الجنوب والبقاع أرض خصبة للزراعة المنزلية.. وهذا ما تقدمه البلديات و"جهاد البناء" للراغبين

ياسمين مصطفى

"ويل لأمّة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع"، هي صرخة أطلقها الأديب اللبناني جبران خليل جبران منذ عقود، محذرًا من مخاطر وتبعات التقاعس في الإنتاج، والعيش وفق نمط استهلاكي يُفقد الدول هويتها وخصائصها ويضع اكتفاءها الذاتي وأمنها الغذائي على المحكّ.

فكرة "العودة إلى الأرض" التي شدد عليها جبران، قطفت دولٌ عديدة حول العالم ثمار تطبيقها، باكتفاء ذاتي وأمن غذائي مستدام، وهو ما سعت مؤسسة "جهاد البناء" في لبنان بالتعاون مع اتحادات البلديات في الجنوب والبقاع لتعزيزه، عبر مجموعة أنشطة انطلقت منذ سنوات، ولاقت ثمارها اليوم في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة وارتفاع حاد في أسعار الأغذية.

مشروع "الحاكورة" للترويج لثقافة الزراعة المنزلية وتشجيع العودة إلى الأرض

مدير مديرية البقاع في مؤسسة "جهاد البناء" خالد ياغي تحدث لموقع "العهد" الإخباري عن هذه الأنشطة، موضحًا أن التنسيق جرى مع اتحادات البلديات في بعلبك - الهرمل واتحاد بلديات زحلة لتأسيس مشروع "ارضنا بتحمينا"، والذي يتفرع منه مشروع "الحاكورة"، وجرى عبره توزيع الاتحادات سلالا تتضمن بذورا لمجموعة من المزروعات بالمجان لمواطني القرى.

الهدف الأشمل بحسب ياغي كان تعزيز مفهوم الاقتصاد المنزلي، وكان من ضمنه مشروع "الحاكورة"، الهادف أولا للترويج لثقافة الزراعة المنزلية، وتأمين المنتج الغذائي الصحي والسليم، وتأمين الاكتفاء الذاتي على صعيد الغذاء الأسري، والمساهمة بتعزيز ثقافة الإنتاج، فضلًا عن "تفريغ" الطاقة السلبية خاصة في فترة التعبئة العامة والحجر المنزلي الذي نعيشه اليوم لأنه من المعروف أن العمل في الأرض يساهم في تحسين النفسية لدى المواطن.

ولتعميم المعرفة الزراعية، يجري العمل اليوم على توضيب وتوزيع سلة بذور مؤلفة من 14 صنفًا زراعيا عبر متطوعين من كشافة الإمام المهدي (عج) والهيئات النسائية في حزب الله، مرفقة بدليل زراعي لـ43 صنفًا من المزروعات سيتم توزيعه قريبًا، وفيه إرشادات تفصيلية لكيفية الاعتناء بكل نوع من أنواع الخضراوات الموجودة في السلة، وهو بسعر رمزي يبلغ 7 ألاف ليرة لبنانية، في حين أن سعر هذه السلة في السوق يصل إلى 25 ألف ليرة.

المفاجأة، بحسب ياغي، كانت بنسبة الإقبال الكبيرة على المشروع والاتصالات الكثيفة من المواطنين في قرى الاتحادات من الراغبين بخوض التجربة، فكانت أول دفعة عبارة عن 4500 سلة وزعتها البلديات مجانا، في حين أن السعي اليوم لتوزيع 8000 سلة بذور أخرى بالسعر الرمزي.

كما رجح ياغي التوجه لتوزيع 8000 سلة أخرى أيضًا في القريب لتلبية كل الراغبين بزراعة "حاكورتهم"، في ظل قرار التعبئة العامة بفعل انتشار فيروس كورونا، وتقنين التعاونيات لعمليات الشراء وتحديدها، ما دفع الكثيرين للعودة للأرض.

ماذا عمّن لا يمتلك الأرض ويرغب بخوض التجربة؟

ياغي أكد لموقعنا أنه حتى من لا يمتلك أرضا أو مساحة يمكنه الاستفادة من المشروع، والأمثلة كثيرة، والفيديوهات التعليمية التي تنشرها مؤسسة "جهاد البناء" على وسائل التواصل الاجتماعي كافية ليتمكن المواطن من زراعة أحواض الشُرفة بالخضار بدلًا من الورود، أو سطح المنزل، وحتى زراعة البطاطا بالأكياس ممكنة، لأن المساحة ليست عائقا أبدا.

وعليه، لمن يرغب في خوض التجربة التوجه الى مؤسسة "جهاد البناء" ضمن مراكزه المنتشرة في لبنان، فيوجد مركز في الهرمل ومركز في بيروت ومركز في النبي عثمان ومركز في دورس ومركزان في الجنوب في النبطية وفي دردغيا ومركز في الشمال أيضا.

