معركة أولي البأس

خاص العهد

بعد آلية السراي..ما مصير الارتفاع الخيالي لسعر صرف الدولار؟ 
05/06/2020

بعد آلية السراي..ما مصير الارتفاع الخيالي لسعر صرف الدولار؟ 

فاطمة سلامة

أوقع سعر صرف الدولار الخيالي الكثير من اللبنانيين في أزمة فعلية وصلت حد قوتهم اليومي. كُثر يشكون الجنون الذي يضرب سوق الصرف والذي انعكس على كل ما حولنا. القدرة الشرائية تآكلت والأقساط المرهونة بمصير الدولار قصمت ظهر المدينين. كل ما حولنا بات يتكلّم دولاراً ما ترك مروحة واسعة من التداعيات قلبت حياة كثيرين رأساً على عقب. وبموازاة هذا الواقع يُكرّر المواطنون هذا السؤال: هل سنشهد انخفاضاً لسعر صرف الدولار؟ وعند أي حد؟. يُعوّل البعض على الاجتماع الذي عقد في السراي الحكومي قبل أيام والذي اتخذ فيه القرار بالخفض التدريجي لسعر الصرف ليصل الى حد الـ3200 ليرة خلال 15 يوماً. وفي المقابل، يقارب البعض مسألة الصرف بواقعية، متسلحا بمقولة "طالما لا يوجد لدينا دولارات كافية، لن ينخفض سعر الصرف". وما بين الأمل والواقع يقع قسم كبير من اللبنانيين في حيرة من أمرهم حيال "أحجية" الدولار. فهل ستُثبت آلية السراي فعاليتها ونشهد انخفاضاً في سعر صرف الدولار؟ أم سيكون من الصعب السيطرة على السوق لتشهد الليرة اللبنانية المزيد من الانهيار؟.

بعد آلية السراي..ما مصير الارتفاع الخيالي لسعر صرف الدولار؟ 

حلاوي: الخطة تقوم على ترشيد بيع الدولار 

عضو نقابة الصرافين الأستاذ محمود حلاوي يعرب في حديث لموقع "العهد" الإخباري عن رضاه لمسار تطبيق الآلية الجديدة التي وُضعت في اجتماع السراي والتي تستند الى أن يصار الى تخفيض سعر صرف الدولار ليصل الى عتبة الـ3200 ليرة بشكل تدريجي وعلى مدى 15 يوماً. برأي حلاوي، اعتمدنا التخفيض التدريجي كي يكون واقعياً وقابلاً للتطبيق لا صورياً، فالمواطن يقتنع ببيع الدولار للصرافين عندما لا يتم خفض سعره فجأة وبشكل كبير. وفق حلاوي، فإنّ الخطة التي بدأنا بتطبيقها الأربعاء -بعد إضراب دام شهرا- تسير على قدم وساق، وقد وضعنا سقفاً للدولار عند الـ4000 ليرة، واليوم انخفض الى حدود الـ3940، وسيستمر بالانخفاض بناء على الخطة. ما معالم هذه الخطة؟ يوضح حلاوي أنّ أول بنود الخطة يكمن في سعي  نقابة الصرافين لترشيد بيع الدولار عبر تحديد الجهة الصالحة لشرائه، بحيث تمتنع النقابة عن بيع الدولار لمن يمتلكون نوايا المضاربة والربح. نحن نبيع الدولار فقط للجهات التي تستورد المواد الغذائية أو الطبية أو مواد التصنيع من الخارج، بالاضافة الى أصحاب الحاجات البسيطة من المواطنين لناحية تأمين رواتب الخدم ودفع تذاكر السفر، أو تحويل أقساط للطلاب خارج لبنان. 

مسألة صرف الدولار يجب أن تظل محصورة بالشركات المرخصة

من وجهة نظر حلاوي، فإنّ هذه الاجراءات تُخفّف أو ترشّد الطلب على الدولار. تحديد الجهة التي ستستفيد من الدولار يشكّل أهم ما في هذه الخطة -وفق المتحدّث- الذي يعرب عن معارضته لبيع دولار واحد لشخص ليس لديه سبب وجيه لشرائه. لكنّ حلاوي يؤكّد في المقابل أنّ نجاح الخطة مرهون باستمرار ملاحقة الأجهزة الأمنية للصرافين غير الشرعيين في السوق السوداء ووقفها عن العمل لأنها تخرّب مسار الخطة. وهنا ينوه حلاوي بالاجراءات المتخذة والتي لم نعد نرى بموجبها صرافين غير شرعيين. اذا استمرت الاجراءات على هذا المنوال ستوصلنا نحو تخفيض سعر صرف الدولار بما يرضي الجميع. مسألة صرف الدولار يجب أن تظل محصورة بالشركات المرخصة، وعليه فإنّ الدولة مسؤولة عن متابعة هذا التفصيل لتبقى الأسعار مضبوطة وليتراجع الدولار تدريجياً. 

