خاص العهد
هل تعود الحياة الطبيعية بشكل تدريجي بدءاً من الشهر المقبل؟
فاطمة سلامة
هل تعود الحياة الطبيعية بشكل تدريجي الشهر المقبل؟. يبدو هذا السؤال من الأسئلة الأكثر ترداداً اليوم. فكلام وزير الصحة الدكتور حمد حسن الأخير عن أن 15 أيار/مايو قد يكون تاريخ موعد البدء التدريجي للعام الدراسي، وتصريحه أيضاً عن تخطي لبنان القطوع الأسود، واقتراب عاصفة كورونا من نهايتها، هذا الكلام أوجدَ الأمل بإمكانية عودة الحياة شيئاً فشيئاً الى سابق عهدها، دون أن يحسم في المقابل خارطة الطريق المقبلة. فالوزير وعلى تفاؤله، تراه في المقابل واضحاً وصريحاً، ومن منطلق العالم بمسارات الأمور يُشدّد على أنه لا يمكننا إعطاء أجوبة حول مدة استمرار الإجراءات من عدمها إلّا بعد 10 أيار/مايو المقبل. اذ إنّ الحكومة ووزارة الصحة اللبنانية التي استطاعت إنجاز الكثير في معركة "الكورونا"، لا ترضى بأن يجري تدمير كل شيء بقرار متسرّع تُفك بموجبه حالة التعبئة العامة. مع الإشارة طبعاً الى أنّ موعد انتهاء التعبئة العامّة تحدّده الحكومة مجتمعة، بناء على معطيات وزارة الصحة وتوصيات لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس "كورونا". فلماذا ضرب وزير الصحة 10 أيار موعداً لإعطاء الأجوبة؟ وما المعايير التي ستتم على أساسها عملية التقييم؟.
نتائج الفحوصات العشوائية معيار أساسي
لدى سؤال مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية النائب السابق الدكتور وليد خوري عن المعايير التي سيعتمدها لبنان لاستعادة الحياة بشكل تدريجي، يُجيب بوصفه عضواً في لجنة متابعة التدابير والإجراءات الوقائية لفيروس "كورونا" بالتأكيد أنّ هناك عدة معايير علمية نناقشها في اللجنة التي تقيم اجتماعات شبه يومية. ففي آخر اجتماع وضعنا نوعاً ما معايير علمية لنقرّر على ضوئها ما الذي يجب أن يحصل لناحية التعبئة العامة في الفترة المقبلة. هذه المعايير مرتبطة بشكل أساسي بنتائج الفحوصات العشوائية التي بدأت بإجرائها وزارة الصحة. تبعاً لخوري، فإنّه وبعد عشرة أيام يجب أن تعطينا وزارة الصحة -والتي تقوم بعمل "عظيم"- يجب أن تعطينا نتيجة الفحوصات العشوائية.
بماذا يفيد هذا النوع من الفحوصات؟. وفق خوري تخوّلنا الفحوصات العشوائية معرفة نسبة الإصابات للاشخاص الذين ليس لديهم عوارض. وهنا يتوقّف خوري ملياً، فيشرح أهمية التعرف على هذه النقطة، فنحن في لبنان ليس لدينا معلومات عن نسبة الأشخاص المصابين بلا عوارض خصوصاً أنّ هناك مناطق لم تجر أبداً فحوصات pcr نتيجة عدم إصابة ساكنيها. ويوضح خوري أن الفحوصات تركّزت في الفترة السابقة فقط على الأشخاص الذين شعروا بعوارض، وعلى محيطهم، بالإضافة الى القادمين من الخارج. اذاً، لا فكرة لدينا عن الشعب اللبناني على امتداد المناطق لجهة نسبة المواطنين الحاملين للإصابة بلا معرفة هذا الأمر، وهذا الشيء خطير -وفق خوري- الذي يوضح أنّ كل شخص حامل للفيروس بلا مؤشرات الإصابة، باستطاعته نقل العدوى الى أشخاص كثر، وهذا أمر مقلق.
