خاص العهد
تحرير الليرة نكبة على المواطن والاقتصاد.. ماذا يقول وزيرا الصناعة والزراعة بشأنها لـ"العهد"؟
ياسمين مصطفى
فرمل بالأمس رفض بعض الوزراء إقرار بند تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار، كأحد بنود الخطة المالية - الاقتصادية التي أقرها مجلس الوزراء مجتمعًا، وتم تأجيل البت به إلى مرحلة لاحقة. هذا المفهوم الاقتصادي لمس اللبنانيون منذ أشهر تداعياته لمس اليد، وتجرعوا مرارته في تراجع قدرتهم الشرائية والارتفاع في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية. ومع تأكيد رئيس الحكومة حسان دياب أمس أن التوجه الحكومي اليوم هو لطلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، يصبح السؤال ملحّا عن مصير سعر الصرف في بلد "مدولر" مثل لبنان يعتمد بنسبة 78% على الاستيراد، خاصة أن الخبراء يؤكدون أن عماد شروط صندوق النقد المفروضة على الدول المأزومة ماليا واقتصاديا هو تحرير سعر الصرف وتعويم العملة، فماذا يعني ذلك؟ وكيف ينعكس في حال إقراره على اقتصاد لبنان والقدرة الشرائية لمواطنيه؟
ماذا يعني تحرير سعر صرف العملة أو "تعويمها" مقابل العملات الأجنبية؟
في البدء لا بد من تعريف مفهوم تحرير سعر صرف العملة أو تعويمها مقابل العملات الأجنبية، والذي يعني في علم الاقتصاد ترك سعر صرف العملة خاضعًا لآلية العرض والطلب، في حين لا يتدخل المصرف المركزي ولا الحكومة بتحديده، وعليه تتقلب أسعارها باستمرار مع كل تغير يشهده العرض والطلب على العملات الأجنبية، وصولا إلى تغير السعر مرات عدة في يوم واحد.
ولتعويم العملة نوعان، الأول هو التعويم الخالص ويعني ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل دون أدنى تدخل من الدولة. والثاني هو التعويم الموجه ويعني ترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن مع تدخل الدولة عبر مصرفها المركزي حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معينة عبر التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية.
الخبير الاقتصادي حسن مقلد
"ليس ثمة عاقل يؤيد تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار في ظل الأزمات المتفاقمة التي يشهدها لبنان اليوم". الكلام للخبير الاقتصادي حسن مقلد، الذي يوضح مخاطر الإقدام على تحرير سعر صرف الليرة مقابل الدولار قبل الشروع في تطبيق خطة تنعش اقتصاد لبنان. وفي هذا السياق يقول مقلد لـ"العهد" إن "تحرير سعر الصرف معناه أنه يمكن للدولار الوصول إلى عتبة الـ5000 ليرة، وفي ظل تضخم مالي بلغ حتى اليوم 25% وبفعله حلقت أسعار السلع والخدمات، يصبح السؤال الأساسي هو: من يضمن للمواطن استقرار قدرته الشرائية وقيمة مدخراته من الليرة اللبنانية في حال تم تحرير سعر الصرف؟".
وعلى سبيل المثال، يشرح مقلد السيناريو المنتظر في حال تم فعلًا تحرير سعر الصرف فيقول: "لو افترضنا أنه تم تحرير سعر الصرف بدءا من سعر الـ3000 ليرة للدولار الواحد، هذا يعني أن من يقبض راتبًا قيمته مليون ليرة ستصبح قيمته 500 ألف ليرة، وفي ظل التضخم المالي الذي هو 25% يصبح الراتب 250 ألف ليرة، وفي حال تطبيق سلة من الضرائب على القيمة المضافة وعلى الكهرباء والمحروقات ورفع الدعم الاجتماعي والحماية الاجتماعية وهي شروط صندوق النقد لمساعدة الدول سيصبح الراتب 100 ألف ليرة، ثم يأتي بند من بنود شروط صندوق النقد وهو تثبيت رواتب وأجور الموظفين في القطاع العام لخمس سنوات ليقصم ظهر المواطن اللبناني.
يسأل مقلد عمن يتحمل مسؤولية هذا التدهور في قيمة الليرة اللبنانية، مشددًا على أن أية خطة إصلاحية لا بد أن تضع في رأس أولوياتها الإنسان وحفظ وضعه المالي والاجتماعي، وهو ما يتناقض بالمطلق مع تحرير سعر الصرف.
