خاص العهد
بين الدولار و"كورونا": نزاع المالكين والمستأجرين يستعر.. أين الدولة؟
ياسمين مصطفى
عاد النزاع بين المالكين والمستأجرين إلى الواجهة. الخلاف هذه المرة هو من بوابة أزمتي سعر الصرف وفيروس كورونا، إذ أُغلقت أبواب مصالح ومصادر رزق كثيرة، كما فرغت شقق سكنية ومحال تجارية في مختلف المناطق بفعل إنذارات المالكين بالإخلاء وعجز المستأجرين عن الإيفاء ببدلات الإيجار المتفق عليها، لتبدأ رحلة المعاناة في البحث عن مسكن بإيجار أقل ومالك لا يشترط الدفع بالدولار. اللغط الكبير حول قيمة بدلات الإيجار المحددة بالدولار الأميركي في ظل تضارب أسعار الصرف شكل تهديدا لحق السكن للكثير من اللبنانيين بفعل اختلال التناسب ما بين قيمة مداخيلهم بالليرة وبدلات الإيجار. وبين قدسية حق السكن وحقوق المستأجرين والمالكين، كيف يحكُم القانون؟ وأين هي الدولة من مسؤوليتها كمرجعية رسمية؟
عشر شكاوى من مستأجرين تصل يوميا إلى "مرصد السكن" وفق الباحثة المدنية في المرصد نادين بكداش. منها ما يتعلق بتراكم بدلات الإيجار في ظل فرض قرار التعبئة العامة وإغلاق المصالح والأرزاق، ومنها ما يرتبط بالجدل حول "عملة" بدل الإيجار بين الدولار والليرة اللبنانية. النتيجة توجه الكثير من المستأجرين للإخلاء وشغور الشقق قسرا بفعل الإنذارات من المالكين أو طوعا لعدم القبول بشرط الدفع بالدولار.
ترفض بكداش تصوير الموضوع على أنه "تضارب مصالح" بين المالك والمستأجر. تذهب إلى عمق المشكلة مطالبة بسياسة سكنية، وبمشاريع قوانين ومراسيم تنظّم العلاقة بين الطرفين، بما يضمن مصالحهما دون غبن المالك ولا عيش المستأجر تحت وطأة الخوف من الإنذارات بالإخلاء. السكن برأي بكداش هو حق مقدس كفله الدستور، لذلك فهي ترفض النظر إلى العقارات من منظار التجارة والاستثمار، هو وفق رأيها مصدرٌ للسكن وتنمية العلاقات الاجتماعية.
"الملكية الفردية مسؤولية اجتماعية ولا بد من تدخل حكومي فيها وإلا لما كان هناك قوانين تنظم عملية البناء وتقسّم الأراضي بما يتوافق والتنظيم المدني"، من هذا المنطلق ترفض بكداش إخلاء المستأجرين لمساكنهم في حين أن القضاء موجود للبت في الأمور الخلافية.
تسأل بكداش المالكين عن مصدر استيفاء بدلات الإيجار من المستأجرين في حين أن كثراً من هؤلاء بلا مداخيل بفعل قرار الإغلاق العام وارتفاع سعر صرف الدولار، وتؤكد أن الغبن واقع على الجميع دون استثناء.
وفي ظل كون قانون الإيجارات القديم يصادر حق المالك في استرداد ملكه بفعل التمديد التلقائي للمستأجر، فضلاً عن استيفائه بدل إيجار منخفض لا يتعدى 50 أو 100 ألف ليرة في أحسن الأحوال كان لا بد من سؤال بكداش عن موقفها منه. الإجابة كانت بأن الساكن في الإيجار القديم هو رجل او امرأة طاعن في السن وعليه فإن الحديث عن "غبن" لاحق بمالكي هذه العقارات يقابله تشريد لآلاف من المسنين في الشوارع دون مأوى، وتختم بسؤال: "ما البديل"؟
"الحل بالتراضي"
"الحل بالتراضي"، هو ما اتفق عليه من توجه إليهم موقع "العهد" الإخباري من طرف المالكين. رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات أنديرا الزهيري تؤكد أن المطلب "أكل العنب وليس قتل الناطور". وترى أن المطلوب إعادة جدولة لعقود الإيجار وحل الخلاف "حبيا"، لأن الظروف الطارئة أرخت بثقلها على الجميع.