ويسأل مستشار رئيس الجمهورية: لماذا لم نجر فحوصات عشوائية في السابق؟ ويجيب على نفسه بالقول لأنه لم يكن لدينا مختبرات جاهزة لإجراء فحوصات الـpcr، كان لدينا فقط 5 أو 6 مختبرات، جلهم في بيروت. أما اليوم فقد أصبح لدينا نحو 14 مختبراً وفي كافة المناطق اللبنانية وجاهزة للقيام بالفحوصات. هذا الأمر يمكننا من إجراء ما بين الـ1500 والـ2000 يومياً. وهنا يؤكّد خوري أنّ الفحوصات العشوائية ستخوّلنا بعد أيام من انطلاقتها معرفة ما إذا كان الوباء منتشراً في لبنان أم لا. وبناء عليه، وبحسب النسب والأرقام يُتخذ القرار المناسب. ففي حال كانت النسب جيدة جداً، تُرفع التوصية الى الحكومة بإمكانية تخفيف الإجراءات أو غير ذلك من القرارات.
من غير المنطقي رفع التعبئة العامة دفعة واحدة
لكنّ خوري يعرب عن رأيه بأنه من المفيد وفي ظل نتائج الأرقام المرضية حتى الساعة والتي تُبين انخفاض عداد الإصابات، من المفيد أن تتجدد التعبئة العامة لأسبوعين إضافيين، مع فتح بعض المحلات الصغيرة بالتوزاي مع التشديد على قضية التباعد الاجتماعي. برأي المتحدّث لا نستطيع أن نرفع التعبئة العامة دفعة واحدة، مع الإشارة الى أنّ لجنة "الكورونا" سترفع توصية الى مجلس الوزراء في اجتماعها يوم غد الاربعاء حول استمرار التعبئة العامة من عدمها. وطبعاً، عندما نقول عودة الحياة الطبيعية ليس معناها أن يعود كل شي دفعة وحدة، فمن غير المنطقي رفع التعبئة العامة دفعة واحدة والا ندمّر كل ما أنجزناه خلال الشهرين الماضيين.
قطعنا مرحلة دقيقة بنجاح تام ولكن لا يجوز أن نرتاح كثيراً
لا يُخفي خوري أننا بالتأكيد تخطينا القطوع الأسود وقطعنا مرحلة دقيقة بنجاح تام، وما حصل من إقفال للمدارس والجامعات والمطار والحدود، ساعدنا للحصول على هذه النتيجة "العظيمة". الا أنه يستطرد بالاشارة الى أنه لا يجوز أن نرتاح كثيراً ونطمئن ونقول النتيجة "عظيمة"، ونخرب ما عمرناه وجنيناه سابقاً. من وجهة نظره حتى اذا قررنا رفع التشدد عن بعض القطاعات، علينا أن نقيّم لاحقاً كل الظروف التي ترافق هذا التخفيف.
تماماً كما حصل بقضية عودة المغتربين من الخارج، فنحن نؤيد تلك العودة وهذا حقهم، لكننا في المقابل حريصون على عدم تهديد كل ما توصلنا اليه في لبنان. وعليه، توقّفت العودة لأسبوعين رغم أنّ نسبة الإصابات في صفوف المغتربين كانت مقبولة وبلغت 1.4 بالمئة. وفي هذا الصدد، يُضيف خوري الى الفحوصات العشوائية معياراً آخر يُساهم في إعطاء صورة واضحة عن مستقبل الإجراءات في لبنان، معيار يتعلّق بفحوصات الدفعة الأولى من المغتربين الذين أنهوا فترة الحجر الصحي وسيخضعون لفحوصات pcr جديدة. بحسب خوري سيخضع حتى من ليس لديه عوارض للفحص لمعرفة نسبة الإصابات، والتي من المتوقع أن لا تكون كبيرة، وعليه من المرجّح أن يستأنف لبنان إعادة المغتربين.
