معركة أولي البأس

خاص العهد

تقرير
24/01/2019

تقرير "موديز" جرس إنذار قبل فوات الأوان

فاطمة سلامة

 

لا شك أنّ الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان بات مكشوفاً ومعروفاً أكثر من أي وقت مضى. كيفما اتجهنا تُطالعنا أخبارٌ ومعلومات توصلنا الى حقيقة واحدة: اقتصاد لبنان في خطر. وبالموازاة، تُطالعنا أصوات محذّرةً من خطورة الأوضاع، وداعيةً الى إعلان حالة طوارئ اقتصادية. بالمقابل، تتوالى التطمينات، فالليرة لا تزال ثابتة، والوضع مستقر. هذا المشهد يتكرّر باستمرار، وقد زادت حدّته في الأشهر الماضية. حتى أنّ بعض التقارير العالمية التي من المفترض أن تصدر في فترة معيّنة، "خرقت" تلك المُدّة، لتُحذّر من صورة قاتمة لاقتصاد لبنان. تقرير وكالة التصنيف الدولية "موديز" مثلاً صدر مرتين خلال مدة زمنية قصيرة جداً. وللأسف، فإنّ التقرير الأول حدّد تصنيف لبنان الإئتماني عند B3، واصفاً الحال بالمستقر. أما التقرير الثاني، فقد خفّض تصنيف لبنان إلى Caa1، وبالتالي حوّل النظرة من مستقرة الى سلبية، وهو تصنيف يحصل عليه لبنان للمرة الأولى. فماذا يعني تقرير "موديز"؟ وما الخطوات المطلوبة من لبنان؟.

لم تأت نظرة "موديز" الأخيرة حيال لبنان من العدم. جملة مؤشرات ومعطيات سلبية برزت في السوق اللبناني، دفعت الوكالة الدولية الى دق ناقوس الخطر. فخفض التصنيف الائتماني على الديون اللبنانية يعني بشكل أساسي زيادة المخاطر وارتفاع معدلات الفوائد على الدين اللبناني من قبل الأسواق العالمية. ولم يُغفل تقرير "موديز" الشق السياسي، لافتاً الى أنّ التراجع الحاصل مرده الى التأخر في تشكيل حكومة قادرة على وضع السياسات الإصلاحية العاجلة للسيطرة على الدين العام. وهو ما يُشدّد عليه عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب ياسين جابر لدى مقاربة الموضوع. لا يتفهّم المتحدّث إغفالنا نحن اللبنانيون لكل الضجيج الحاصل حول الأزمة المالية، وعدم مبادرتنا باتجاه تشكيل حكومة. وللأسف الشديد، يقول جابر لموقع العهد الإخباري، فإنّ كل أجهزة الإنذار والإشارات الحمراء التي تُنبّهنا منذ فترة من تأزم الوضع الاقتصادي وتسدي الينا النصح بضرورة تشكيل حكومة، كل ذلك لم يتم التجاوب معه كما يجب، وكما تفرض الظروف. حتى أنّ مؤتمر "سيدر" الذي عُقد مؤخراً، واشتُرط فيه على لبنان ضرورة القيام بإصلاحات لإقراضه، والمساهمة في نهوضه، لم يُحفّزنا.

جابر الذي يرى أنّ الخطوة الوحيدة الصحيحة التي خطاها لبنان تمثّلت بانتخابات نيابية أعطت صورة عن الديمقراطية ووجّهت رسالة إيجابية، يأسف لعدم استكمال هذه الخطوة. مهمة التكليف التي تولاها الرئيس سعد الحريري، دخلت الشهر التاسع، دون حسم هذا الملف. وهنا يُشير عضو لجنة المال والموازنة الى أنّ الطائف أعطى مجلس الوزراء سلطة القرار. غياب حكومة مكتملة المواصفات يعني عملياً أن لبنان بلا هذه السلطة. ويوضح أنّ التقرير الأول لـ"موديز" كان بمثابة جرس إنذار، لكن للأسف لم نلتقط الإشارة جيداً، ولم نقم بواجباتنا الفعلية كي لا نصل الى ما وصلنا اليه. هل فات الأوان؟.