التسعير اليومي يعتمد على حركة المناطق اللبنانية لتداول الدولار

ويؤكّد حلاوي أنه من الطبيعي أن ينخفض سعر صرف الدولار في الأيام المقبلة حسبما هو مرسوم في الآلية، موضحاً أنّ التسعير الذي تعتمده النقابة كل صباح يعتمد على حركة المناطق اللبنانية لتداول الدولار حسب العرض والطلب، آخذاً بعين الاعتبار ما اذا كان هناك اقبال من قبل المواطنين على البيع، وطلب في سوق العرض. هذه المعطيات تعرض يومياً على طاولة الجلسة التي تعقدها النقابة لمتابعة الأرقام المحققة، وعلى أساسها يتم التسعير في اليوم التالي. 

جلسة الأسبوع المقبل لتقييم المرحلة الأولى

سألنا حلاوي: طالما أن التسعير سيتم بناء على العرض والطلب هذا يعني أنّ الأسعار مرشحة للارتفاع؟ فأجاب: "طالما بقي الأمر محصورا بالمنطق التجاري وذوي الاحتياجات الفعلية للدولار، فالأمور ستسير على ما يرام، أما اذا عادت الأمور الى التفلت فمن الطبيعي أن نعود الى الوراء". ويلفت حلاوي الى أنه سيكون هناك جلسة الاسبوع المقبل في السراي لتقييم المرحلة الأولى، وعلى أساسها ستتم معالجة الثغرات اذا ما وجدت ضماناً لنجاحها. 

ويطلب حلاوي من كل صراف مرخص الالتزام بالضوابط والسعر الذي حددته النقابة لأنه مدروس ولا لزوم لتخطيه لا في الشراء ولا البيع، كما يناشده الالتزام بخطة الترشيد، وأن لا يمنع الدولار عن المواطن الذي لديه سبب لشرائه. 

لا نستطيع التحكم بسعر صرف العملة
وفيما ينشغل المواطنون بالسؤال ما اذا كانت هناك إمكانية لخفض سعر صرف الدولار دون الثلاثة آلاف ليرة في الفترة المقبلة، يقارب حلاوي هذا الهاجس موضحاً أننا لا نستطيع التحكم بسعر صرف العملة. الأخيرة مرهونة بقوة السوق والأخير يتحكم فيه اليوم مدى توافر العملة الصعبة، وقاعدة العرض والطلب. من قال إن الـ1500 ليرة كان سعراً طبيعياً؟ يسأل حلاوي الذي يضيف" كلنا نعلم أن التثبيت كلف سلامة أموالاً هائلة وهذا ليس معناه أنه السعر المنطقي والحقيقي". ويتمنى المتحدّث أن يعود سعر صرف الدولار الى سابق عهده، لكن وفقاً  لقاعدة سليمة لا وهمية وصورية. 

خلاصة القول، لا أحد يستطيع التنبؤ بمستقبل الدولار في لبنان، يختم حلاوي حديثه بهذه العبارة، وذلك بعد كل ما تقدّم عن الخطة المذكورة لتثبيت السعر عند حدود الـ3200 ليرة. 


 

بعد آلية السراي..ما مصير الارتفاع الخيالي لسعر صرف الدولار؟ 

يشوعي: "خبرية" خفض السعر ليصل الى حد الـ3200 لا أساس لها

ما يقوله حلاوي عن خطة السراي ينفسه الخبير الاقتصادي الدكتور إيلي يشوعي. لدى سؤاله عن فعالية الآلية الجديدة في ضبط سعر صرف الدولار، يضحك يشوعي ملياً. هل صدقتم هذا الكلام؟ يسأل مستغرباً. برأيه فإن الصرافين دخلوا الى السجون لأنهم خالفوا سعر الصرف على أساس الـ3200 ليرة، وبعدها أخرجوا من السجون وسمح لهم بالعمل على أساس الـ4000 ليرة. وفي المقابل أعطى الصرافون وعداً للدولة بأن يتم تخفيض السعر عند الـ 3200 ليرة، وكأنّ الصراف قد حلّ مكان البنك المركزي ويمتلك احتياطات البنوك المركزية. وفق قناعات يشوعي، لا أحد يستطيع خفض سعر صرف الدولار باستثناء الاحتياطات الجاهزة الموجودة في البنوك المركزية من العملات الصعبة. هذه الوسيلة الوحيدة لخفضه، فهل يملك حاكم مصرف لبنان رياض سلامة احتياطات  من العملات الصعبة لتحقيق هذا الهدف؟ بالتأكيد لا، يجيب يشوعي. بالعكس، يعمل سلامة على جمع الدولارات من الأسواق ليكمل في نهجه، ويحجب عنا نحن المودعين العملة الصعبة، لا بل يحرمنا من تزويدنا بدولار واحد من ودائعنا. 

