معركة أولي البأس

خاص العهد

على هامش لقاء بعبدا: جملة حقائق سياسية وقانونية
05/05/2020

على هامش لقاء بعبدا: جملة حقائق سياسية وقانونية

فاطمة سلامة

في الحادي عشر من شباط الفائت، تلا رئيس الحكومة حسان دياب البيان الوزاري أمام مجلس النواب لتنال الحكومة على أساسه الثقة. وعد حينها بوضع خطة إنقاذ كاملة متكاملة، معدّداً القطاعات التي تتطلّب الإصلاحات، وما أكثرها. في الواحد والعشرين من شباط أُعلن عن تسجيل أول إصابة مؤكدة بفيروس "كورونا" في لبنان، لتكر بعدها سُبّحة الإصابات ويدخل البلد في تحدي عبور هذا الفيروس المستجد مع ما يحمله هذا الأمر من متطلبات. إلا أنّ الحكومة التي وجدت نفسها في أتون تحدي "كورونا" لم يُثنها هذا الأمر عن متابعة عملها كما وعدت، بل كثّفت جلساتها وانكبّت على دراسة خطة مالية اقتصادية شاملة لمقاربة عناوين سادتها العشوائية لعقود، وهذا بحد ذاته إنجاز. وهنا أستذكر قول أحد الوزراء في دردشة إعلامية، لو أنّ الحكومة بدأت من الصفر في وضع خطة اقتصادية، لكان أسهل علينا مليون مرّة، فالإرث الثقيل الذي حملناه من الحكومات السابقة يجعل المهمة حكماً صعبة ومعقّدة.  

وبعد ساعات قليلة على إقرار الحكومة خطّة بعناوين وبنود متعدّدة، أصدرت بعبدا بياناً دعت فيه رؤساء الكتل النيابية الى لقاء وطني لعرض الخطة الإصلاحية. هدف رئيس الجمهورية وفق ما تكرّر مصادره إطلاع المدعوّين على البرنامج الإصلاحي، ليكونوا على بيّنة من سلسلة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمعالجة الأوضاع الاقتصاديّة والماليّة. فالرئيس عون حريص دائماً على إشراك الجميع في الحوار، وعلى فتح باب النقاش لمعارضيه قبل مؤيديه. إلا أنّ دعوة الرئيس عون سرعان ما تعرّضت للهجوم من قبل المصطادين بالماء العكر ممّن لا يعجبهم العجب، فلو أنّ الرئيس عون لم يدع الى هذا الاجتماع لكنا رأيناهم يسارعون ربما الى الانتقاد وإطلاق الرشقات نحو منصة بعبدا. وعليه، تدرج مصادر مطلعة في حديث لموقع "العهد" الإخباري مسارعة كتلة "المستقبل" الى مقاطعة الاجتماع في سياق المزايدات وتسجيل المواقف وقطع الطريق على الإنجاز المتمثّل بوضع خطة متكاملة في وقت قياسي، عجزت عن إقرارها الحكومات السابقة التي عملت في ظروف أريح بكثير من الحالية. 

سألنا المصادر: البعض يقول إنّ إطلاع الكتل على الخطة يجب أن يكون قبل إقرارها،  فأجابت " بأنّ الدعوة للنقاش قبل إقرار الخطة لن تقدم ولن تؤخر، فلو أنّ الدعوات وجّهت سابقاً على ماذا سيتناقش المجتمعون؟". تسأل المصادر التي تؤكّد أنّ الدعوة قبل إقرار الخطة غير ممكنة وهي بمثابة الدعوة لمناقشة أفكار في الهواء، حينها كانت كل جهة ستعرض وجهة نظرها بلا نتيجة، بينما اليوم هناك خطّة بين أيديهم يناقشونها ويسجّلون الملاحظات على البنود التي يريدون. المنطق يقول ذلك، تكرّر المصادر، التي تشدد على  ضرورة أن يكون هناك خطة للنقاش اذ لا يجوز الدعوة لبرنامج مفتوح. 

ماذا عن برناج اللقاء؟ تؤكد المصادر لموقعنا أنّ وزير المالية الدكتور غازي وزني سيذكر مقدّمة عن الخطة الإصلاحية، فيما سيتولى مدير عام وزارة المالية الدكتور آلان بيفاني شرح الخطة، بعدها يُفتح النقاش وكل جهة تبدي ملاحظاتها. هل من الممكن أن يُجدّد اللقاء في اليوم التالي في حال لم يتسع الوقت للانتهاء من النقاش؟ تقول المصادر لا أعتقد فاللقاء لم تجر برمجته لأكثر من يوم. 

مَن الكتل التي أكّدت مقاطعتها حتى الساعة؟ تقول المصادر، حتى هذه اللحظة لا أحد غير كتلة "المستقبل"، وفي ختام هذا اليوم من المفترض أن تكون الصورة واضحة، فبعبدا بانتظار أن تجيب الأطراف خلال الساعات القادمة على مسألة حضورها. لكن المصادر وفي معرض حديثها عن هذه النقطة، توضح أنّ هناك خلافا على قضية التمثيل، بمعنى أن بعض الكتل قرّرت عدم المشاركة بشخص رئيسها وإيفاد ممثل عنها، وهذا الأمر -وفق المصادر- لا يصح، فالدعوة شخصية ولا يستطيع أي كان إيفاد من يمثله، عليه أن يحضر هو أو لا يحضر اللقاء. وفي المقابل، ورغم تشديد المصادر على ضرورة الحضور الشخصي لرؤساء الكتل إلا أنها تقول "لنترك هذا الأمر الى الساعات القادمة ليحسم نهائياً". 

يمين: هذا ما يقوله القانون 

وفيما تتذرّع كتلة "المستقبل" النيابية بأنّ دعوة الرئيس عون الى لقاء بعبدا  تتجاوز حدود ​الدستور​ لتكرّس مفهوم النظام الرئاسي على حساب النظام الديموقراطي البرلماني، يقارب الخبير الدستوري الدكتور عادل يمين هذه المسألة، فيشير في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى عدة نقاط:

أولاً: رئيس الجمهورية وبحسب أحكام المادة 49 من الدستور هو رئيس للجمهورية وله صفة أخرى بأنه رئيس للدولة ورمز لوحدة الوطن، وبالتالي فإنه وبموجب هذه الصفات هو رئيس للدولة بكل سلطاتها وشعبها وأرضها.

ثانياً: رئيس الجمهورية معني بموجب الدستور بتأمين أواصر تواصل وحوار بين الجهات والشرائح اللبنانية بصورة مستدامة. 

ثالثاً: رئيس الجمهورية معني بموجب صلاحياته كرئيس للجمهورية بالخطة الحكومية لأنّ له أن يرد الى مجلس الوزراء خلال 15 يوماً أي قرار يصدر عن مجلس الوزراء، وأي مشروع قانون يقره مجلس الوزراء، كما له أن يرد خلال مهلة شهر أي قانون يقره مجلس النواب، وخلال مهلة 5 أيام أي قانون معجل مكرر يقره مجلس النواب. 

وهنا يوضح يمين أن الخطة الحكومية هي مجرد إطار ستحتاج الى إجراءات وقرارات في مجلس الوزراء والى مشاريع قوانين تحول الى مجلس النواب وقوانين تقر في مجلس النواب، الأمر الذي يعني أن الرئيس عون أراد من خلال دعوته أن يقف على رأي زعماء الكتل النيابية من خلال تقييم الخطة الحكومية وتحسينها عند الاقتضاء، لأن هذه الخطة ليست نصا تنفيذيا بذاته بل تحتاج الى تدابير واجراءات وقوانين، وهي تتضمن في طياتها بنوداً مرنة قابلة للأخذ والرد. 

ما تقدّم يعني -وفق الخبير الدستوري- أن رئيس الجمهورية يهدف من خلال حلقة النقاش التي يطلقها إلى تأمين أوسع التفاف وطني حول الخطة من جهة، وتطويرها وتحسينها عندما يقتضي الأمر من جهة ثانية، ومن جهة ثالثة تهدف الدعوة الى اطلاع رئيس الجمهورية على آراء زعماء الكتل النيابية حتى يبني قراراته بخصوص مشاريع الحكومة ومجلس النواب، أو الموافقة عليها في ضوء ما يستجمع من معطيات وآراء. 

طاولات حوار عديدة عقدت في بعبدا و"المستقبل" شارك دون اعتراض 

ويشدّد يمين على أن لا نص دستوريا وقانونيا يمنع رئيس الجمهورية من جمع رؤساء الكتل في بعبدا بل على العكس هو معني بجمع قادة الرأي. ويُذكر المتحدّث بأن العديد من طاولات الحوار عقدت في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، كما أن العديد من طاولات النقاش عقدت في قصر بعبدا في عهد الرئيس ميشال عون خصوصاً بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب. وفي كل تلك اللقاءات شارك تيار "المستقبل".

وخلال أزمة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في السعودية، أطلق الرئيس عون سلسلة لقاءات مع قادة الكتل النيابية وزعماء البلاد. ومنذ أشهر، وبالتحديد في أيلول 2019، عقدت طاولة لبحث الأزمة الاقتصادية، وقد شارك الحريري في اللقاءين المتعلقين بالسلسلة والوضع الاقتصادي كرئيس للحكومة وشارك أيضاً تيار "المستقبل" ولم يعترض أحد ولم يتحفّظ أحد. 

وفي الختام، يسأل يمين: عندما يتشاور الرئيس مع الجهات يكون ممارساً  للنظام الرئاسي؟!. برأيه، فإنّ ممارسة النظام الرئاسي ليست بحاجة الى التشاور، أما عندما يتشاور الرئيس فإنه يمارس ذروة التشاركية والديمقراطية والبرلمانية.

إقرأ المزيد في: خاص العهد