معركة أولي البأس

خاص العهد

هل يلجم ضخّ الدولار عبر المصارف الارتفاع الجنوني لسعر الصرف؟
25/06/2020

هل يلجم ضخّ الدولار عبر المصارف الارتفاع الجنوني لسعر الصرف؟

فاطمة سلامة

ما إن تُفتح سيرة الوضع النقدي والمالي المتدهور في لبنان، حتى يستحضر ذهن البعض تلقائياً اسم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. جُلنا يعلم أنّ السياسة العوجاء التي اتبعها المصرف المركزي ولا يزال أوصلت البلد الى ما هو عليه اليوم. ولا داعي للدخول في تفاصيلها الكثيرة، اذ يكفي أن نستذكر قضية تعويم المصارف والهندسات المالية التي دفعت مالية الدولة ثمنها غالياً. تلك السياسة انسحبت على أرزاق الناس وشقاء عمرهم، فتراهم اليوم ممنوعين عن قبض تحويلاتهم كما هي بالعملة الصعبة بسبب تعاميم تريد لهذا المواطن أن يدفع ثمن سياسات خاطئة. تماماً كما يُمنع على المواطن أن يستفيد من "دولاراته" التي ركنها في المصارف، ليتم إعطاؤه إياها بشروط وتعاميم هندسها الحاكم المركزي. هذا ناهيك عن المعلومات التي كُشفت مؤخراً لناحية تأمين مصرف لبنان كميات كبيرة من الأموال بالليرة اللبنانية لمصرف "سوسيتيه جنرال" الذي قام بكنس الدولارات من السوق. أكثر من ذلك، فيما كانت الأصوات الرسمية والشعبية تطالب سلامة بفعل أي شيء  للجم الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، كان يُجيب بأن إمكانياته لا تسمح له بالتدخل، ما أوصل سعر الصرف الى عتبات قياسية، قبل أن يتدخّل مكرهاً عبر ضخ الدولارات في السوق في خطوة أتت "متأخرة". 

وللأسف، فإنّ مهمة البنك المركزي بضخ دولارات في السوق لم تؤت أكلها كما يجب، ولم تتمكّن من لجم سعر صرف الدولار الذي لامس أمس الخميس عتبة السبعة آلاف ليرة، فيما يُرجّح أهل الاقتصاد والمال أن يستمر في التحليق طالما لا يزال عملة نادرة ومطلوبة. وفي الوقت الذي يؤكّد فيه الصرافون أنّ المبلغ الذي يتلقونه من مصرف لبنان لا يكفي لتأمين حاجة السوق، جرى الاتفاق خلال اجتماع خلية الأزمة الوزارية المكلفة متابعة المواضيع المالية على أنّ يُزوّد مصرف لبنان المصارف التجارية بكمية من الدولارات لبيعها الى المواطنين والمستوردين. فهل تلجم هذه الخطوة الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار؟ 

حلاوي: الآلية كفيلة بتوزيع الضغط على الدولار 

نائب نقيب الصرافين الأستاذ محمود حلاوي يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن تولي مصرف لبنان مهمة ضخ الدولارات عبر المصارف هو آلية عرضت للنقاش وتم الاتفاق عليها في الاجتماع المالي، بحيث يُزوّد مصرف لبنان المصارف بالعملة الصعبة، والأخيرة تتولى تزويد التجار بالدولار أو تحويل أموال لهم الى الخارج ليتمكنوا من الاستيراد. وفق حلاوي، فإنّ هذه الآلية اذا ما اعتمدت ستعمل على توزيع الضغط الذي يتعرّض له قطاع الصيرفة لأن هذا القطاع لم يعد يحتمل، فالمبالغ التي تُضخ عبر الصرافين لا تكفي حاجات السوق، حتى لتأمين المواد الغذائية والمستلزمات الطبية. نحن نتلقى عبر مصرف لبنان ما يُقارب الثلاثة الى أربعة ملايين دولار يومياً، بينما نحن بحاجة الى حوالى عشرة ملايين لسد حاجات السوق. 