الصادرات هي المصدر الوحيد لرفد الاقتصاد بالدولار

ويوضح يشوعي أنّ المصرف المركزي لم يعد يملك كمية مهمة من العملات الأجنبية. ما يمتلكه يجري بيعه لمستوردي الأدوية والمحروقات والقمح على أساس سعر صرف الدولار مقابل الـ1500 ليرة. لذلك، يرى يشوعي أن "خبرية" خفض سعر صرف الدولار من قبل الصرافين ليصل الى حد الـ3200 لا أساس لها. يؤمن يشوعي بأن الدولار سيستمر أقله وفق صيغة الـ4000 ليرة ولن تتم السيطرة على سعر صرفه طالما لا يتوافر الدولار في السوق، وعندما يتوافر يهبط سعره. لكن المتحدّث يبدو واقعياً، لكي يتوافر الدولار، يجب أن تتوفّر المقومات لذلك. يجب أن يكون لدينا انتاج وصادرات واستثمارات منتجة وفوائد محفزة لذلك، فضلاً عن سياسة نقدية تحقق مثل هذا الهدف. لكن مع الأسف، هذه سياسة البنك المركزي الذي لم يعمل وفق السياسة النقدية، بل سعى لتطبيق سياسة ريع لا تبني اقتصاداً ولا تبني صادرات ونحن ندفع اليوم ثمن سياسة الحاكم المركزي، يقول يشوعي. سياسة تتّكل على المصادر الخارجية للدولار عبر التحويلات اللبنانية والاستثمارات الخليجية والقروض الخارجية. كل هذه العوامل تتأثر كثيراً بعناصر سياسية ومعطيات اقتصادية، ولطالما نادينا أنه لا يمكن الرهان على هذه المصادر لأنها غير ثابتة، بينما الصادرات هي المصدر الوحيد والأكيد والثابت لرفد الاقتصاد اللبناني والأسواق بالدولار أو بالعملات الصعبة اللازمة من أجل أن يكون لدينا سعر صرف مقبول لعملتنا المحلية. 

سعر الصرف لا يُفرض في الاقتصاد الحر

اذاً لا ترجّح انخفاض سعر الصرف أكثر من ذلك؟ يجيب يشوعي عن هذا السؤال بالقول " على أي أساس سوف ينخفض؟"، ألم يتعلم القائمون على البنك المركزي أنه لا يوجد الزامية في قضية سعر الصرف؟. يطرح يشوعي الأسئلة ويُشدد على أنّ السعر لا يُفرض في الاقتصاد الحر. السعر هو نتيجة تفاعل قوى العرض والطلب في الأسواق، والدولة هي الناظم لحركة العرض والطلب، وليست هي من تحل محل قوى السوق. صحيح حلّت الدولة مكان قوى السوق خلال 25 سنة، لكن قوى السوق تغلبّت عليها لاحقاً بناء لمقولة "لا يصح الا الصحيح". نحن نتكلم هنا عن قواعد علمية لأن السياسة النقدية هي علم نقدي ومالي واقتصادي وليست ارتجالا ماليا ونقديا واقتصاديا. 

لا سقف لسعر صرف الدولار

ورداً على سؤال حول ما اذا كان يرجّح كخبير اقتصادي تخطي سعر صرف الدولار عتبة الـ4000 ليرة، يقول يشوعي "كل شيء وارد، فسعر صرف الدولار الأميركي في لبنان لا سقف له طالما غير متوافر لأسباب عدة، منها تراجع الصادرات دراماتيكياً، ونضوب المصادر الخارجية"، وفيما يوضح أنّ الدولة تتّكل اليوم على إعادة فتح المطار أواخر حزيران لضخ العملات الصعبة من قبل المغتربين، يوضح أنّ ما سيتم ضخه يشكّل نقطة في بحر ديوننا وعجزنا، يختم يشوعي.

الدولارمصرف لبنان

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة