خاص العهد
رقم "صادم" سجّله عداد "كورونا": ماذا يعني؟ والى أين تتّجه الإصابات؟
فاطمة سلامة
ما إن دخل لبنان أتون "مناعة القطيع"، حتى عاود عداد "كورونا" الى الارتفاع. 51 إصابة سُجلت أمس أحدثت "صدمة" في صفوف المواطنين بعد أن بدأ جزء كبير منهم يتعايش مع الوباء وكأنه لم يكن. ولا يخفى على أحد أنّ لبنان ذهب باتجاه سياسة "مناعة القطيع" مُكرهاً، فالوضع الاقتصادي لم يعد يحتمل اقفالاً، وعليه لا بد من المواءمة بين الصحة والاقتصاد. بمعنى، لا بد من تحريك العجلة الاقتصادية، مقابل إبقاء العين مفتوحة على مسار الخط "الكوروني" في لبنان. وهنا يقع جانب كبير من المسؤولية على المواطنين. على كل مواطن أن يكون خفيراً يتعامل مع الآخر على أنه مصاب، ما يُحتّم عدم الاستهتار، وإبقاء قواعد التباعد الاجتماعي قائمة. فماذا يعني الرقم الذي سجّله عداد كورونا أمس الأحد؟ هل ستستمر الأرقام بالارتفاع؟ وهل احتمال إعادة إقفال البلد وارد؟.
خوري: الارتفاع متوقع لكن المشكلة في الحالات مجهولة المصدر
مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية والاجتماعية النائب السابق الدكتور وليد خوري يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ ارتفاع الأعداد بفيروس "كورونا" هو أمر كنا ننتظره مع فتح مختلف القطاعات، لكن المشكلة التي نواجهها صراحة أنّ هناك عدة أماكن ترتفع فيها الاصابات دون أن نتمكّن حتى اللحظة من معرفة مصدرها أي نحو 4 أو 5 مناطق تضم حالات مجهولة المصدر. التقصي -برأي خوري- ليس سهلاً. هو سهل فقط على القادمين من الخارج. وهنا يوضح المتحدّث أننا كنا قد وضعنا نسبة لأعداد إصابات الوافدين نحو 1 بالمئة، والواقع أنّ الاصابات التي تأتينا من المغتربين لا تتعدى هذه النسبة، وهذا الأمر كان دافعاً لنا لفتح المطار.
جزء من المشكلة يقع على عاتق الناس
أما لجهة القاطنين في لبنان، فيلفت خوري -وهو عضو في لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس "كورونا"- الى أنّ هناك أشخاصا نكتشف إصابتهم ونعرف من أين أتت العدوى، وآخرين لا نعرف، وذلك في المناطق التي ينتشر فيها الوباء ولا نعلم من هي الحالة "صفر" التي نقلت العدوى ومن أين حملتها. القضية -بحسب خوري- تتطلب تحقيقا كبيراً تماما كمن يجري تحقيقا بوليسيا، وجزء من المشكلة -برأي خوري- يقع على عاتق الناس الذين لم يعودوا يلتزمون بالتدابير الوقائية كما يجب مع فتح القطاعات والمطاعم، وهذه المشكلة الوحيدة، خاصة أن الاعلام أيضاً انشغل بالأوضاع الاقتصادية عن متابعة ملف كورونا، وهذا الأمر قلّل من توعية الناس.
قد نذهب الى معاودة الإقفال اذا...
وفي الختام، يُشير خوري الى أنّ أعداد الإصابات المحلية لا تزال مقبولة، فأمس مثلاً سُجّلت 19 حالة بين المقيمين، وهي نسبة مقبولة. هل من الممكن أن يعود لبنان الى خيار الإقفال اذا لم تعد النسب وفق المعقول؟ يجيب خوري بالإشارة الى أننا لا نزال في مرحلة الاحتواء ولا يوجد تفشٍّ كبير للوباء، ولكن اذا خرجت الأعداد عن المعقول قد نذهب بالتأكيد الى معاودة الإقفال.
حمية: ارتفاع الأعداد أتى نتيجة لاتباع سياسة مناعة القطيع
نائب رئيس لجنة علماء لبنان لمكافحة الكورونا (lscc) والمتخصّص في علوم الجزيئيّات الذرية والنانوتكنولوجيا الدكتور محمد حمية يُقّدم في حديث لموقع "العهد" الإخباري قراءة للمستجدات التي طرأت على ساحة فيروس "كورونا"، فيقول "منذ 20 يوماً كان واضحاً أنه اذا لم نلتزم بتثبيت الأرقام من جديد، سوف يكون لدينا خط بياني آخر، وهو خط "مناعة القطيع"". وفق قناعات حمية، فإنّ ارتفاع الأعداد أتى نتيجة لاتباع سياسة مناعة القطيع، وهو ما نشهده منذ حوالى 15 يوماً اذ لم تنخفض الأرقام كثيراً، وفي أحسن الحالات كنا نسجّل ثماني إصابات.
