معركة أولي البأس

خاص العهد

هل تُسهم خطوة ضخّ الدولار بلجم الارتفاع الجنوني لسعر صرفه؟
13/06/2020

هل تُسهم خطوة ضخّ الدولار بلجم الارتفاع الجنوني لسعر صرفه؟

فاطمة سلامة

يتّفق عدد كبير من الخبراء والمراقبين والاقتصاديين ومعهم سياسيون على أنّ الأداء غير السليم لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة يقف وراء الأزمة النقدية التي يعيشها البلد. طبعاً، لا أحد ينكر أنّ لبنان يعتمد على سياسة ريعية تكاد تكون علّة العلل، لكنّ المصرف المركزي المؤتمن بموجب القانون على حماية النقد الوطني لا يقوم بما يتوجّب عليه للحفاظ على العملة الوطنية. لا بل يُصدر تعاميم وبيانات تفاقم الأزمة وتدهور الليرة بشكل دراماتيكي. فلبنان الذي يتخبّط بأزمات اقتصادية شتى فاقمها العدوان الاقتصادي الذي تشنه الولايات المتحدة الأميركية على لبنان لأسباب سياسية معروفة -ولا داع للولوج في تفاصيلها- لم يكن ينقصه مسار الانحدار الذي تسلكه العملة الوطنية. وفق كثيرين، لو أنّ سلامة ومنذ بداية الأزمة تدخّل في الأسواق للجم الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، لما وصلنا الى ما نحن عليه اليوم. في كل مرة كان يُطلب فيها من سلامة التدخل كان يسارع للإعراب عن خشيته من تبخر الدولارات بعد ضخها في السوق، وهذا الأمر كرّرته لموقعنا مصادر وزارية -لها ما لها من "الحل والربط" في الموضوع المالي والنقدي- قبل يوم واحد من تعهد الحاكم المركزي بضخ الدولار بعدما بلغ السيل الزبى واصطدم الجميع بواقع صعب ومعقّد. واقع لم تعد تنفع معه التبريرات لوقوف المصرف المركزي مكتوف الأيدي بعدما حلّق الدولار عالياً جداً ووصل الى أسعار قياسية. فهل تؤتي خطوة ضخ الدولار أكلها وتُسهم في كبح جماح الارتفاع الخيالي لسعر الصرف بعدما تم الاتفاق على بيع الدولار للمواطن بـ3940 ليرة أم أنّ خطوة الحاكم أتت متأخرة؟. 

مصادر وزارية: الكمية التي سيضخها البنك المركزي كافية لضبط السوق 

لدى سؤال مصادر وزارية في خلية الأزمة التي شكّلها مجلس الوزراء أمس الجمعة عن جدوى خطة ضخ الدولارات من قبل البنك المركزي في السوق، تقول "لا شيء مضموناً مئة بالمئة. هذه خطوة يفترض على الحكومة القيام بها. نحن نقوم بما يتوجب علينا ومصرف لبنان وعدنا بالتدخل عبر ضخ السيولة بطريقة سليمة وصحيحة". وتؤكّد لموقعنا أنّ الكمية التي سيغذي فيها مصرف لبنان السوق بدءاً من الاثنين والتي من المرجّح أن تتراوح بين الخمسة والسبعة ملايين دولار يومياً كافية لضبط السوق. وتلفت المصادر الى أنّ "خلية الأزمة التي شكّلها مجلس الوزراء ستراقب السوق وحركته بكل ما تملك من إمكانيات". برأيها، فإنّ السوق صغير وأي جهة تريد خرقه سينكشف أمرها، وسيتبين الصراف الشرعي من غير الشرعي وسيتبين ما اذا كان هناك مصارف مخالفة، مشددة على أن الأهم كان اتخاذ القرار لجهة مصادرة الأموال الموجودة لدى المخالفين، فالقوى الأمنية لن توفّر حيلة لاستدراج الصرافين. 
 

