خاص العهد
المنظمات الدولية ومواجهة كورونا لدى النازحين: أن تأتي متأخرًا خير من أن لا تأتي
ياسمين مصطفى
غير مرّة، حذر وزير الصحة حمد حسن من كارثة وبائية تشكل تحديا لكل المؤسسات الدولية ولبنان. الوزير أخذ على المؤسسات الدولية المعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين البطء في تطبيق خطط تنفيذية لدعم القطاع الصحي اللبناني، الذي قد يصل أقصى قدراته الاستيعابية في حال تفشي الفيروس في صفوف النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين، ما اعتبره هدرا ومجازفة بمستقبل انتشار الفيروس، على مستوى النازح السوري واللاجئ الفلسطيني والبيئة اللبنانية الحاضنة على حد سواء.
فما هو رد المؤسسات الصحية الدولية في لبنان على إشكالات وزارة الصحة في ما يخص اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين؟ وما سبب تأخرها في الاستجابة لخطة مكافحة الفيروس، في بلد يحتضن 1.5 مليون نازح سوري وأكثر من 200,000 لاجئ فلسطيني؟
منظمة "الأونروا" انسحبت وبقي اللاجئون الفلسطينيون في المخيمات يقاتلون باللحم الحيّ
الإشكال الذي أثاره وزير الصحة على أداء المؤسسات الصحية الدولية يتطابق ومواقف الفصائل الفلسطينية في المخيمات. عضو قيادة الساحة في حركة فتح في لبنان منير المقدح سأل ساخرا في حديثه لموقع "العهد" الإخباري عن مكان وجود هذه المؤسسات على الأرض في المخيمات الفلسطينية، جازما أنها انسحبت من المخيمات مع بدء انتشار فيروس كورونا في لبنان، مشيرا إلى أن لا وجود لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" لا على المستوى الصحي والطبي ولا على المستوى الإغاثي في المخيمات.
يسأل المقدح عن الوقت المتبقي لجهوزية مهنية سبلين كمركز لعزل المصابين بالفيروس من أبناء الشعب الفلسطيني، وما إذا كان افتتاحه سيسبق وصول الفيروس إلى المخيمات، أم بعد انتهاء الأزمة. بحسب المقدح "الأونروا" ليست عاجزة عن إنشاء غرف عزل في كل المخيمات الفلسطينية على الأراضي اللبنانية، خاصة أن وضع المخيمات الصعب لا يسمح لأي فرد بعزل نفسه، مع وجود 10 من أفراد أسرته في خيمة من غرفتين. ويسأل المقدح: أليست منظمة الأونروا هي المسؤول الأول والأخير عن شؤون اللاجئ الفلسطيني في لبنان؟ "كلو حكي فاضي"، يعقّب المقدح على وعود المسؤولين في المنظمات الدولية النازحين واللاجئين بخطط "في طور التنفيذ"، موضحا أن المؤسسات الفلسطينية داخل المخيمات تعمل باللحم الحيّ، وهي التي اتحدت وقامت بحملات تعقيم داخلها وعلى مداخلها، لكن الأونروا لم تقدم حتى أدوات التعقيم والنظافة".
"الأونروا" دخلت عام 2020 بعجز بلغ 55 مليون دولار.. مناشدة الدول المانحة لم تثمر حتى اليوم
تُسهب المتحدثة باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في لبنان "أونروا" هدى السمرا سعيدي في حديثها لموقعنا عن "إجراءات" المنظمة المعنية بشؤون اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، لكن دون الحديث عن اللاجئين أنفسهم. تشرح لنا خطط المنظمة لتوعية وإرشاد وحماية الكوادر الطبية والإدارية العاملة في العيادات التابعة لها في المخيمات، من توزيع المعدات الواقية وأدوات التعقيم، إلى التخفيف من زيارات اللاجئين الفلسطينيين اليها.
