معركة أولي البأس

خاص العهد

الأموال المحوّلة الى الخارج: ما قيمتها؟ وأين أصبحت التحقيقات بشأنها؟
30/04/2020

الأموال المحوّلة الى الخارج: ما قيمتها؟ وأين أصبحت التحقيقات بشأنها؟

فاطمة سلامة

يُحمّل مرجع مالي سياسي إثم التحويلات المالية الى الخارج كل ما نحن فيه من بلاءات اقتصادية ونقدية ومالية. يصفه حرفياً بالـ"إثم" لأنّه أوجع الناس وسار بالبلد نحو منعطف خطير. صحيح أنّ للأزمة أوجهاً متعدّدة، يضيف المرجع، لكنّ تلك التحويلات كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت الأزمة لتنتشر كالنار في الهشيم. "الدولارات" التي هُرّبت الى الخارج أوجدت أزمة دولار حقيقية حتى باتت العملة الصعبة نادرة، مع ما حمله هذا الأمر من تداعيات.  فنحن لا نتحدّث عن مليار دولار هُرّب الى الخارج، يقول المصدر. الرقم يتخطى ذلك بأضعاف مضاعفة، ما يدفع بهذه القضية لأن تكون موضع متابعة ومساءلة ليتحمّل كل شخص مسؤوليته في هذه اللحظة الحرجة التي نعيشها. وهو الأمر الذي دفع بمجلس الوزراء مؤخراً الى تكليف وزير المالية الطلب من مصرف لبنان إعداد لوائح بالتحويلات المالية الى الخارج اعتباراً من 1/1/2019. 

وقد بلغت هذه التحويلات -وفق ما يقول مراقبون- ذروتها في عز أزمة 17 تشرين الأول والمصارف. وهو الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول الازدواجية التي تعاطت بها المصارف لجهة منع الأموال عن المودعين الصغار، والقبول بتهريب مليارات الدولارات في آن معاً. 

والجدير ذكره أنّ قضيّة الأموال المحوّلة الى الخارج فُتحت بشكل موسّع منذ أشهر، وبالتحديد نهاية العام الماضي. حينها استدعي حاكم مصرف لبنان لحضور جلسة لجنة المال والموازنة، لتأتي المفاجأة الصادمة بأنه لا يعرف ما اذا حصل بالفعل تحويلات الى الخارج. ظهر سلامة بموقف وكأنه يعيش في واد بعيد عن كافة العمليات المصرفية. عندها، وعد سلامة بمتابعة هذا الملف. وبموازاة ذلك، جرى تشكيل لجنة نيابية مصغّرة للتواصل مع مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة. كما تحرّك القضاء اللبناني، حيث طلب مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات من القضاء السويسري، وهيئة التحقيق الخاصة لدى المصرف المركزي، ولجنة الرقابة على المصارف، مساعدة قضائية لإيداعه معلومات عن مدى إجراء تحويلات مصرفية مالية مشبوهة من لبنان إلى الخارج قام بها سياسيون في الآونة الأخيرة. ومنذ ذلك الحين حتى اليوم لا إجابات واضحة عن هذه القضية التي من المفترض أن تكون أولوية الأولويات لدى المصرف المركزي. الأخير يتحمّل المسؤولية الأولى، وهو الأمر الذي دفع برئيس الحكومة الدكتور حسان دياب الى إعلاء الصوت في هذه القضية الحساسة، ودفع الحكومة مجتمعة الى التحرك. فكم قيمة الأموال المحوّلة؟ أين أصبحت التحقيقات القضائية في هذه القضية؟ والى أي مدى فاقمت الدولارات التي هرّبت الى الخارج الأزمة المالية والنقدية؟. 

لا معطيات رقمية دقيقة.. والأموال المهربة لا تقل عن 5 مليار دولار

مصادر سياسية متابعة لملف الأموال المحوّلة تحمّل في حديث لموقعنا عملية تهريب الأموال جزءاً كبيراً من الأزمة التي نعيشها اليوم. وتوضح أن لا معطيات رقمية دقيقة حول تلك الأموال التي خرجت من لبنان، فهناك بعض المعلومات دقيقة وبعضها الآخر غير دقيق. إلا أن المعطى الوحيد الدقيق -بحسب المصادر- هو ما قاله حاكم المصرف المركزي "بعظمة لسانه" أنّ هناك 2.6 مليار دولار أخرجت من لبنان خلال أزمة تشرين الأول. الحاكم يقول إن هناك 1.6 مليار دولار من هذه الأموال تتعلّق بتسوية حسابات أشخاص في الخارج، ومليار دولار لأشخاص سياسيين وغيرهم. منها 170 مليون دولار لشخصيات اعتبارية. هذه الأرقام باعتراف الحاكم نفسه -تقول المصادر- التي تشدد على أن الـ 2.6 مليار دولار هو الرقم الذي تحدّث عنه الحاكم نهاية العام المنصرم، فما بالك بالأرقام الأخرى التي خرجت مطلع العام الحالي؟ تسأل المصادر. 

أما الخبير في إدارة الشركات المتعثرة الدكتور سامر سلامة فيستعرض في حديث لموقع "العهد" أرقام الودائع التي يمتلكها لبنان، اذ ومع بداية عام 2019، كان لدينا ودائع بقيمة 173 مليار دولار، ومع بداية أزمة تشرين الأول هبطت الى الـ 171 مليار دولار. هذه الودائع انخفضت قيمتها لتصبح مع مطلع العام الحالي أقل من 148 مليار دولار. ما يعني أن الفارق يبلغ حوالى 23 مليار دولار. وهذه المعطيات منذ أشهر -يقول سلامة- الذي يشير الى أنها اليوم بالتأكيد أقل. 