ويوضح حلاوي أن ضخ الدولار عبر المصارف كفيل بتوزيع المسؤوليات بعدما جرى حصر تلبية حاجات السوق بالصرافين. وحول مستقبل الدولار الذي لامس حد الـ7 الاف ليرة، يقول حلاوي :" نحن كصيارفة شرعيين ليس لنا دور في هذا الموضوع، إنما عندما لم يتم تأمين حاجة السوق، يلجأ الأخير الى شراء الدولارات بأي وسيلة كانت". وهنا يتمنى حلاوي على التاجر حتى ولو كانت النتيجة خفض الاستيراد عدم شراء الدولار بهذه الأسعار الخيالية التي ستنعكس على المواطن غلاء جنونياً. 

وفيما يتعلّق بالشروط الجديدة التي وضعتها نقابة الصرافين لشراء الدولارات، يرى حلاوي أن هذه الشروط بسيطة جداً في حال كان المواطن صادقاً في شراء حاجته فقط من الدولار، لا أن يشتري للادخار. وحول إمكانية صمود آلية مصرف لبنان المتمثلة بضخ الدولار للصرافين، يؤكد حلاوي أنّه لا يستطيع التنبؤ بهذا الأمر، لكنه يرجح أن تنخفض التحويلات مع إعادة فتح المطار الأمر الذي سيؤثر على استفادة مصرف لبنان من هذه التحويلات لضخها في السوق. وهنا يأمل حلاوي أن يكون للصراف دور في تلقي المبالغ التي ستأتي عبر المغتربين لكي يتحكم بسعرها ولا تسيطر عليها السوق السوداء. برأيه، لا بد من ترشيد الاستيراد لأنه يساهم في تفاقم سعر صرف الدولار. وفق قناعاته، فإن الاستيراد لا بد منه ولكن يجب خفضه قدر الامكان. 
 
عكوش: خطوة لا تكفي 

لدى سؤاله عن إمكانية مساهمة ضخ الدولار عبر المصارف في لجم الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، يشدّد الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش على أنّ هذا الأمر لا يكفي للجم الارتفاع بسعر صرف الدولار، وذلك لسبب بسيط: هل مصرف لبنان قادر على ضخ الكمية المطلوبة عبر المصارف وهو يعاني أصلاً من العجز في احتياطي العملات الصعبة؟ يسأل عكوش ويجيب أنّ " العملات الصعبة تستنزف وليس لدينا مقومات تسهم في رفع نسبة الاحتياطي، خصوصاً في ظل حاجة السوق الكبيرة للاستيراد، مع الاشارة الى أن الاحتياطي الحر في مصرف لبنان لا يتجاوز الـ6 مليارات دولار وهذا الرقم لا يكفي مطلقاً لتلبية حاجات السوق والاستيراد. 

كمية الدولارات قليلة والكتلة النقدية اللبنانية تتوسّع

يُذكّر الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش بالعوامل التي أدّت الى تحليق الدولار عالياً، فيشير أولاً الى كمية الدولارات القليلة المعروضة، فالسوق يحتاج شهرياً الى ما بين الـ500 الى 600 مليون دولار، وهذا الرقم لم يتوفر منه في الفترة الأخيرة سوى حوالى 150 مليون دولار شهرياً. هذا الواقع خلق أزمة كبيرة لأن مستوردي السلع غير المدعومة يضطرون لشراء الدولارات من السوق السوداء لاستيراد البضائع. أما ثاني العوامل -برأي عكوش- فهو تضخم الكتلة النقدية اللبنانية في الأسواق والتي بلغت حتى اليوم حدود الـ19200 مليار ليرة بعد أن كانت بحدود الـ5 آلاف مليار ليرة مع بداية الأزمة، ما يعني زيادة بنسبة أربعة أضعاف. وهنا يوضح عكوش أنه عندما تكبر الكتلة النقدية الوطنية في السوق سيزداد الضغط على الدولار لأنه سيصبح لدينا طلب على الدولار أكثر. 

