خاص العهد
حزب الله يحضّر استراتيجية متكاملة لقطاع الاتصالات..والحاج حسن يتحدّث لـ"العهد" عن استرداد الدولة لقطاع الخليوي
فاطمة سلامة
في يوم من الأيام، سُمي قطاع الاتصالات بـ"نفط لبنان". تلك التسمية لم تكن عبثاً، فمن يطّلع على تفاصيل العمل في هذا القطاع، يُدرك جيداً أنّه مورد مهم لحزينة الدولة. إلا أنّ هذا الكلام لا يُمكن صرفه سوى بإدارة مُحكمة، وضمير وطني يُحافظ على كل قرش لصالح الخزينة. وللأسف، فإنّ هذا الواقع كان مفقوداً في فترة من الفترات، لتكون النتيجة خدمة اتصالات سيئة -رغم أنها من الأغلى في العالم- وهدراً في غير محله.
ولا شكّ أن قطاع الخليوي بالتحديد كان بمثابة البقرة "الحلوب"، إلا أنّ إدارة هذا القطاع من قبل شركتي "أوراسكوم" و"زين" مع ما حملته من تجاوزات وعشوائية حرمت خزينة الدولة من واردات مهمة. هذا الواقع جرى توثيقه بالأرقام من قبل تقارير أعدتها لجنة الاعلام والاتصالات. تقارير كشفت عن سوء إدارة وثغرات وتجاوزات بالجملة أخذت بقطاع الخليوي نحو الانحدار. فمن قدّر له الاطّلاع على التقارير تلك يتبيّن له بالبيانات والأدلة كيف تراجعت إيرادات هذا القطاع المهم في الفترة الأخيرة. تماماً كما يتبيّن له الارتفاع غير المبرّر لنفقات هاتين الشركتين التشغيلية والرأسمالية والتي بلغت بين عامي 2010 و2018 4 مليارات و492 مليون دولار، فيما بلغت مجمل التحويلات الى وزارة الاتصالات 9 مليارات و954 مليون دولار. وذلك في مؤشر واضح على ارتفاع نسبة الهدر في هذا القطاع. هدر لا تتحمل مسؤوليته بطبيعة الحال الشركتان فقط، بل منظومة منها وزارة الاتصالات.
رئيس لجنة الإعلام والاتصالات النائب الدكتور حسين الحاج حسن خَبِر واقع قطاع الاتصالات وعلى رأسه الخليوي من ألفه الى يائه. فالتقارير التي أعدتها لجنة الاتصالات برئاسته لم تترك سؤالاً إلا وطرحته. تماماً كما أنها لم تترك معلومة عن هذا القطاع إلا وأوردتها. وهو الأمر الذي دفع الحاج حسن وقبل ساعات من انتهاء العقد مع الشركتين المشغلتين للخليوي (31/12/2019) الى الدعوة لعقد جلسة طارئة لمناقشة مسألة التمديد. عقدت الجلسة حينها لتنتهي على وقع إجماع برفض التمديد للشركتين. ذاك الرفض كان من المفترض أن يُخوّل الدولة استرداد إدارة القطاع على وجه السرعة. إلا أنّ خضوع هذه القضية وعلى مدى أشهر لمد وجزر، جراء محاولات عدة لتمرير التمديد خلسة، أخّر المهمة، قبل أن يُعلن أمس الإثنين عن المباشرة بإجراءات تسلم قطاع الخليوي ونقل إدارة الشركتين لوزارة الاتصالات. فماذا تعني هذه الخطوة؟، وما دورها في إصلاح قطاع الاتصالات في لبنان؟.
بداية للإصلاح في قطاع الاتصالات
في حديث لموقع "العهد" الإخباري، يُعلّق رئيس لجنة الإعلام والاتصالات على الخطوة المذكورة بالإشارة الى أنها بالتأكيد بداية للإصلاح في قطاع الاتصالات. ويؤكّد الحاج حسن أنّ استرداد الدولة لإدارة قطاع الخليوي هو بمثابة خطوة طبيعية تطبيقاً للقانون، سيما أنّ الشركتين "أوراسكوم" و"زين" قد انتهى عقدهما في 31 كانون الأول 2019، والدولة لم تُجدّد العقد ولم تُمدّده. ويُشدّد المتحدّث على أنه كان من المفترض أن تتسلم وزارة الاتصالات القطاع بتاريخ 1/1/2020 لكنها لم تتسلمه. ومع ذلك أجرينا -يقول الحاج حسن- طلب رأي استشاري من هيئة التشريع والاستشارات وكان جوابها "أنّ التسلم تلقائي ويجب أن يتم بشكل سريع". في الحكومة المنصرمة لم يحصل هذا التسلم، أما في الحكومة الحالية فقد جرى التباحث والنقاش في هذه الخطوة مع وزير الاتصالات زياد حواط، يضيف الحاج حسن. نقاش انتهى على تفاهم، ليعلن الوزير قراره أمس الاثنين باسترداد الدولة تشغيل وإدارة القطاع، في خطوة جيدة من شأنها تطبيق القانون.
