ابناؤك الاشداء

خاص العهد

تطبيق
03/06/2020

تطبيق "سيزر" لبنانياً يعني الانتحار..وهذه هي تداعياته 

فاطمة سلامة

 في كل مرة يُفتح فيها ملف الوضع الاقتصادي المأزوم في لبنان، يُشار الى سوريا كمعبر أساسي للانفراجة اللبنانية. الحديث عن أهمية سوريا بالنسبة للبنان يطول ويطول، فهي سوقه الواسعة للتبادل التجاري، وهي بوابة عبور صادراته الى الدول العربية. واذا كان لبنان في عز قوّته يحتاج الى سوريا، تراه اليوم في عز ضعفه يكاد لا يتنفّس دون أن تكون وجهته سوريا. ببساطة، فإنّ لبنان المأزوم اقتصادياً ومالياً وتجارياً يكاد "يختنق" بلا سوريا. البديل عنها يعني اللاشيء. يعني أن يُترك الشعب اللبناني لقدره كما يُرسم له أميركياً. وليس القانون الجديد "سيزر" والمسمى بالـ"قيصر" سوى فكرة واضحة عما يُرسم للبنان في السياسات الأميركية. ينص القانون على تطبيق العقوبات بحق كل من يتعامل مع سوريا. ماذا يعني ذلك؟ يعني أن يقطع لبنان "شعرة معاوية" وآخر الخيوط الموصولة مع دمشق ليس لمعاقبة سوريا فقط، بل لمعاقبة وحصار وتجويع الشعب اللبناني ضمن سياسة الارهاب الاقتصادي التي تمعن واشنطن بها منذ سنوات. والمفارقة تكمن في أنه وبدل أن نبحث في السبل الكفيلة بإعادة إحياء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا وتفعيلها لتنعكس على كافة المجالات كما هو منصوص في مقدّمة الدستور، تقطع واشنطن الطريق على لبنان، وتهدد بالويل والثبور في محاولة لدفعه من حافة الهاوية الى الهاوية نفسها. 

فماذا تعني سوريا للبنان؟ ما تداعيات تطبيق القانون الأميركي لبنانياً؟ وما المطلوب من الحكومة اللبنانية؟ 

مقلّد: لبنان لديه مجموعة كبيرة من الاتفاقيات مع سوريا

الخبير الاقتصادي الدكتور حسن مقلّد يستهل حديثه لموقع "العهد" الإخباري بالتشديد على أنّ لبنان ليس مضطراً ليعلن التزامه بالقانون الأميركي، طالما أنه يطال إجراءات لا تتعلق لا بالأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي. يُعبّر عن استغرابه من إقدام الحكومة اللبنانية على توزيع مشروع القانون وكأنها معنية به. ويُذكّر مقلد بأن لبنان لديه مجموعة كبيرة من الاتفاقيات مع سوريا سابقة لهذا القانون، فالعلاقات مع سوريا منصوص عليها في مقدمة الدستور، ما يحتّم علينا إدارة الظهر لهذا القانون. من وجهة نظره، فإنّ العلاقة مع سوريا ليست قضية عابرة، بل تتعلّق بقضايا أساسية وحيوية للبنان. 

تطبيق القانون لبنانياً يعني الانتحار 

ماذا تعني سوريا للبنان؟ وفق مقلّد فإنّ سوريا تعني للبنان أمرين؛ أول يتعلق بالعلاقات التي تربطنا بسوريا والتي تتوسّع لتشكل كافة الأشكال الاقتصادية من المواد الزراعية، الطبية، الكهرباء، التبادل التجاري، العلاقات المصرفية. وثان تشكّل فيه سوريا الرئة للبنان حيث تشكل معبرا له لكل دول العالم العربي وإيران. ومن هنا يعتبر مقلّد أنّ تطبيق "سيزر" من قبل لبنان يعني أنّنا ببساطة نخنق أنفسنا ونقدم على الانتحار. وفق قناعاته، فإن قانون "سيزر" كما هو يهدف الى خنق لبنان، وتطبيقه هو الجنون بعينه. لبنان -برأيه- يجب أن يعتبر نفسه غير معني بالمشروع ويكمل في اتفاقياته السابقة بشكل طبيعي خاصة أن لبنان بإمكانه السير بالتعاون والتبادل مع سوريا بدون استخدام العملة الأميركية، وهذا يسمح لنا بهوامش كبيرة. 

قطع الصلات مع سوريا يعني دخولنا في العتمة

وفيما يلفت مقلّد الى أنّ حدود لبنان المشتركة مع سوريا تجعلها في الأيام العادية رئة للبنان -وهذا ما كرسه الدستور اللبناني-، يشير الى أهمية سوريا لنا ونحن داخل أزمة كارثية. ويوضح أنّ الدولة اللبنانية تحتاج الى نظيرتها السورية في الكثير من المجالات، مؤكّداً أنّ قطع العلاقة مع سوريا يعني قطع الطريق على استفادة لبنان منها لحل أزماته. على سبيل المثال، فنحن وفي حال أوقفنا استجرار الكهرباء من سوريا، يصبح لدينا اشكالات كبيرة جداً تُدخلنا في العتمة. لبنان اليوم يستفيد وعلى فترات متقطّعة وحسب الحاجة من مسألة استجرار الطاقة من سوريا، فأحياناً نأخذ 20 ميغا، 100 ميغا أو 300 ميغا. وفي الوضع الحالي، كلنا يعلم أنه وبعد أسابيع قليلة اذا لم نستطع تأمين الدولارات لشراء الفيول ستتولّد لدينا مشكلة كبيرة. 

