوق السوداء.
- إعادة فتح المطار الأمر الذي ترك تداعيات إيجابية عبر الأموال التي يضخها المغتربون في السوق والتي حتى ولو جرى صرفها بالسوق السوداء، إلا أنها تزيد العرض مقابل قلة الطلب، ما يؤثر إيجاباً على سعر صرف الليرة.
-هناك جهات تبيع الدولار آخر الشهر لتدفع رواتبها بالليرة اللبنانية، ما خفف الطلب على الدولار.
اذا لم تستمر الأمور الإيجابية وتتكرّس ستعود السوق السوداء لاستغلال الظرف
وبعد عرض الأسباب، يسأل حلاوي: لكن هل هذا السعر الذي وصل اليه الدولار هو سعر واقعي؟. سرعان ما يُجيب "حكماً، لا نستطيع التنبؤ لأنه اذا لم تستمر الأمور الايجابية وتتكرّس ستعود السوق السوداء لاستغلال الظرف". وهنا يُشدّد حلاوي على ضرورة أن يلعب الصراف الشرعي دوره الطبيعي ويعود كوسيط بين المواطنين، لا أن ينحصر دور الفئة "أ" في بيع المواطنين الدولارات التي يستلمها من مصرف لبنان بسعر محدود وبربح محدود أيضاً. الصيرفي -برأيه- من المفترض أن يأخذ دوره الطبيعي حتى لا يتم ترك الأمر للسوق السوداء. ويُشدّد حلاوي على أنّ الفئة "ب" من الصرافين هم شريحة كبيرة يجلسون اليوم جانباً لأنهم لا يتلقون ضخاً للأموال من مصرف لبنان، وهذا الواقع يجب أن يتغيّر عبر تفعيل عملهم. يجب أن يعود الصراف الشرعي لدوره الحقيقي كوسيط بين المواطن الذي يشتري الدولار والآخر الذي يبيع، وفقاً لحركة العرض والطلب وهذا يخفف من فورة السوق السوداء واستفرادها في الساحة.
يشوعي: هبوط سعر الصرف لعبة
لا يتّفق الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي مُطلقاً مع وجهة نظر حلاوي. يجيب على سؤالنا عن الأسباب التي أدّت الى التراجع بالقول "هبوط الدولار الى الـ7500 يعود الى أنّ هناك مضاربين باعوا الدولار فوق العشرة آلاف ليرة وحقّقوا أرباحا، ويريدون شراءه بسعر أدنى لبيعه لاحقاً بسعر الـ12 الف ليرة. وفق يشوعي، فإنّ الأمر لا يتعلّق أبداً بمقوّمات أو تغيرات إيجابية. يتعلّق فقط بلعبة السوق السوداء، واللبناني مع الأسف لا يملك حس المواطنة، بل "يعبد" المال.
البنك المركزي فرّط بكل شيء
ويُشدّد يشوعي على أنّ السوق يشهد مضاربات عديدة، وهذه المضاربات لا يمكن ضبطها سوى بوجود بنك مركزي أقوى من المضاربين ويمتلك الاحتياطات الكبيرة التي من شأنها أن تلجم أي انهيار لسعر صرف الليرة. بنك أقوى من أدوات السوق، ولكن للأسف فإن هذا البنك المركزي الحالي فرّط -برأي يشوعي- بكل شيء. فرّط بودائع الناس وسلامتها وسلامة توظيفاتها، الأمر الذي جعل أقل مضارب في السوق السوداء أقوى من البنك المركزي في لبنان.
ويلفت يشوعي الى أنّ السبب الرئيسي وراء ارتفاع سعر صرف الدولار هو الدولارات المسروقة والمنهوبة، إذ كانت ودائع اللبنانيين في المصارف قد بلغت 120 مليار دولار و60 مليار دولار وضعت بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف 1515 آنذاك. ومن أصل الـ120 مليار دولار جرى إيداع ما لا يقل عن 75 مليار دولار في البنك المركزي. الأخير استعمل دولارات الناس في الزبائنية والاستنسابية والهرطقات والهندسات المالية. الأمر الذي جعل لبنان يفتقد الى العملة النادرة، خصوصاً بعد فقدان مصادر دخولها الى لبنان. الأخير كان يعتمد دائماً على مصادر خارجية للعملة الصعبة من تحويلات اللبنانيين الى الاستثمارات والقروض الخارجية والمؤتمرات الدولية، وفي المقابل أهمل بناء اقتصاد منتج يشجّع الاستثمار. فقط بنى اقتصاداً ريعياً قائماً على الاستيراد.
ورداً على سؤال حول ما اذا كنا سنشهد هبوطاً أكثر في سعر الصرف، يسأل يشوعي:" لماذا سنشهد هبوطاً طالما لا مقومات لدينا؟". برأيه، فإنّ كل الكلام حول تدهور سعر الصرف هو كلام في الهواء، طالما لدينا حاكم بنك مركزي لم يحافظ على قوة البنك المركزي بل عمل على إضعاف قدراته ولم يعمل على ضبط إيقاع سعر صرف العملة الوطنية. وهنا يُشدد يشوعي على ضرورة محاسبة رياض سلامة مع آخرين تورطوا فيما نحن عليه اليوم.
ويختم يشوعي حديثه بالقول :" لا أفق للدولار في لبنان طالما أضعف مضارب أقوى من البنك المركزي".