ولدى سؤالنا عن أحوال اللاجئين الفلسطينيين، الذين هم في عُهدتها، تقول:" بدأنا اجتماعات تنسيقية مع شركائنا الآخرين من المنظمات الدولية أو ما يعرف بالـNGO’S، وبالاتفاق معهم أكدنا على أن يصار إلى توزيع أدوات التعقيم على اللاجئين في المخيمات، لكننا تعهدنا بتغطية الفحوصات الطبية والاستشفائية لأية حالة من حالات الإصابة بالفيروس".
وفي ردها على المقدح، تؤكد أن مهنية سبلين على وشك أن تصبح جاهزة لاستقبال المعزولين بسبب فيروس كورونا، ممن يصعب عليهم عزل أنفسهم في المخيمات، وعن التأخير في افتتاحه والموعد المرتقب لذلك تقول ملقية بالحجة على الدولة اللبنانية:" لا يمكنني تحديد وقت لانتهائه لأن بعض الأمور العالقة لها علاقة بالحكومة اللبنانية، التي من المفترض أن تكشف على المركز وإعطائنا الإذن بافتتاحه"، وتضيف:" نحن شهدنا ارتباكا وانهيارا لدول كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وألمانيا وغيرها بفعل أزمة فيروس كورونا، ونحن كمنظمة دولية لا يمكننا التحضر لهكذا أزمة والتنبؤ بها قبل حدوثها، كما أن تحويل صرح تعليمي ومركز تقني ومهني إلى مركز طبي شبيه بالمستشفى لا يكون بليلة وضحاها فهو يتطلب معدات ومتعهدين وأمورا هندسية إضافة إلى أنها تكلف مبالغ مالية كبيرة، وموافقة من منظمة الصحة العالمية والدولة اللبنانية".
وفي ردها على سؤال حول وجود مشكلة في التمويل قد تكون ساهمت في تأخير استجابة المنظمة لمحاربة الفيروس، تقول السعيدي:"مشكلة التمويل لدى وكالة الأونروا ليست حديثة وإنما هي قبل انتشار فيروس كورونا حول العالم، نحن دخلنا العام 2020 ولدينا عجز قيمته 55 مليون دولار من العام 2019، وقد رفعنا طلبا للدول المانحة للحصول على تمويل دون نتيجة، ومع بدء أزمة كورونا جددنا الطلب من الدول المانحة لتمويل خطة إغاثية للمنظمة في لبنان لتساعد اللاجئين الفلسطينيين وكذلك لم ننجح بجمع المبالغ المطلوبة، لكننا حاليا نحاول جمع أموال وموارد من البرامج الداخلية للمنظمة في لبنان لصرف مساعدات، وحتى اليوم لم نؤمن سوى مبالغ مالية من مواردنا الداخلية".
تأسف السعيدي لكون تعبير الدول المانحة عن رغبتها بدعم المنظمة لم يُترجم زيادة في التبرعات على الأرض، وتختم:" لا يسعنا سوى حثهم على التبرع بالمزيد لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين من فيروس كورونا".
مفوضية اللاجئين: التأخير غير مقصود
من جهتها، تقول الناطقة باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون النازحين السوريين في لبنان ليزا أبو خالد في حديثها لموقع "العهد" الإخباري أن التأخير في إطلاق خطة الاستجابة -إن وُجد- فهو ليس مقصودا، نحن في المفوضية نعي خطورة انتشار الفيروس في الدول، ونعلم جيدا أنه لا يميز بين عرق ودين وطائفة وجنسية، لذلك وحتى لا يترتب ضغط على القطاع الصحي اللبناني بدأنا بتوسيع القدرات في المشافي الحكومية والخاصة لاستقبال عدد أكبر من المرضى من النازحين السوريين، ومن خلال هذا الدعم سنزيد 800 سرير في المستشفيات المعتمدة لعلاج مرضى كورونا فضلا عن 100 سرير في العناية المركزة، ليس كل هذا جاهز لكننا نتابع على الأرض هذا الموضوع يوما بيوم. المفوضية هي منظمة دولية لها خبرة كبيرة في الاستجابة للأزمات وبشكل سريع والكارثة حلت على كل الدول لكننا نحاول في لبنان قدر المستطاع التخفيف من حدة الأزمة".
تلفت أبو خالد إلى ضرورة استكمال عدد من الخطوات قبل افتتاح مراكز العزل، من الاستحصال على الرخص من السلطات اللبنانية، إلى انتظار وصول المعدات من الخارج، وكل هذا بحسب أبو خالد يتطلب وقتا: "نحن نوسع قدراتنا ومستمرون في هذا العمل وهو أمر إيجابي".
لا تغفل أبو خالد عن أن التحدي الأكبر لدى هؤلاء هو تحدي حجر أنفسهم والتزام العزل في مخيمات، فتقول:" في كل دول العام 20% من حالات الإصابة بالفيروس ستضطر لدخول المستشفيات بسبب الإصابة أما الـ80% المتبقية فيجب التزامهم العزل المنزلي، لذلك تعمل المفوضية على انشاء مراكز للعزل في المخيمات أو إلى جانبها أو في مناطق فيها مبان شاغرة نحاول تجهيزها، مؤكدة أن هناك عددا من المراكز تم تجهيزها في البقاع وفي الشمال وفي مختلف المناطق التي تحوي عددا كبيرا من اللاجئين".
رئيس لجنة الصحة النيابية: أن تعمل المنظمات الدولية متأخرة خيرٌ من أن لا تعمل أبدا
على صعيد البقاع، يشرح رئيس لجنة الصحة النيابية د. عاصم عراجي لموقع "العهد" واقع النزوح السوري فيقول:" في بر الياس وحدها هناك 110,000 نازح سوري، وفي البقاعين الأوسط والغربي هناك ما يفوق نصف مليون نازح سوري"، وبعد تنبيهات وزير الصحة والحكومة اللبنانية، قامت مفوضية اللاجئين بتسريع وتيرة العمل لديها لأجل حماية النازحين السوريين في البقاعين الأوسط والغربي من استفحال فيروس كورونا بينهم، فعمدت إلى استئجار قسم من مستشفى دار الأمل لاستقبال مرضى كورونا من النازحين السوريين حصرا، كما اتفقت مع مستشفى العبد الله في رياق لأخذ قسم منه لاستقبال مرضى كورونا من النازحين السوريين أيضا، فضلا عن عملها على استحداث مستشفى ميداني في المنطقة".
"التأخير لديهم موجود والبطء واضح"، يقول عراجي، ويستدرك قائلاً: "أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي، ونشكر الله على عدم انتشار الفيروس في صفوف النازحين السوريين، وهذا لطف إلهي. لو انتشر الفيروس بين النازحين السوريين لكانت الكارثة كبيرة، لأن في بعض الخيم يعيش 10 أفراد من عائلة واحدة. نعم تم توزيع معقمات من قبل المفوضية وتم نشر التوعية والتنسيق بينها وبين البلديات كبير، لكن التأخير حصل في تأمين أماكن العزل، خاصة أن المخيمات غير مجهزة ليتمكن سكانها من عزل أنفسهم فيها بسبب الاكتظاظ".
ويختم عراجي:" المستشفيات تعاقدت مع المنظمات الدولية، لأنه لا قدرة استيعابية كبيرة لدى المشافي الحكومية لاستقبال مرضى كورونا من النازحين السوريين. الأزمة عالمية ونقص التمويل ونقص الأدوات الطبية هما مشكلة عالمية تواجهها كبرى الدول ولذلك فقد يكونون في المفوضية يواجهون هذه الأزمة ايضا".
المخيمات الفلسطينية في لبنانفيروس كوروناالنزوحوزارة الصحة اللبنانية