ويلفت حمية الى أنّ الدراسات العلمية في العالم بأكمله أشارت الى أن هناك هيكليتين للتعاطي مع "كورونا"؛ الهيكلية الصينية المنفردة من نوعها، والأميركية الأوروبية. لبنان قبل شهر من الآن كان يسير على الهيكلية الصينية، لكنه دخل بعدها في مناعة القطيع دون أن يعلن ذلك، بل سماها المناعة المتدرجة وما شابه، الأمر الذي انتقل بنا الى الهيكلية الغربية. الأخيرة تُشجّع على ترك الفيروس ينتشر بين أكبر عدد ممكن من السكان لأنّ هيكليته تضعف بالعدوى. ماذا يعني ذلك؟ يعني -وفق حمية- أن كثرة العدوى أضعفت هيكلية الفيروس بحيث لم يعد يؤدي إلى نسب عالية من الوفيات إلا في البرازيل لأنه انتشر فيها حديثاً.
الهيكلية البروتينية للفيروس بدأت تضعُف
ويشرح حمية أنّ الفيروس ولحظة صدوره الى العلن أصاب كبار السن، بعدها وعندما تعرّف على الخلايا الانسانية تمكن من الانتقال الى حالة الشباب، مع الإشارة الى أنّ نسبة الوفيات بين الكبار في العمر كانت عالية نظراً لعدم تمكن مناعتهم من السيطرة على الفيروس في أول هجمة له، أما حين تعرّف على الخلايا الجسدية عبر كبار السن وانتقل الى الفئة الشبابية فقد تمكّنت الأخيرة من السيطرة عليه عبر المناعة القوية التي تمتلكها، نظراً لأن خلايا الجسم الشبابي تجدد 3 ملايين خلية في اليوم عكس كبار السن (مليون و500 خلية في اليوم). هذا ما يسمى بمناعة القطيع القائمة على أن تجعل الشاب يصاب بالوباء حتى تضعف الهيكلية البروتينية للفيروس، ومن هنا بدأنا نشهد انخفاضا بحالات الوفيات، انطلاقاً من أنّ مناعة الشباب أقوى، وهذا ما أدى الى تكاثر حالات الشفاء.
سنشهد تزايداً في حالات الاصابات على مدار عام كامل
ويُشدّد حمية على أنّ العامل الجديد الذي يجب الاشارة اليه هو حالات الشفاء التي تزداد يوماً تلو آخر، اذ يجب أن لا نرمز الى أعداد الاصابات فقط بل الاثنين معاً. اليوم تزداد حالات الشفاء أكثر، فيما تضعف هيكلية الفيروس، ولكن بما أننا نتبع اليوم المناعة المجتمعية، هناك سؤال يطرح نفسه: هل ستبقى الحالات الى ازدياد؟ طبعاً، يؤكّد حمية الذي يشير الى أننا سنشهد تزايداً في حالات الاصابات على مدار عام كامل من الآن.
مناعة القطيع تقوم على أن ينتشر الفيروس على أكثر عدد ممكن حتى يضعف
كان باستطاعة لبنان محاصرة الفيروس وضبط الأوضاع كالصين، ولكن هذا الأمر سيأخذنا الى مزيد من التفاقم في الوضع الاقتصادي، يضيف حمية، الذي يوضح أننا نسير اليوم على الطريقة الاوروبية التي تحث على فتح الاقتصاد، بما أن الفيروس بدأ يضعف وحالات الوفاة تقل، وبالتالي لا حرج في انتشاره مع القدرة على ضبط هذا الانتشار بالوقاية المناعية أي المناعة الانسانية. ويعيد حمية التأكيد "نحن اليوم ننتظر أن ترتفع الاصابات أيضا وأيضاً ولم يعد بإمكاننا تثبيت الأرقام، بل من اليوم حتى عام قادم سنسمع بحالات يومية تترواح بين ثمانية، خمسة عشرة أو حتى 20 حالة". وفق حساباته، فإنّ سياسة مناعة القطيع تقوم على أن ينتشر الفيروس على أكثر عدد ممكن من السكان حتى يضعف الفيروس لأن الأخير وعندما يجلس بجانب الخلية الانسانية لا يعطيها العدوى فقط بل يأخذ من مناعتها ما يؤدي الى إضعافه، لينتقل بهيكلية ضعيفة الى شخص ثان، وهيكلية أضعف الى شخص ثالث وهلم جرا.