وفي رده على سؤال حول تأكيد كثير من الخبراء الاقتصاديين أن الأصل والأصح هو عدم تثبت سعر الصرف وإنما تحريره، وما جناه لبنان حتى اليوم هو نتيجة سياسة التثبيت، يجيب مقلد بأن "تحرير سعر الصرف في دول العالم التي تعتمد هذا النموذج مرتبط بوجود عملة واحدة في البلد وليس عملتين، فما بالنا بلبنان وهو بلد مدولر بامتياز ويستهلك بالدولار ما يفوق 78% من حاجاته الاستهلاكية"، ويضيف:" في بلدان العالم يستحيل أن يجتمع تحرير سعر الصرف مع كون البلد مكشوفا بنسبة 87% على الاستيراد، فهل يستطيع اللبناني اليوم التعايش مع انخفاض قدرته الشرائية من مليون ليرة للراتب على سبيل المثال إلى 100 ألف ليرة؟".
وزير الصناعة: تحرير سعر الصرف في الظرف الحالي سيجلب الخراب للبنان
لدى سؤالنا وزير الصناعة عماد حب الله عن خلفيات رفضه خلال جلسة الحكومة التي أقرت الخطة المالية الاقتصادية، لبند تحرير سعر الصرف يجيب: "أنا ضد تحرير سعر الصرف لسبب أساسي وهو ما يعنيه للمواطن اللبناني وبالأخص للطبقة الفقيرة أولا، وثانيًا لما يعنيه للودائع في المصارف والتي هي بالليرة اللبنانية، في حال تحرير سعر الصرف لن يكون لهذه الودائع أية قيمة، ولن تكفي القدرة الشرائية للمواطن لسد رمقه وتأمين قوت يومه".
وإضافة إلى هذين السببين يسأل حب الله: "كيف نتصرف لو تم رفع الدعم عن القمح؟ وماذا سيحدث لصناعة الخبز؟ وكذلك الأمر بالنسبة لرفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، ستكون كلها غير مدعومة والأسعار ستحلق بفعل تحرير سعر الصرف، ثم ماذا سيحصل بكل أموال المتقاعدين الذين يقبضون بالليرة اللبنانية؟".
وزير الصناعة عماد حب الله
بناء على ما تقدم، يصف حب الله لموقع "العهد" الاخباري تحرير سعر الصرف خاصة في الظروف الاستثنائية التي يمر بها لبنان بـ"خراب" اقتصاد البلد وهلاك مواطنيه الذين لن يعود عليهم هذا الأمر بأية فائدة، كما لن يؤمن لهم الأمن الغذائي أبدًا.
في المبدأ، يوضح حب الله أنه لو كان تحرير سعر الصرف سياسة معتمدة من قبل اليوم أي في الأعوام والعقود السابقة لكنا نستطيع القول إن هذا هو الأفضل للبنان خاصة أنه النموذج المعتمد في مختلف دول العالم وليس تثبيت سعر الصرف، لكنه اليوم في الظروف الحالية لن ينفع لبنان بل سيلحق أضرارا فادحة باقتصاده.
أما المطلوب بحسب وزير الصناعة، فهو تثبيت الوضع الاقتصادي، ويكون ذلك عبر العودة للاقتصاد المنتج، والتوقف عن الاعتماد على الاقتصاد الريعي والمعتمد بالدرجة الأولى على عمل المصارف، مضيفا:" حين يصبح الاقتصاد استثماريا في الإنتاج مصحوبا بتشجيع ودعم الصناعة والزراعة وحتى السياحة فعندها نستطيع الحديث عن تحرير لسعر الصرف".
وزير الزراعة: من المبكر جدا الحديث عن تحرير لسعر صرف العملة
وزير الزراعة عباس مرتضى هو الآخر يشاطر حب الله رأيه في ما يخص تحرير سعر الصرف. وفي حديثه لموقع "العهد" الإخباري يقول: "موقفنا واضح برفض تحرير سعر صرف العملة". بنظره من المبكر الحديث عن هذه الخطوة أو القيام بها لأنه لا بد أن تسبقها خطوات على صعيد تقوية الاقتصاد اللبناني ليتحمل تبعاتها، لأن تحرير سعر الصرف وفق رأيه يعني تفلّت الدولار وصولا إلى أسعار غير محددة وغير معروفة، لذلك فهو يتطلب مواكبة على صعيد إنعاش الاقتصاد لتفادي أي خلل قد يحصل. ويضيف مرتضى: "إننا وسط أزمات اقتصادية ومالية واجتماعية ونقدية، وتحرير سعر الصرف سيأخذنا إلى المجهول، وفي الوقت المناسب نحن لا نمانع تحرير سعر صرف الليرة ما يفيد مستقبلا الإنتاج المحلي ويشجع الاستثمار والقطاعات الزراعية والصناعية والتوجه لدولة لديها اكتفاء ذاتي".
وزير الزراعة عباس مرتضى
وفي ختام حديثه يؤكد مرتضى أن مسألة تحرير سعر الصرف تم البت برفضها، ولن يكون هناك تحرير لسعر الصرف لا اليوم ولا غدا ولا بعد غد وهو أمر حسمه مجلس الوزراء مجتمعا.
الدولارالليرة اللبنانيةصندوق النقد الدولي