 

الأموال المحوّلة الى الخارج: ما قيمتها؟ وأين أصبحت التحقيقات بشأنها؟

ينطلق سلامة من هذه الأرقام ليشير الى أنّ مبلغ الـ23 توزّع بين دولارات وضعت في المنازل، ودولارات جرى دفعها كقروض وهذا الأمر نستدل عليه من خلال قيمة القروض التي هبطت من 55 الى 44 مليار دولار. وهنا يؤكّد سلامة أنّ ما لا يقل عن 5 مليارات دولار هرّبت الى الخارج، ليبقى لدينا مليارات غير معروفة الوجهة وقد تكون هرّبت لتضاف الى الـ5 مليارات التي حسم أمرها بالتحويل الى الخارج.  

الى أين وصلت تحقيقات هيئة التحقيق الخاصة؟

وفيما كان مدعي عام التمييز كما ذكرنا آنفاً، قد طلب من هيئة التحقيق الخاصة مساعدة قضائية عن التحويلات المشبوهة، أصدرت الهيئة في شباط الماضي بياناً قالت فيه إنها طلبت من جميع المصارف العاملة في لبنان، إعادة دراسة الحسابات المفتوحة لأشخاص معرضين سياسياً، والتي جرت عليها تحاويل إلى خارج لبنان من تاريخ 17-10-2019 لغاية 31-12-2019، وتحديد مصدر الأموال المودعة فيها، وإفادة الهيئة في حال وجود أي شبهة على الحسابات. وبعد ورود أجوبة المصارف، قررت الهيئة بتاريخ 6-2-2020 الطلب من المصارف المعنية الإفادة خلال مهلة أسبوع من تاريخ تبلغها القرار، عن حجم المبالغ وعدد الحسابات والعمليات التي حولت إلى الخارج، ما يطرح السؤال التالي: أين أصبحت تلك التحقيقات؟.
 
مصادر في لجنة الرقابة على المصارف تؤكّد لموقع "العهد" الإخباري أنّ هيئة التحقيق الخاصة زوّدت النيابة العامة التمييزية بالأيام التي جرت خلالها التحويلات المالية الى الخارج. وقد امتنعت الهيئة عن تزويد القضاء بأسماء الشخصيات التي أجرت تلك التحويلات عملاً بقانون السرية المصرفية، ولكي ترفع السرية تحتاج  الى وجود شبهة، وهو الأمر الذي دفع الهيئة -وفق المصادر- الى الطلب من القضاء تزويدها بالشبهة كي تتمكّن على أساسها من تزويده بالأسماء. ولغاية الآن -بحسب المصادر- لم يجب القضاء على طلب الهيئة الذي نصّ عليه المشرّع. وفق المصادر لا يجوز بتاتاً الافصاح عن حركة حساب مودع ورفع السرية المصرفية بلا مسوغ قانوني. وهنا ترد المصادر السياسية على ما سبق بالتأكيد أنّ الهيئة لم تتحرك جدياً وتحسم الجدل في هذا الأمر لأسباب سياسية معروفة. 

جزء كبير من الأزمة في ذمّة الأموال المحوّلة

وبالعودة الى تأثير الأموال المحوّلة على الوضع اللبناني، تلفت المصادر السياسية الى أنّ خروج الأموال من المصارف اللبنانية الى الخارج يحمل تأثيرات كبيرة جداً، خاصة أننا كنا نستنزف آخر ما تبقى من رصيد بالبلد، فالمشكلة تكمن في أنّ المصرف المركزي وحتى تمكّن من تكوين الاحتياطات لديه دفع ثمنها غالياً، إذ أجرى هندسات مالية ضخّت ودائع. جزء بقي في البلد وجزء تم التصرف به. جزء من الودائع الموجودة استفاد من الهندسات المالية التي كلّفت المصرف المركزي أثماناً باهظة. فالاحتياطات بالعملات الأجنبية التي كانت موجودة في لبنان لم تأت بصورة طبيعية، بل بالهندسات وبالفوائد العالية جداً. وبالتالي -تضيف المصادر- فإنّ خروج الودائع من لبنان بعد أن دفعنا كلفتها يحمّل البلد المزيد من التكاليف. وتوضح المصادر أنّ لبنان وكي يخرج من محنته يحتاج الى 27 مليار دولار تأتيه من الخارج وعلى مدى 5 سنوات، أي بمعدل حوالى 5 مليارات دولار سنوياً. 

كلام المصادر السياسية يتقاطع مع ما يقوله سلامة. برأيه، فإن تهريب الأموال الى الخارج أثّر كثيرا ًعلى الأزمة الحالية التي نعيشها، فلولا هذه التحويلات لتمكنا من الخروج من الأزمة بدون "هيركات" وبطريقة أكثر سلاسة. وهنا يؤكّد المتحدّث أنّ حاكم مصرف لبنان لديه الصلاحية التامة والشاملة للقيام بالكابيتال كونترول، وكل المماطلات التي صدرت عنه وقوله إنني أريد قانوناً استثنائياً وموافقة مجلس النواب غير صحيح، فليقرأ قانون النقد والتسليف جيداً، ليتبين له أنه بإمكانه منع هذه التحويلات دون موافقة أحد.


 

رياض سلامةالمصارف

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة