خاص العهد
كيف أثّرت أزمة "كورونا" على سوق العقارات في لبنان؟
فاطمة سلامة
لا يخفى على أحد حجم الأضرار التي لحقت بسوق العقارات في الآونة الأخيرة. هذا السوق باعتراف العاملين فيه بات شبه "ميّت"، خصوصاً بعد توقف القروض السكنية. إلا أنّه وعلى قاعدة "ربّ ضارة نافعة"، دبّت الأزمة الاقتصادية والمصرفية الروح في هذا القطاع. فبين أن تبقى الودائع محجوزة في المصارف، أو يحصل المودع على شيك مصرفي يشتري به عقاراً، بالتأكيد ذهب قسم لا بأس به باتجاه الخيار الثاني. المخاوف من "هيركات" محتمل شجّعت أيضاً على سلوك هذا الاتجاه. إلا أنّ تزامن الأزمة المصرفية مع أزمة فيروس "كورونا" المستجد التي فرضت حالة من التعبئة العامة، أوجدت مشكلة لجهة نقل الملكية، ما حتّم اللجوء الى خيارات قانونية مؤقتة. هذا فيما يتعلّق بالعقارات المعروضة للبيع، أما تلك السكنية المعروضة للإيجار فيجري الحديث عن أزمة حقيقية تشهدها هذه العقارات في المدن، جراء أزمة "كورونا". الأخيرة دفعت بقسم من سكان المدينة الى تركها والتوجه للسكن في القرى والأرياف، مع ما حمله هذا الأمر من تداعيات على سوق الإيجارات في المدن. وفيما يعتبر متابعون لهذه القضية، أنّ النزوح باتجاه القرى لا يزال مقبولاً، يعتبر آخرون أنّ هناك تخمة بالعرض في سوق الإيجارات السكنية في بيروت، وقلة في الطلب.
فكيف يبدو سوق العقارات المعروضة للبيع والإيجارات السكنية في ظل أزمة "كورونا"؟.
رئيس الاتحاد العقاري الدولي ونقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين الأستاذ وليد موسى يُشدّد في حديث لوقع "العهد" الإخباري على أنّ الأزمة المصرفية الأخيرة أوجدت اهتماماً وطلباً على العقارات خصوصاً بموازاة حملات "التهويل" والمخاوف من حدوث "هيركات" على الودائع. هذا الأمر أدى الى ازدياد الطلب والاهتمام بالشراء، لأنّ الهدف واحد هو إخراج الودائع من المصارف ووضعها في العقار. إلا أنّ أزمة فيروس "كورونا" المستجد -وفق موسى- حدّت من إمكانية إتمام عمليات البيع في سوق العقارات. الاهتمام بالشراء لا يزال موجوداً اذ يتلقى عقاريون اتصالات كثيرة من مهتمين، لكن لا أحد باستطاعته الخروج من المنزل في ظل التعبئة العامة. ما يعني أن الاهتمام بالشراء موجود جراء الأزمة المصرفية، ولكنّ الفرد "مكبّل" جراء أزمة "كورونا". فحتى لو تمكّن الفرد من معاينة العقار لشرائه، هناك استحالة بنقل الملكية على اعتبار أنّ الدوائر العقارية مغلقة وليس بالإمكان تسجيل العقار.
وهنا يشير موسى الى أنّ بعض عمليات البيع قد تمت حتى في ظل أزمة "كورونا" تبعاً للمعادلة التالية: إصدار شيكات مصرفية من قبل البنوك إما عبر التحويل من مصرف الى مصرف أو عبر شيك مصرفي للفرد مباشرةً. يُترك سند الملكية وعقد البيع الممسوح لدى كاتب العدل، الى حين رفع حالة التعبئة وفتح الدوائر، وحينها يتم التسجيل. وهنا يغتنم موسى الفرصة ليدعو الحكومة اللبنانية للإسراع بتطبيق مفهوم الحكومة الالكترونية. برأيه، فإنّ من الضروري اللجوء الى هذا الخيار، خصوصاً في ظل الأزمة التي نعيشها ما يساعد المواطنين على تيسير أمورهم من المنزل.
ولدى سؤاله عن سوق الإيجارات السكنية، يوضح موسى أنّ الشقق التي كانت معروضة للبيع أصبح جزء منها معروضاً للإيجار. ففي ظل الأزمة الاقتصادية والمصرفية، شهدنا هجمة على شراء الشقق الفخمة. هذه الشقق يتم "قلبها" بشكل سريع لتصبح شققا معروضة للإيجار كي لا تبقى بلا حركة، مع الإشارة الى أنّ بدل الإيجار يُدفع بالليرة اللبنانية. كما يتطرّق موسى الى الايجارات السكنية التابعة للمالكين القدامى. هذه القضية دقيقة جداً بالنسبة اليه، فهناك الكثير من المالكين القدامى فقراء، ويعتاشون من بدل الإيجار، فلا نستطيع أن نقول لهم إعفوا المستأجرين، وهنا يجب أن تلعب الدولة دوراً مهماً فإما أن تعوّض على المالكين أو تساعد المستأجرين مباشرة، مع التشديد على أننا لا نستطيع ترك المالكين بلا أي مدخول.
ورداً على سؤال، لا ينكر موسى أنّ هناك نزوحاً من المدينة باتجاه القرى، ولكنه نزوح منطقي ومقبول وفق قناعاته. فمن يملك مسكنا في القرية يفضّل التوجه الى هناك خصوصاً مع اقتراب الموسم الصيفي، ونظراً لوجود طبيعة مؤاتية للحفاظ على الصحة. ولكن من لا يملك منزلاً في الضيعة لن يتكلّف -وفق المتحدّث- ويستأجر منزلاً هناك خصوصاً أن بيروت ليست مدينة موبوءة كميلانو ونيويورك.
عرض كبير للإيجارات السكنية وانخفاض في الأسعار
بدوره، صاحب شركة "ترمس غروب للتجارة والعقارات" خالد ترمس يُكرّر في حديث لموقعنا ما قاله نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين لجهة زيادة الطلب على العقارات جراء الأزمة المصرفية. وفق ترمس، هناك طلب كبير على الشراء بواسطة الشيكات المصرفية لتهريب الودائع، وفي المقابل هناك اهتمام بالبيع ولو بأسعار غير مرتفعة. هذا الطلب -برأي ترمس- شمل كافة أنواع الشقق الكبيرة والمتوسطة والصغيرة. وهنا يشير ترمس الى أنّ عدم وجود سعر محدد لمتر الشقة السكنية، عزّز الطلب على الشراء، فمن الممكن أن يبلغ سعر المتر في منطقة ما 700 دولار بعد أن كان 1500 دولار. ويوضح المتحدّث أنّ أسعار الشقق السكنية تراجعت بشكل كبير، اذ لا أحد يبيع بسعر صرف الدولار كما هو في السوق. عمليات البيع تتم وفقاً لسعر صرف يتراوح بين الـ1500 ليرة والـ2000 ليرة.
أما فيما يتعلّق بالشقق المعروضة للإيجار، فيلفت ترمس الى أنّ هناك عرضا واسعا في بيروت والضاحية الجنوبية جراء النزوح باتجاه القرى والمناطق الريفية. هناك تبدو الايجارات زهيدة الثمن مقارنةً بالمدن. هذا العرض الكبير جداً يقابله قلة في الطلب. وفق ترمس، فإنّ نسبة الناس الذين تركوا إيجاراتهم في الضاحية وبيروت وتوجهوا الى القرى تتخطى الخمسين بالمئة. يومياً تردنا اتصالات من أصحاب شقق في المدينة يعرضون عبرنا شققاً للإيجار، بعد أن تركها المستأجرون للتوجه الى القرى. تماماً كما تردنا اتصالات من مواطنين يطلبون شققاً للإيجار في الجنوب والقرى النائية نظراً لرخص الإيجارات والمعيشة هناك.
ويعتبر ترمس أنّه ونتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار، تشهد بدلات الإيجار انخفاضاً بنسبة قد تصل حد الخمسين بالمئة. اذ إنّ قلة قليلة لا تزال تدفع الإيجار بالدولار ولا تتخطى الـ4 بالمئة، بينما بقية المستأجرين يدفعون البدلات بالليرة اللبنانية.
وفي الختام، يتمنى ترمس أن يعود القطاع العقاري الى سابق عهده، كما كانت الحركة فيه منذ سنوات بجهود الحكومة الجديدة، إلا أنّه يشير الى أنّ هذا الأمر يحتاج وقتاً نظراً لارتباط القطاع المصرفي بالقطاع العقاري.