المدارس يجب أن تكون آخر الجهات التي ترفع عنها حالة التعبئة العامة
وفي معرض حديثه عن التدابير المهمة التي اتخذها لبنان، يعرّج خوري على خطوة إقفال المدارس والجامعات. بالنسبة اليه، فإنّ قوة نجاح لبنان بمكافحة "الكورونا" كانت بهذه الخطوة التي انتقدها في البداية جزء من المواطنين. صحيح كان قراراً صعباً حينها الا أنّ الحكومة اتخذته بجرأة، وكان هو الأساس الذي جعلنا غير متقدمين بالعدوى، على غرار بعض البلدان المجاورة كتركيا وفلسطين والتي ارتفعت فيها الأعدد بنسب هائلة. يقول خوري هذا الكلام ليُشدّد على أنّ المدارس يجب أن تكون آخر الجهات التي ترفع عنها حالة التعبئة العامة.
الوزير حسن يقوم بعمل "مميّز"
وينوّه مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية بعمل وزارة الصحة، ويشدّد على أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتابع بدقة هذا الملف. يكرّر خوري كل ما يحكى من حولنا لجهة العمل الجبار الذي يؤديه الوزير حمد حسن. برأيه يقوم حسن بعمل مميّز. ويوافق خوري الوزير فنحن تخطينا القطوع الأسود وأنهينا أول موجة بعمل دقيق ومتكامل، وخير دليل على ذلك انخفاض عداد الإصابات، فالوزارة لم تكتف بتتبع حالة المصاب بل كل أفراد عائلته. هذا التتبع -وفق خوري- للوباء ساعدنا كثيراً على تخطي الأزمة. تمامًا كما حصل في بشري عبر الإجراءات التي اتخذت لمحاصرة الوباء. فهذا الحرص والقوة في التتبع والمراقبة بشكل سريع وفوري أعطتنا نتائج إيجابية ومُرضية.
رفع مستوى الجهوزية
إلا أنّ خوري الذي يشير الى النتائج المُرضية، لا يخفي أنّ المعنيين بملف "كورونا" لا ينامون على الحرير، بل إنّ الاحتياط والحذر يبقى واجباً على الدوام. وحصد النتائج المرضية من جهة، لا يُنسينا من جهة أخرى رفع مستوى الجهوزية. وفي هذا السياق، يلفت المتحدّث الى أننا ندرس مسألة زيادة عدد الأسرة الموجودة في العناية الفائقة، فرغم أن العدد مريح، إلا أننا نحتاج الى تكثيفه تحسباً لموجة عدوى كبيرة -لا سمح الله-. علينا أن نكون واثقين من مستوى تحمّل الجسم الطبي لهذا الأمر.
لإجراء توازن بين الحاجة الاقتصادية والحماية من العدوى
ويخلُص خوري في محصلة حديثه الى أنّ كل المؤشرات التي سبقت توصينا بأنّنا لا نستطيع رفع التعبئة العامة كيفما كان، بل علينا الاستناد الى أسس علمية محددة. كما علينا عدم التسرع برفع التعبئة العامة دفعة واحدة. بالأمس -يقول خوري- كان لدينا اجتماع مع مديرين عامين لست وزارات لنحدد سوياً كل في قطاعه ما الملحّ لعودته بشكل تدريجي. فمثلاً في مجال الصناعة بإمكاننا استئناف ما نحتاجه فعلاً. المعادلة تقول إنه يجب أن يكون هناك ميزان بين الحاجة الاقتصادية والحماية من العدوى. هذا الأمر دقيق جداً -وفق خوري- لأنّ أي خطأ يعيدنا الى المربع الأول وكأننا لم نفعل شيئاً في الشهرين الماضيين.