لماذا سيبقى عداد الاصابات يُسجّل الحالات حتى عام؟ يوضح حمية أنّ منظور العام دائماً هو منظور فيروسي في علم الفيروسات لأنّ الفيروس يحتاج الى وقت طويل حتى يضعف طبيعياً، اذ لم يثبت أن ضعف أي فيروس قبل مدة العام، الا اذا أتى الفيروس بهيكلية جديدة مصنعة مخبرياً. ويستطرد حمية بالقول" اليوم هناك سؤال، يقال إن في الصين سلالة ثانية من فيروس "كورونا"، فكيف استطاع أن يعدل نفسه بمفرده اذا كان هذا الأمر يحتاج لعام؟" يسأل حمية الذي يوضح أنّ هذه السلالة الثانية هي تعديل بشري جديد نتيجة لتضارب المصالح الصينية-الأميركية.
خطورة السيطرة على المناعة الانسانية قد قلت
نحن ننتظر تزايداً في الأعداد ولم نعد نتفاجأ، يقول حمية. ففي "مناعة القطيع" لم يعد بإمكاننا لجم الاصابات. الارقام سوف تكمل ولكن الحسن بالأمر أن خطورة السيطرة على المناعة الانسانية قد قلت، لذلك فإنّ عدد الوفيات نقص وهيكلية الفيروس أيضاً. وهنا يُشير حمية الى أنه لو كان لدينا الفرصة في بداية تسلل الوباء الى لبنان أن نسير على هذا السيناريو الذي نسير عليه اليوم لكان أفضل، ولكن الأمر "تفلّت" بحيث لم يعد بإمكاننا ضبط الأرقام.
حالات الشفاء ترتفع تدريجياً
يتطرق حمية الى حالات الشفاء، فيوضح أن نسبتها ترتفع تدريجياً. يلفت الى أننا كنا قد تحدثنا عن خط ثبات وقلنا اذا ما وصلنا اليه سنصل الى صفر إصابات، لكنّ المفارقة أننا اجتزنا خطي ثبات، ولكن لم نتمكّن من الوصول الى صفر اصابات بسبب دخولنا في مناعة القطيع، رغم ارتفاع حالات الشفاء، اذ لدينا اليوم 1086 حالة شفاء من أصل 1580 اصابة اي ما يقارب الـ70 بالمئة. بالمختصر، يقول حمية "ستكمل نسب الاصابات -ولو لم تكن مرتفعة- على نفس الوتيرة ولأمد طويل، ولكن ما يحسّن الأمر أن حالات الشفاء سترتفع بنسبة عالية، والوفيات عليها أن تنخفض، اذ منذ 20 يوما لم يزدد عداد الوفيات سوى 3 حالات نظراً لانتقاله الى فئة الشباب.
ماذا عن اللقاح؟
هل من الممكن العثور على لقاح خلال عام؟ يجيب حمية عن هذا السؤال بالتشديد على أن منظمة الصحة العالمية تتبع سياسة "التستر"، فأحياناً تعطي معلومات صحيحة، وأحيانا باطلة، وهذا الأمر -بنظره- مقصود فقط لحلحلة السياسيات الدولية. منظمة الصحة العالمية تميل اليوم الى سياسة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والأخير يميل لإصابة أكبر عدد ممكن من سكان العالم كي يتسنى له المتاجرة باللقاح حال نزوله الى الاسواق. يستدل حمية على هذا الكلام بالموقف الصادم الذي أصدرته منظمة الصحة العالمية مؤخرا والذي أعلنت فيه أن التباعد الاجتماعي لم يعد ضرورة وعلينا التأقلم مع هذا الوضع. صحيح علينا التأقلم -يقول حمية- لكن يجب أن لا نتخلى عن قواعد التباعد الاجتماعي. هذا ان حصل يشكّل أكبر خطر علينا. مثال آخر يضربه حمية على الشبهات التي باتت تحيط عمل المنظمة العالمية انطلاقاً من إعلانها السابق عن اعتماد الهيدروكلوروكين لعلاج الكورونا قبل أن تعود عن كلامها ما أوقع العلماء في حيرة وفوضى. وهنا يُؤكّد حمية أن على كل بلد عدم اتباع منظمة الصحة العالمية لأن هناك دائماً إشاعات علمية تصدرها قبل أن تنفيها. أما عن اللقاح، فيوضح حمية أنّه موجود لكل سلالة اذا ما اعتبرنا أن هناك سلالات معدلة، وإنتاجه سيتم برأيه بعد عام أو عامين حال أن تتفق الصين وأميركا.
للالتزام بثقافة "الكمامات" والتباعد الاجتماعي
في الختام، ينصح حمية المواطنين بالتعايش مع فيروس كورونا، فالنظرة العامة اختلفت عن بدايات انتشاره التي فرضت التقوقع في المنازل، أما اليوم فلا مانع من ممارسة الحياة، ولكن مع الالتزام بثقافة "الكمامات" والتباعد الاجتماعي والتعامل مع الآخرين على أننا مصابون، وهم مصابون. هذا أفصل حل للتأقلم مع الفيروس لوقت طويل لأن الكرة الأرضية بأكملها ما قبل كورونا ليست كما بعده، فالعالم سيشهد إنتاج فيروسات جديدة ما يصح معه القول إننا دخلنا في العصر "الفيروسي".