نقيب مالكي العقارات والأبنية المؤجرة في لبنان باتريك رزق الله ورئيس تجمع مالكي الأبنية المؤجرة جوزيف زغيب يوافقان الزهيري في طرحها، ويؤكدان لموقعنا أن الخسارة كبيرة على المالكين، أكانوا من أصحاب الإيجارات وفق القانون القديم أو الجديد.
في خضم هذه الفوضى والجدلية، لا بد من توضيح موقف القانون اللبناني من الخلاف. وفق رزق الله فإن العلاقة بين المالك والمستأجر تخضع وفق قانون "الموجبات والعقود" لثلاثة أنواع من العقود: العقود المدفوعة بالليرة اللبنانية، العقود المدفوعة بالدولار، والعقود المدفوعة بالدولار أو يعادله بالعملة الوطنية وفق سعر الصرف الرسمي. خسائر المالك هي بحدود 70% من قيمة العقد بفعل ارتفاع سعر الصرف، أما العقود بالدولار فيرفض المستأجر الدفع بالعملة الخضراء لاعتباره أنها مفقودة في حين أن لا سعر صرف رسميا موحّدا للدفع بالليرة ما يوازي قيمتها بالدولار، وبالتالي فإن خسائر المالكين تتخطى 300 بالمئة، مع العلم أنه لا يجود في القانون شيء اسمه سعر الصرف الرسمي للدولار".
يتخوف رزق الله من تكرار سيناريو العام 1984 مع قانون الإيجارات القديمة وما فيه من "غبن" للمالك وفق وصفه. أما القانون الجديد فيؤكد أنه على قاعدة "العقد شرعة المتعاقدين". ويقول:" ما يتم الاتفاق عليه لجهة الدفع بالدولار أو ما يوازيه بالليرة أو الدفع بالليرة حصرا هو ما يجب التعامل به، برغم خسائرنا المتراكمة ندعو للحل الرضائي بين المالك والمستأجر كل حالة على حدة، صحيح أننا "نسترزق" من الإيجارات لكننا لا نحبذ اللجوء للقضاء. هو أبغض الحلال وتكاليف هذا الخيار تستنزف الطرفين".
أما المطلوب حكوميا وفق رزق الله، فهو مجموعة مطالب. أولها تفعيل اللجان القضائية المعنية بقانون الإيجارات السكنية الجديد (تلك التي صدرت المراسيم التطبيقية بإنشائها، ووظيفتها البت بأحقية الاستفادة من تقديمات وزارة المال لتعويض المالك بفارق الزيادة على بدلات الإيجار، التي تتخطى قدرة المستأجر على دفعها مقارنة بحجم مدخوله الشهري)، وثانيا إصدار قانون جديد لتحرير الإيجارات القديمة غير السكنية وإعادة تنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وثالثا عدم إصدار أي قانون ضد حقوق المالكين في ظل خساراتهم المحققة بفعل الأزمات، ورابعا احترام الملكية الفردية وتعزيز خدمة الإيجار عبر إعادة الثقة إلى المالك والمستثمر حتى لا تفرغ الشقق من المستأجرين.
لا يزال النزاع بين المالك والمستأجر قائما ويحتدم اكثر مع كل أزمة نقدية او اقتصادية تطل برأسها. كلاهما على حق، فلكل حقوق ولكل واجبات، وفي ظل أزمات خانقة يعيشها لبنان وليس لأي منهما يد بافتعالها، تصبح مسؤولية الدولة بوزاراتها وبرلمانها أكبر لحل الخلافات بما يضمن حقوق الطرفين.