خاص العهد
"السيّد" و"الحاج": السابقون.. اللاحقون
دمشق ـ وسيم الحاج
ـ المكان: الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت
ـ الزمان: مطلع العام 1998
قائد "قوّة القدس" في "الحرس الثوري" الإيراني، العقيد قاسم سليماني، والذي تبوّأ منصبه حديثاً، يزور مقرّ القيادة العسكرية لحزب الله اللبناني. يعانق ضباطها فرداً فرداً. بعضهم استشهد، وآخرون ما زالوا على "خطوط التماس" الأولى. عناقٌ حارٌّ جدّاً، بين سليماني و"رفاق السلاح". القائد الجهادي الكبير الشهيد مصطفى بدرالدين "ذو الفقار"، يسارع إلى احتضان الرجل. يبادله الأخير بعناقٍ أشد.
ينقل مقربون كيف كان يجهّز "السيّد" للقاء الـ"حاج بزركـ" (الحاج الكبير أو العظيم، باللغة الفارسية). يحلو له أن يدعوه بذلك. يسارع إلى استقباله عند الباب الخارجي، بابتسامة قلّ ما كانت تظهر على وجهه. عناقٌ قوي. "جلسةٌ" مطوّلة، وإصرارٌ على حزّ الفاكهة ووضعها أمام الضيف العزيز، رغم تمنّعه وخجله.
وينقل المقربون، أيضاً، "روايات الحب" في المعارك، أحد فصولها الشهيد علي فيّاض "علاء البوسنة". في معارك سهل الغاب، شمال البلاد، نفّذ كميناً محكماً، وهو الفنّ الذي أجاده دائماً. صوّره، وأرسله سريعاً لـ"السيّد". صوته كان مسموعاً في المقطع المصوّر. سأله أحدهم "هل كان فلان هناك، خلف الخطوط؟". يحاول إخفاء ذلك، ويكتفي ـ في نهاية الأمر ـ بـ"نعم". أصرّ "الوسيط" أن يُعلم "السيّد" بأن "علاء" أرسل "فلانًا" للكمين. أصرّ "السيّد" بدوره على إيصال المقطع لـ"حاج بزركـ"، قائلاً "سيفرح كثيراً بما فعله علاء، أرسلوا الفيديو وأخبروه بما جرى... أخبروه بأن فينا عشّاقاً يتسابقون لتقديم الأضاحي في سبيل عزّة هذه الأمة".
يروي آخرُ ممن حضر أحد اللقاءات الأخيرة، أن
أما اللقاء الأخير، في مطار دمشق ليلة اغتيال "السيّد" (أيّار/ مايو 2016)، فقد دام الوداع حوالي الربع ساعة. كان من المفترض أن يخرجا سويّةً، ويعودا للقاءٍ في الليلة عينها. أصرّ "السيّد" على المكوث، وأصر الحاج على البقاء معه، قائلاً "ليس من الأدب أن أذهب، وأنت مازلت هنا". أصرّ "السيّد" على خروج "الحاج"، والذي عاد بعد أقل من ساعة على صوت الانفجار الذي أودى بحياة "السيّد". بكى يومها "الحاج قاسم" كثيراً، ليس على افتقاده "سيف المقاومة"، بل حُزناً على لحظةٍ فاتته، وعلى فرصة لـ"الوصول للمبتغى". صبيحة ذلك اليوم، قال "لقد كُتب اسم السيّد مصطفى على تلك القذيقة ليذهب وحيداً، واختار الله له أحسن خاتمة".
من ينظر في وجهَي هذين الرجلين، وما يمثلانه من كابوسٍ أسودٍ لأعدائهما؛ ومن يمعن النظر في سكون أعينهما وغربة روحيهما البادية على وجهيهما عند وقوفهما على السواتر، يدرك جيّداً أن لهذا "المحور" ما يكفيه من العشق ليتزود به في معاركه الكبرى.