يُؤكّد المتحدّث أن لبنان يقف على حافة هاوية "سحيقة"، لكن باستطاعتنا أن نُقوّم الأوضاع. لبنان يمتلك مقومات لضبط أوضاعه، وتجاوز الهاوية. إلا أنه وبالاستمرار بالسير الى الوراء، لن يكون أمامنا فرصة للعودة. يُشدّد جابر على أنّ الخطورة في التقرير المذكور أنه يُحدث ما يُشبه "النقزة" الكبيرة لدى المودعين ويضرب الثقة الموجودة في لبنان، ويحد من إمكانية التمويل الذاتي مستقبلياً. يلفت جابر الى أنّه وفي عام 2019 لدينا عجز كبير جداً، يُحتّم علينا البدء بخطوات إصلاحية ضرورية، وإلا قد نصل الى مكان لا ينفع معه الندم. ما هي هذه الخطوات؟.

يُشدّد عضو كتلة "التنمية والتحرير" على أنّ أولى الخطوات التي يجب أن يسلكها لبنان، تتمثّل بتشكيل حكومة اليوم قبل الغد للتخفيف من مفاعيل "موديز". بموازاة هذه الخطوة، لا بد من الأفرقاء السياسيين أن يفكّروا ملياً بالخطوات الايجابية التي عليهم "فعلها" لترك أثر حسن على الرأي العام والمراقبين، بمعنى فعل أي شيء يوحي بالثقة. بعد ذلك، يرى جابر أن الحكومة المؤلفة ستكون أمام اختبار فعلي وحقيقي، وبوقت قياسي (ثلاثة أشهر)، لتعطي صورة حسنة عن قيامها بخطوات جدية من أجل تنفيذ برنامج عمل مطلوب، وإلا فإنّ الاستمرار بهذا الحال يُشكّل ضرباً للدستور والقوانين، خصوصاً أنّ حدّة النهب والهدر ازدادت خلال مرحلة تصريف الأعمال، في ظل تعطيل الدور الرقابي لمجلس النواب، وبالتالي لا حسيب ولا رقيب.

وزني..التقرير جرس إنذار

الخبير الاقتصادي غازي وزني يشرح مفاعيل تقرير "موديز" فيشير الى أنّ المستغرب يكمن في صدور تقريرين متتاليين حيال لبنان لوكالة التصنيف العالمية، فعادة تصدر هكذا  تقارير كل ثلاثة أو ستة أشهر أو حتى مرة واحدة في العام. يوضح أنّ أولى المؤشرات الاقتصادية لهذا التقرير يكمن في تدهور الوضع المالي وتنامي الدين العام وضعف النمو الاقتصادي. يلفت الى أنّ التقرير يوحي بأن قدرة لبنان على الاستدانة في الأسواق المالية العالمية باتت صعبة، لكنّه يوضح في الوقت ذاته أنّ شراء سندات الخزينة اللبنانية بقيمة 500 مليون دولار عقب التقرير بأيام، خفّف من المفاعيل السلبية للتقرير، بمعنى أنه لم يكن له تأثير قوي في الأسواق العالمية. فالتأثير على أسعار سندات "اليوروبوند" كان أقل من نصف بالمئة. حتى أن سوق القطع لم يشهد تحويلات من الليرة الى الدولار، ما يشي بأن وضع الليرة بقي مستقراً، وهذه مؤشرات حسنة للتخفيف من المخاطر التي طالعنا بها التقرير. إلا أنّ وزني يتفّق مع ما قاله جابر لجهة أنّ التقرير يجب أن يُشكّل جرس إنذار، خصوصاً فيما يتعلّق بالأزمة السياسية.

إقرأ المزيد في: خاص العهد