وفيما يتعلق بالخطوات اللاحقة، يوضح الحاج حسن أنّ الوزير حواط سيضع دفتر شروط جديداً لعرضه على مجلس الوزراء واتخاذ القرار بشأنه تمهيداً لإطلاق مناقصة جديدة لإدارة وتشغيل القطاع . ويؤكّد رئيس لجنة الإعلام والاتصالات أننا كلما سارعنا بالخطوة كلما كان أفضل، مع الإشارة طبعاً الى أن الأمور تبقى رهن مسار فيروس "كورونا" وتأثيره على الاقتصاد العالمي. ويستطرد الحاج حسن: "لكن بنهاية المطاف، بإمكاننا القيام بالمناقصة مع تقصير المدة كي نعيد الأمور الى نصابها الصحيح".
وحول ما يُحكى عن أن الدولة مدير سيئ، يعرب الحاج حسن عن رأيه بأنه لا يوجد شيء اسمه "الدولة مدير سيء"، وقد حصلت سابقاً تجارب أدارت خلالها الدولة هذا القطاع في فترة من الفترات الانتقالية. وخلال عرض وجهة نظره، يستشهد الحاج حسن بتجربة مستشفى رفيق الحريري التي تديرها الدولة وطريقة تعاطيها مع أزمة "كورونا"، فهل الدولة مدير سيئ؟ يسأل الحاج حسن ليشدّد على أن أداء هذا المستشفى الحكومي كان ممتازاً جداً رغم الإمكانات الضئيلة التي يمتلكها.
كان لدينا مشكلة في الإدارة سببها نهم الاستيلاء على المال العام بطرق غير مشروعة
وردا على سؤال حول التقارير التي أعدتها لجنة الإعلام والاتصالات بشأن واقع قطاع الخليوي في لبنان والتي بيّنت عشوائية وسوء إدارة، يؤكّد الحاج حسن أن التقارير كشفت اللثام عن تجاوزات وفساد وهدر مال. ولدى سؤاله عن الأسباب، يوضح أنّها مشتركة بين القرار السياسي والقرار الإداري، فالمسؤولية لا تقع على عاتق الشركتين فقط. بالإضافة الى "أوراسكوم" و"زين" هناك مسؤولية تقع على عاتق وزارة الاتصالات ومدراء. وفق قناعاته، هناك منظومة، فالفساد لا شك أنه منظومة.
وفي معرض حديثه، لا ينكر الحاج حسن أنّ قطاع الاتصالات في لبنان يتمتّع بنقاط إيجابية قوية جداً، اذ لدينا كادر بشري ممتاز والتجهيزات ممتازة، لكن كان لدينا مشكلة في الإدارة وسببها نهم الاستيلاء على المال العام بطرق غير مشروعة.
كم ضيّعت الدولة أموالاً بعدم إدارتها للقطاع؟ يُجيب الحاج حسن على هذا السؤال بالإشارة الى أن لا تقدير مالياً لهذا الموضوع، ففي هذه الفترة لم تتقاضَ الشركتان الاموال بسبب وضعهما القانوني، وبالتالي لا تقدير مالياً، ولكن ما يهمنا تطبيق القانون من جهة واسترداد الدولة للقطاع لإجراء مناقصة جديدة. وهنا يُشدّد الحاج حسن على ضرورة تخفيض النفقات التشغيلية والرأسمالية بشكل ملحوظ قياساً على السنوات الماضية خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية الحالية.
حزب الله يحضّر استراتيجية متكاملة لقطاع الاتصالات
وفي الختام، يؤكّد الحاج حسن أنّنا في حزب الله نحضّر استراتيجية متكاملة لقطاع الاتصالات نضع فيه رؤيتنا وسنعرضها على لجنة الإعلام والاتصالات وعلى الوزير المختص، للوصول الى رؤية مشتركة متكاملة لإدارة القطاع في السنوات القادمة بطريقة حضارية وعصرية ومتحركة تؤمن الشفافية وعائدات للدولة، كما تؤمّن أفضل الأسعار للدولة والمواطنين وأفضل التقنيات، وهذا الأمر ليس صعباً، يختم الحاج حسن.
لقراءة المزيد حول سوء إدارة قطاع الخليوي في لبنان