الجنوب يعزز مفهوم العودة إلى الأرض والزراعة المنزلية

وكما في البقاع، كذلك في الجنوب يجري العمل على قدم وساق لتعزيز مفهوم العودة إلى الأرض عبر التشجيع على الزراعة المنزلية. مدير مديرية الجنوب في مؤسسة "جهاد البناء" قاسم حسن يؤكد لموقعنا أن المشروع ليس مستجدا في المؤسسة، إذ انطلق منذ سنوات، مع 25 قرية، ونتيجة الأزمة الاقتصادية وانتشار فيروس كورونا في لبنان، وسعت المؤسسة العمل ليطال 80 قرية في محافظتي الجنوب الأولى والثانية.

في المرحلة الأولى تم تأمين بذار البطاطا لـ622 عائلة في قرى إقليم التفاح، مع تدريبها على زرعها ومتابعتها، ثم جرى توزيع مجموعة مؤلفة من 70 شتلة من 9 أصناف من الخضراوات، لما يقارب الـ12 ألف عائلة في الجنوب، وصولًا إلى توزيع مليون شتلة على قرى الجنوب، عبر مركزين للمؤسسة في الطيرة ودردغيا لزراعة الشتول وتوزيعها.

المشروع بحسب حسن مدته 3 سنوات، ومع توقع أن تطول الأزمة الاقتصادية، فإن مؤسسة "جهاد البناء" بصدد إجراء مسح للأراضي مع بدء موسم الري الجديد لزراعة الحنطة والقمح والشعير وفي المرحلة المقبلة ستعمل على تأمين الثروة الحيوانية للمنازل ليكون الاكتفاء الذاتي متكاملا من حيث المستلزمات الغذائية من خضار ولحوم ومشتقات الحليب.

قرى اتحاد بلديات شرق بعلبك تعطي المزارعين "صنارة بدلا من السمكة"

ولاستطلاع مسار الأمور في المشروع على الأرض، كان التواصل مع كل من اتحاد بلديات شرق بعلبك في البقاع، واتحاد بلديات جبل عامل في الجنوب. رئيس اتحاد بلديات شرق بعلبك علي شكر أكد أن المشروع بالتنسيق مع مؤسسة "جهاد البناء" بدأ مع زراعة القمح في تشرين الماضي، وجرى حرث وزرع 150 دنما من المساحات التي تعود ملكيتها لمواطنين، في حين جرى توزيع 500 سلة من البذور المؤلفة من 14 صنفا من أصناف الخضراوات، مثل البندورة، الخيار، الفلفل الحار والحلو، المقتا، البقدونس، الكزبرة، الملوخية والبامية على 150 دنما أخرى من الأراضي في قرى الاتحاد، على قاعدة "أعطني صنارة ولا تعطني سمكة".

أما التوجه للمرحلة المقبلة بحسب شكر فهو لإنشاء مشتل لتكثيف زراعة الزعتر في اتحاد بلديات شرقي بعلبك، فضلا عن استكمال المشاريع لزراعة كافة الأصناف بالتعاون مع مؤسسة جهاد البناء علّها تصبح يوما ما مصدرا للرزق لكثير من أهالي قرى الاتحاد.

اتحاد بلديات جبل عامل يرفع شعار "قعود بالبيت وكول من الحاكورة"

رئيس اتحاد بلديات جبل عامل في الجنوب علي طاهر ياسين يشرح لموقعنا أهمية الحفاظ على الأمن الغذائي وبالتالي تحقيق التنمية الشاملة، معددا جملة من المشاريع التي عمل عليها الاتحاد بالتعاون مع مؤسسة "جهاد البناء"، من مشروع "لكل مواطن ثمرة" إلى مشروع "الحاكورة"، المنقسم إلى جزأين صيفي وشتوي.

المشروع المتواصل من البقاع وحتى الجنوب، كان المخطط منه بالنسبة للاتحاد توزيع 180 ألف شتلة لقرى الاتحاد، ولكن مع ظهور الأزمة الاقتصادية تم توزيع 470 ألف شتلة أي بحدود نصف مليون شتلة.

يحدثنا ياسين عن التعاون الاستراتيجي مع مؤسسة "جهاد البناء"، لكونها معروفة بالنشاط والمهنية على صعيد الموارد البشرية المتاحة وموارد المعلومات. الميزة لديهم بحسب ياسين أن ما نشتريه مضمون لجهة النوعية، فضلا عن التنسيق لإقامة دورات تدريبية للناس من غير المزارعين، وعليه استطعنا تأمين شتول بأسعار منخفضة، ووزعناها على قرى الاتحاد البالغ عددها 16 قرية، مع متابعة متواصلة لكيفية زراعة الشتول بالتنسيق بين القسم الزراعي في الاتحاد ومؤسسة "جهاد البناء".

الإقبال على المشروع في قرى الاتحاد كان بحسب ياسين لافتًا، والطقس لعب دورًا، واقتراب شهر رمضان المبارك ورغبة المواطنين بتجهيز قوتهم خلال الشهر الفضيل من الخضراوات لصحن الفتوش ساهم بشكل كبير بتشجيعهم. يشدد ياسين على أن المنتج الصحي عبر الزراعة المنزلية أمر لا يقدر بثمن، لذلك رفعنا شعار "قعود بالبيت وكول من الحاكورة".

البلدياتجهاد البناءفيروس كورونا

إقرأ المزيد في: خاص العهد