بالإضافة الى مشكلة الكهرباء، يوضح مقلّد أنه وفي الفترة القادمة ستبرز لدينا مشكلة المواد الغذائية والزراعية. وفق مقلد، بإمكاننا حل هذه القضية عبر سوريا، فالتعاملات مع دمشق لا تحتاج الى دولار. فقط ليرة مقابل ليرة وهذا أوفر لنا وأسهل بعشرات المرات من الخيارات الأخرى. كما يوضح مقلّد أنه وفي حال انجر لبنان نحو تطبيق القانون، ستمكث نحو 7 مصارف لبنانية في أزمة حقيقية. كيف ذلك؟ يلفت مقلّد الى أنّ نحو 7 مصارف تعمل بشكل واضح في سوريا، وفي حال طبّقت العقوبات على المصرف المركزي هناك واعتبر مؤسسة تببيض أموال فإن كل من يتعامل معه ستفرض عليه العقوبات، عندها ماذا ستفعل هذه المصارف؟!. 

علينا أن لا نكون ملكيين أكثر من الملك 

ويُشدّد الخبير الاقتصادي على أنّ شرعة حقوق الانسان وقوانين الأمم المتحدة جميعها تنص على أن كل ما يتعلق بالغايات الانسانية لا تشمله العقوبات، بمعنى الطاقة الكهربائية، الغذاء، الصحة والدواء، كل القوانين وحتى الاميركية تنص على ذلك. إلا أن القانون المسمى "قيصر" هو أول قانون بتاريخ العقوبات يطال القضايا الصحية والقضايا التي تتعلق بالطاقة وحاجات السكان. وهنا يوضح مقلّد أنه من المعروف أن هناك استثناءات في القوانين، تماماً كما استُثني العراق ليتمكّن من الحصول على غاز من إيران بهدف تأمين الطاقة الكهربائية. لذلك، لا يجب أن يكون لبنان ملكياً اكثر من الملك ويضع قيودا على نفسه، يقول مقلّد، الذي يعتبر أنّ "قيصر" هو قانون كأي قانون أميركي يحتوي على تفسير واسع وآخر ضيق. أول خطوة يجب أن يقوم بها لبنان هي أن لا يضع نفسه تحت ضغط هذا القانون وكأنه قدرنا. يوضح مقلّد أنّ في ترتيب ومندرجات "سيزر" يوجد الكثير من الخبايا، وفي حال قررنا تطبيقه علينا أن نطبّقه على أضيق نطاق ممكن، وليس على أوسع نظاق كما يحصل اليوم، حيث تحاول قوى سياسية فرض "سيزر" كواقع. 

ما البديل عن سوريا؟ وماذا قدّمت أميركا للبنان؟ يجيب مقلّد عن هذا السؤال بالاشارة الى أنّ واشنطن وضعت عقوبات على لبنان، مانعةً الدولار عنه والتحويلات اليه. كما أن الولايات المتحدة الأميركية تمارس علينا القهر الاقتصادي وتكمل حلقات هذا المشروع. وهي بعقوباتها تمارس شكلاً من أشكال الارهاب السياسي والعسكري والعنفي على شعبنا. واليوم بقانونها العتيد تستهدف أبسط حقوق الانسان من المسائل الصحية والطبية والكهرباء. أمام كل ما تقدّم، تبقى العبرة الأساسية -من وجهة نظر مقلّد- في الرد على المشروع بدل أن نعمل على تسهيل مروره خوفاً من الأميركي. 

ويختم مقلّد حديثه بالقول "الجنون هو أن يتخذ لبنان القرار بتطبيقه، والقيام بانتحار ذاتي إرضاء للأميركيين، وللأسف، يبدو أننا نسير بهذا الاتجاه". 

رمال: اعتداء وفعل خارج الحقوق الطبيعية للعالم

عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأستاذ عدنان رمال يوضح بدايةً أنّ القرار السياسي اللبناني لناحية كيفية التعاطي مع هذا القانون يبدو غير واضح حتى الساعة. وفق قناعاته، فإنّ لبنان من المرجح أن يتأثر بالقانون من ناحية التعاملات الاقتصادية والمالية ما بين شخصيات وشركات أو مؤسسات لبنانية وأخرى سورية اذا ما كانت الأخيرة ضمن التصنيف الصادر في قانون "سيزر". بحسب رمال، لن يكون للقانون تأثير مباشر على المؤسسات  الاقتصادية اللبنانية في حال لم يكن لديها تواصل مع شخصيات أو مؤسسات سورية ضمن دائرة العقوبات. 

وفق قناعات رمال فإنّ تطبيق القانون سيخضع بالتأكيد للمزاجية ما يعني أن حلقة العقوبات قد تتوسّع شيئاً فشيئاً ومروحة الأسماء ستكبر. ويؤكّد في السياق أنّ فكرة فرض عقوبات من قبل دولة على دولة أخرى هي اعتداء وفعل خارج الحقوق الطبيعية للعالم، يختم رمال.

واشنطن

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة