خاص العهد
خبز الجنوب.. مقاوم
سامر الحاج علي
ما كانت خطة حصار الرغيف التي طبقت منذ صباح السبت سوى خطوة على طريق محاولة إقناع الناس بعدم القدرة على التأقلم مع ظروف الحرب الاقتصادية المفروضة عليهم من إدارة الولايات المتحدة الأمريكية ومن يلف لفيفها من أنظمة خانعة وموظفين طائعين موزعين على بعض مفاصل السلطة حتى في لبنان، وواحدة من أدوات ضغط متعددة الأوجه، تارة تموّهها ألسن التجار بعدم القدرة على تحمل الخسائر، وتارة أخرى تفضحها الألسن: نريد تحقيق مزيد من الأرباح، ومن لا يملك ثمن الخبز.. لا يشتريه.
تختلف الوجوه إذاً وتحمل الحرب كما سبل المواجهة أوجهًا عدة، ينقلب التجار على أهلهم وكأنهم يملكون في جيوب الفقراء مالاً مرصوداً يودّون لو يسحبونه بأي ثمن، متناسين أن هذا الشعب بات يدرك تماماً وبناء على تجارب جليّة، أن ثمن المواجهة هذه المرة كما في كل مرة هو أقل بكثير من ثمن الخضوع. فيطلقون مراحل التحدى كلٌّ في موقعه من بلديات الثنائي الوطني التي تتبنى موقف مقاومة الحرمان إلى المجتمع الذي لطالما صنع من لحمه باروداً ولم يركع. وبهذا لم يكد ينقضي سبت الرغيف، حتى كانت المبادرات تنطلق.
بلدية العباسية مثلاً، كانت سباقة في تأمين حاجات الناس فتحركت وفق ما يشير رئيسها علي عز الدين لموقع "العهد" الإخباري حتى لا يبقى أي مواطن بدون خبز ووزعت ألف ربطة خبز على محلات بيع المواد الغذائية في البلدة ليتم توزيعها مجاناً على الأهالي، ثم أعادت الكرّة يوم الأحد فوزعت الكمية نفسها عبر عناصر شرطتها على المنازل مباشرة كي يصل الرغيف إلى الناس دون أي وسيط.
يلحظ عز الدين أن دور البلديات يتجلى في بقائها إلى جانب الناس، فيوزعون الخبز مثلاً في هذه الظروف، حتى لا يشعر أحد منهم بمهانة أو مذلة نتيجة للانتظار في طوابير أمام أبواب الأفران، مؤكداً أن المهمة التي قام بها عناصر الشرطة البلدية اليوم من توزيع الخبز ستتواصل إذا استمرت الأزمة.
وأطلق المجلس البلدي في النبطية مبادرة تهدف الى تأمين وتوزيع الخبز للمواطنين بسعر الكلفة، الأمر الذي لاقى ترحيباً من الأهالي الذين أثنوا على جهود البلدية الحاضرة دائماً لتأمين المستلزمات الحياتية على حد تعبير المواطن علي جابر لموقع "العهد" الإخباري، والذي يرى أيضاً أن هذه الخطوة تأتي على طريق مواجهة الضغوط التي تلهب معاناة الناس في ظل الظروف الاقتصادية الخانقة.
أما في عيناتا، فقد أعلنت البلدية منذ اللحظة الأولى لبدء انقطاع الخبز في المؤسسات أنها تتابع عن كثب الأزمة المستجدة وفق ما يشير لموقع "العهد" الإخباري رئيسها الدكتور رياض فضل الله، والذي أعلن عن تأمين الخبز للمؤسسات والمنازل، وعن وضع كمية من المواد اللازمة للعجين كالسكر والزيت والطحين الذي أنتجته البلدية من بيادرها التي زرعتها هذا العام في تصرف فرنين عاملين في البلدة لتصنيع الخبز إذا لزم الامر وبالتالي توفير هذه المادة الأساسية التي لا تخلو منها مائدة لبنانية.
وفي هذا نماذج تختصر عمل غالبية البلديات في أقضية الجنوب، كللتها مبادرات فردية وجماعية أيضاً تهافتت من أجل المساعدة في تأمين رغيف الخبز لكل البيوت على مبدأ التكافل الاجتماعي الذي لطالما أثنى عليه سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، فكان الخبز يوزع عبر مجموعة من الشباب عند مداخل النبطية مجانا على العابرين، بينما خبزت سيدة سبعينية في مدينة بنت جبيل كمية وافرة من الخبز المرقوق ووزعته على عدد من العائلات في رسالة تحدٍّ ليست بغريبة عن مدينة دخلت التاريخ بمقاومتها وانتصاراتها.
وفي بلدة معركة أطلق المواطن علي حجازي والذي يملك محلاً لبيع الخبز المصنوع "على الطابون" وهو فرن مصنوع من التراب والتبن ويسكن منزلة هامة في تراث القرى الجنوبية، مبادرة يقوم من خلالها بصناعة "طابون" لكل من يرغب بإعداد الخبز في منزله، معتبراً في حديث للعهد أن الطابون الذي نصنع فيه الخبز هو جزء من تراثنا وتقاليدنا، وأسلوب نقاوم فيه اليوم كل محاولات الحصار والتجويع التي تستهدفنا لأننا لم نتخلَّ عن خيار المقاومة ضد الاحتلال والهيمنة.
يتوجه ديب برسالة إلى الناس يدعو فيها إلى عدم القلق من انقطاع الخبز فالطحين والمواد الأساسية لصناعته متوفرة وإن لم تشأ الأفران أن تفتح أبوابها سننتج خبزنا ونوزعه بأنفسنا، وإلى ضرورة الالتفات والثقة بما كان قد أعلنه سماحة السيد حسن نصر الله في كلمته الأخيرة من أننا لن نجوع، وقال: هذا الامر يدعونا للاطمئنان والراحة.. فالأمة التي فيها سيد كالسيد حسن لا يمكن أن تُهزم أو تنكسر أو تجوع.
وتلك ثقة مجتمع المقاومة، بمن قدم الدم من أجل العزة ولن يتوانى اليوم عن تقديم كل الإمكانيات من أجل أن يبقى مجتمع الشهداء عزيزاً وسيّداً لا يقارن بأي مجتمع آخر.