 رمال: خطوة المصرف المركزي متأخرة ولن تنفع 

عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأستاذ عدنان رمال يقارب مسألة تغذية الدولار في السوق من قبل مصرف لبنان بالاشارة الى أنّ الخطوة متأخرة. فلو أنّ  مصرف لبنان تدخل في بداية الأزمة وضخّ الدولارات لما وصلنا الى هنا. الثقة برأيه كانت موجودة، لكنها فقدت ما دفع المواطن الى شراء الدولارات وتخزينها في المنزل خوفاً من انهيار الليرة. ويُشدّد رمال على أنّ المشكلة الأساسية تكمن في عدم وجود كميات من الدولار كافية للتداول اليومي ولسد حاجات المواطنين الاستهلاكية والاستيراد، ومن هنا بدأت أزمة الدولار تتفاقم وبدأ بالصعود. وفق رمال، فلو أن الدولار موجود وتدخل مصرف لبنان بالدولارات المطلوبة لما شهدنا أسواقاً متعددة لبيع وشراء الدولار. المشكلة بدأت منذ العام الماضي وفي اللحظة التي تمنعت فيها المصارف اللبنانية عن تزويد عملائها بالدولار، ما اضطر التاجر والمواطن للذهاب الى الصرافين والسوق الموازي لتأمين الدولارات لاحتياجاته.

 

هل تُسهم خطوة ضخّ الدولار بلجم الارتفاع الجنوني لسعر صرفه؟

 

ويوضح رمال أنّ كافة الآليات التي وضعت أثبتت فشلها، اذ لا نستطيع معالجة موضوع الصرف عبر كثرة التعاميم فقط. الدولار مطلوب لحاجات معينة وطالما هو كذلك طالما أن الناس تسعى للحصول عليه بأي ثمن كان، وبالتالي فإن الكميات القليلة الموجودة لدى الصرافين دفعت بالدولار الى الارتفاع بشكل عال جداً. وللأسف فإنّ قلة الدولار، صاحبها عدم تدخل مصرف لبنان والمصارف التجارية لتأمين العملة الأجنبية ما أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم. 

الاحتياطي الفعلي الموجود لدى مصرف لبنان لا يخوّله الاستمرار بعملية الضخ 

وفي معرض حديثه، يعتبر رمال أنّ الالية التي تم الاتفاق عليها أمس الجمعة تؤمن للسوق حوالى 20 الى 30 مليون دولار أسبوعياً، لكنّ المشكلة الأساسية تكمن في أن الاحتياطي الفعلي الموجود لدى مصرف لبنان والقادر على التصرف به لا يتجاوز المليارين الى الثلاثة مليارات دولار بالحد الأقصى. هذا المبلغ نأمل أن يكون كافيا من الآن حتى نهاية العام لتأمين القمح والمازوت والدواء. وبالتالي، فإنّ مصرف لبنان -بحسب رمال- لا يملك القدرة الكبيرة للتدخل. وفق رمال فإنّ مصرف لبنان سيتدخل عبر التحويلات المالية التي تتأتى من الخارج عبر شركات التحويل والتي لا تتعدى المليوني دولار يومياً، هذه الكمية الوحيدة التي يمكن لمصرف لبنان التحرك بها، وهو سيتدخّل بالتحويلات التي تم جمعها على مدى شهر، ولكن لمجرّد انتهاء هذا المبلغ  فإن البنك المركزي -وفق رمال- لن يستطيع التدخل من احتياطه الاستراتيجي، لأن الكميات أصبحت حذرة ولا يدخل علينا أموالا من الخارج عبر الاستثمارات، وحتى تحويلات المغتربين  لم تعد كسابق عهدها اذ كانت تبلغ سنوياً بين 7 و8 مليارات دولار، أما اليوم ففي أحسن الحالات تصل حد المليار دولار.

لا ينكر رمال أننا أمام أزمة كبيرة جداً خصوصاً أننا ومنذ عام 2011 نعاني من أزمة في ميزان المدفوعات، وهذا العام ستتفاقم اذ سيكون العجز كبيرا جداً مع العلم أن الميزان التجاري صحّح نفسه تلقائياً نتيجة انخفاض قيمة الاستيراد. 