العجز في ميزان المدفوعات وضرب القطاع السياحي 

ثالث العوامل التي يشير اليها عكوش والتي أدت الى الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار ليست خافية على أحد وتكمن في العجز الذي يعانيه الميزان التجاري، والذي لم تتم معالجته بشكل صحيح خاصة لناحية الصناعيين، وكلنا يعلم اليوم أن الصناعيين يعانون من قضية فتح الاعتمادات. وفق عكوش، فإنّ العامل الوحيد الذي من الممكن أن يخفّف من عجز الموازنة هو دعم الصناعيين والمزارعين لتخفيض عملية الاستيراد وهذا التخفيض كفيل بتخفيف العجز عن ميزان المدفوعات. أما رابع العوامل بحسب المتحدّث فهو أزمة "كورونا" التي أرخت بظلالها على القطاع السياحي. الأخير كان يُدخل الى لبنان ما بين الـ2 الى 3 مليارات دولار سنوياً. 

العقوبات الأميركية وضعف التحويلات 

وفي معرض حديثه، لا ينسى عكوش قضية العقوبات الأميركية والعقوبات التي فرضت على بعض المصارف أعباء أدت الى إقفالها ما خفّف من تحويلات المغتربين الى لبنان. قيمة التحويلات كانت ما بين الـ7 الى 8 مليارات دولار سنوياً، أما اليوم فقد انخفضت الى النصف تقريباً. 

لا سقف للدولار طالما المقومات غير موجودة 

وفيما يتعلّق بمستقبل الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، يقول عكوش" بكل صراحة طالما لا توجد معالجة للأسباب التي وردت، وطالما لا تزال طباعة العملة الوطنية جارية، لا سقف للدولار في لبنان"، وفق حساباته، كل شهر لدينا ضخ بقيمة 2000 مليار ليرة في السوق المحلي". هذه السياسة خاطئة -برأي عكوش- والمشكلة الكبيرة تكمن في عدم معالجة المواضيع بشكل جدي، فالمفروض ولكي نخفف من هذه الكتلة النقدية أن نعيد الثقة بالمصارف، لكي تتمكّن من جذب الودائع، لأنه وطالما هذه الكتلة النقدية لا تزال بأيدي الناس سيرتفع الطلب على الدولار. ولا ينكر عكوش أن استعادة الثقة مسألة صعبة ولن يتم بناؤها بشكل سريع، ولكي نبنيها يجب أن نُغيّر بالأطر المصرفية وقوانينها عبر إنجاز قوانين جدية تضمن للمواطن سحب ودائعه. برأي عكوش هناك العديد من الطرق لاستعادة الثقة من ضمنها إعطاء رخص جديدة لمصارف جديدة، فضلاً عن ضمان الدولة لهذه الودائع عبر أصولها. 

ويُكرّر المتحدّث أن لا حل  سوى بإعادة الثقة بالقطاع المصرفي، وإلا فإن عملية التضخم ستتواصل  صعوداً. يشرح الأسباب التي ستؤدي الى زيادة التضخم أكثر وأكثر، فالودائع بالمصارف بحدود الـ145 مليار دولار. هذه الودائع يتم سحبها بشكل متراكم ولن تعود الى المصارف. هذا المبلغ سيصبح بأيدي الناس على شكل ليرات ما يعمل على تراكم الكتلة النقدية حتى تبلغ سنوياً بحدود الـ24 مليار ليرة، وهي كتلة ضخمة لبلد كلبنان. هذه الكتلة يجب أن لا تكون بأيدي الناس، ويجب أن تتم تغطيتها عبر العملات الصعبة أو الذهب. اليوم كلنا يعلم أن احتياطي مصرف لبنان لا يتجاوز الـ20 مليار دولار و17 مليار دولار من الذهب، هذه الكتلة يقابلها كما ذكرنا كتلة نقدية كبيرة من العملة الوطنية، ما يرفع من مؤشر التضخم أكثر وأكثر. لذلك، لا حل يُكرّر عكوش سوى بإعادة الثقة بالقطاع المصرفي لتوطين هذه الكتلة النقدية في المصارف.

الدولار

إقرأ المزيد في: خاص العهد