السوق متعطّش للدولارات والكمية التي ستضخ لن تكفي حاجته 

هل هناك مخاوف اليوم من تبخر الأموال التي ستضخ في السوق؟ لا يوافق رمال على مصطلح تبخر، لكنّه يرى أن السوق متعطّش وبالتالي فإن الدولارات ستذهب لحاجات الاستيراد وغيرها، فحتى لو ضخ مصرف لبنان -وهو ما لن يحصل- 20 الى 30 مليون دولار يومياً سيتم فقدانها بسرعة نتيجة الحاجة الفعلية لها. وفق رمال، فإنّ عملية ضخ 5 الى 7 ملايين دولار لن تقدّم وتؤخّر كثيراً، رغم أنها ستكون ضمن آلية معقدة ليحصل عليها التاجر. وبحسب رمال، هناك مخاوف من أن تغذي الأموال أناسا منتفعين ومستفيدين من منظومة مالية معينة كأن تستفيد جهات معينة بعينها من الدعم على الدولار. ولا يرى رمال أنّ الآلية الجديدة  ستغير كثيراً في الواقع بل ليست سوى "تقطيع" للوقت بكلفة كبيرة جداً على الاقتصاد والمواطن واحتياط مصرف لبنان. من وجهة نظره، فإنّ العملية التي ستتم ليست قريبة للواقع بل هي عملية مستندية افتراضية، لو تمت في بداية الأزمة كانت بالتأكيد ستنعكس ايجاباً ولكن اليوم فهي خطوة متأخرة. 
كلما فشلت آلية كلما صعد سعر صرف الدولار أكثر

في الختام، لا يبدو رمال متفائلاً ووفق هذه الآلية بإيجاد حل دائم ونهائي لأزمة الدولار، لا بل على العكس فنحن نذهب من أزمة الى أخرى، وكلما فشلت آلية كلما صعد سعر صرف الدولار أكثر، فلو  جرى الاتفاق على آلية واحدة ناجحة تلقى قبولاً من السوق لما كنا وصلنا الى ما نحن عليه اليوم أي دولار بأسعار متعددة.
 
حلاوي: الشروط التي وُضعت تضمن ذهاب الدولارات الى مكانها الصحيح

على النقيض تماماً من كلام رمال يأتي كلام عضو نقابة الصرافين الأستاذ محمود حلاوي. الأخير يؤكد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ الشروط التي وُضعت ضمن الاتفاق المالي الذي تم أمس الجمعة تضمن ذهاب الدولارات الى مكانها الصحيح وعدم تبخرها من السوق. برأي حلاوي، طالما أن الصراف من الفئة الأولى ملتزم بترشيد بيع الدولار والالتزام بمجموعة شروط، طالما أن الأموال التي ستضخ ستذهب الى محلها بما يخدم المجتمع والأمن الاجتماعي. وفق قناعاته، فإن المبالغ التي سيضخها مصرف لبنان يجب أن تذهب الى المكان الصحيح المتمثّل بمصلحة المواطن بمعنى يجب أن تعود الى المواطن لشراء المواد الغذائية والطبية اللازمة أو لحاجاته الصغيرة كالأقساط الجامعية وغيرها. نحتاج أقلها بين الستة والسبعة ملايين دولار يومياً.

 

هل تُسهم خطوة ضخّ الدولار بلجم الارتفاع الجنوني لسعر صرفه؟

ويُشدّد حلاوي على أن كل عملية صرافة سترتبط بملف يذهب الى مصرف لبنان لمراقبته. وفق قناعات المتحدّث فإن دعم الليرة الوطنية وتأمين العملة الأجنبية هي مهمة تندرج ضمن مهام البنوك المركزية، إنما الخدمة التي سيقوم بها المصرف وفق التعهد تتمثّل بتأمين الدولار النقدي الذي يحتاجه البلد لاستيراد المواد الغذائية من الخارج. ورداً على سؤال حول الحاجة الفعلية للصرافين يومياً، يقول حلاوي إنه وبموازاة عملية الترشيد التي سنتّبعها نحتاج أقلها بين الستة والسبعة ملايين دولار يومياً وهذه الأرقام بالحد الأدنى. 

الأموال التي ستُضخ ستلجم سعر الصرف

هل من الممكن أن تعمل هذه الأموال التي ستُضخ في السوق على تخفيض سعر الصرف؟ يجيب عضو نقابة الصرافين بأنّ هذه الأموال ستلجم سعر الصرف، فعندما يطمئن المواطن لتوافر الدولار بهذه الأسعار التي ستكون مدروسة ومراقبة من قبل وزارة الاقتصاد يطمئن، خصوصا اذا انعكست الأسعار على المواد الاستهلاكية، واذا انعدم وجود السوق السوداء، وبهذه الطريقة نكون قد أمنا دورة مالية منتظمة. ويلفت حلاوي الى أننا كصرافين سنستلم الدولار من البنك المركزي بـ3920 ليرة وسنبيعه بـ3940 للمواطن الذي يقدّم تبريراته لشراء الدولار، بالإضافة الى الشركات الكبرى التي تشتري المواد الغذائية والطبية اللازمة غير المدعومة ضمن سياسة مصرف لبنان.

 

الدولارمصرف لبنان

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة