خاص العهد
عمال "اليومية" بين الالتزام بالحجر المنزلي وتأمين قوت عيالهم
فاطمة سلامة
أخبرتني إحدى الزميلات أنها استيقظت عند الرابعة والنصف فجر اليوم على صوت رجل يصرخ في الحي بوجه القوى الأمنية قائلاً "ماذا تريدون مني؟ اتركوني، ذاهب أبحث عن لقمة عيش لأبنائي". طبعاً، من حق القوى الأمنية إيقاف الرجل لمساءلته طالما خرق قرار حظر التجول الذي أقرته الحكومة لمصلحة المواطنين لحمايتهم من فيروس "كورونا"، ولكن من حق الرجل على الدولة في المقابل تأمين قوت يومه لإعالة أسرته. خروج الرجل في هذا الوقت ربما يختصر حال عشرات الآلاف من الأسر اللبنانية التي فقدت قوت يومها بعدما بات معيلها بلا عمل جراء ملازمة المنزل. حال هذه الأسر أصبح بالويل كما يقال.
استطلاع حال بعضها عن قرب يُبيّن المستوى الصعب الذي وصلت اليه الطبقات الاجتماعية، والتي لم تعد تحتمل سياسة الترقيع التي تستخدمها الأسر لتيسير الحال. واذا كان ما يقارب الـ45 بالمئة من اللبنانيين يرزحون تحت خط الفقر قبل أزمة "كورونا" لا شك أن النسبة توسعت مع انضمام عشرات الآلاف من العمال "المياومين" أو الذين يعملون بـ"اليومية"، والذين لا يستطيعون تأمين قوت يومهم إلا إذا عملوا. هؤلاء تضيق أحوالهم اليوم مع توقف أعمالهم. وللإنصاف، فإنّ الحكومة اللبنانية تسعى سعيها من خلال خطة الطوارئ الاجتماعية للتعويض على الأسر اللبنانية التي تعيش أزمة فعلية جراء الظروف التي فرضها فيروس "كورونا". تماماً كما طرحت قضية المياومين في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة للبحث في كيفية التعويض عليهم. فكم يبلغ عدد هؤلاء العمال؟ وما آخر المستجدات في قضيتهم؟.
الحاج حسن: على الدولة أن تقدم مساعدات مادية
لا يهدأ هاتف عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور حسين الحاج حسن من اتصالات لمواطنين يشكون حالهم جراء انقطاع مصدر رزقهم في الأزمة التي نعيشها اليوم. يؤكد الحاج حسن في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ عمال "اليومية" يعيشون أزمة حقيقية يحارون معها كيف يؤمنون قوت عيالهم، الأمر الذي يدفعه الى التشديد على ضرورة أن تؤمن الدولة لكل من يعمل بشكل يومي مساعدات مادية وليس عينية. هل من السهل أن تحصي الدولة عددهم؟ طبعاً –يقول الحاج حسن- لا شيء لا نتمكّن من إحصائه اذا وضعت الضوابط واتخذت الاجراءات اللازمة. ويتحدّث الحاج حسن عن معاناة الناس والتي تشهد عليها كثرة الاتصالات التي ترده من أرباب أسر تعيش ظروفاً صعبة للغاية. هؤلاء يجب أن يتم انصافهم خاصة اذا استمرت حالة التعبئة العامة واستمر الاقفال. على الدولة أن تساعد مادياً من فقد عمله جراء اقفال المصانع والمطاعم وغيرها، وعليها أن تساعد من يعمل بشكل يومي وتوقفت مصلحته كالسائق، الحلاق، عامل البناء، الخياط وغيرهم لنعبر هذه الأزمة.
فقيه: الاتحاد سيرفع الثلاثاء المقبل لوائح بأسمائهم الى وزيرة العمل
رئيس الاتحاد العمالي العام بالانابة الأستاذ حسن فقيه يؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن هذا الملف مثار متابعة وبحث مع وزيرة العمل لميا يمين الدويهي. يُشدد فقيه أننا ضد الإعاشات والمواد الغذائية، ونؤيد إعطاء الأموال للعمال الذي يعملون بـ"اليومية" وتوقّف عملهم. جزء مهم من هؤلاء ملصق بالوزارات ويسمون بعمال الفاتورة والمتعهدين.
كم يبلغ عددهم؟ يجيب فقيه بالاشارة الى أنّ هذا القطاع هش ومن الصعب إحصاء عدد العاملين به بشكل دقيق. يعطي مثالاً على ذلك، عمال البساتين مثلاً يتوسع عددهم في الموسم أما في الشتاء فيتقلص. لكنّ فقيه يوضح لموقعنا أنّ الاتحاد العمالي العام بكافة نقاباته بصدد تقديم لوائح وجداول كاملة لوزيرة العمل الثلاثاء المقبل بحيث ترفع كل نقابة أسماء الذين تضرروا لديها مع المهنة والمنطقة التي يتبعون لها، والوزيرة بدورها سترفع الجداول الى اللجنة الوزارية التي تتابع هذا الموضوع. وهنا يستغل فقيه الفرصة للتنويه بجهود الوزيرة الدويهي وتفهمها لأوضاع العمال، فالاتحاد على تواصل يومي معها لمعالجة هذه القضية. وفي معرض حديثه، يوضح فقيه تلقي الاتحاد العديد من الشكاوى التي رفعت الصوت من هذا الواقع الصعب الذي تعيشه والتي لم تجد خلاله أي مصدر آخر للانتاج وبالتالي للعيش. ويشدد فقيه على ضرورة إعطاء مساعدات مالية شهرية بعيداً عن المؤن كما يؤكد ضرورة التدقيق بالجداول التي سترفع والتي يجب أن تكون بعيدة كل البعد عن المحسوبيات، لا بل يجب أن تتم في أجواء من الشفافية المطلقة.
لا ينكر فقيه أن عملية الإحصاء ليست سهلة، لكنها في المقابل قابلة للتحقق شرط وضع معايير شفافة. وهنا يستعرض بعضاً من الأعداد المتضررة جراء الأزمة. سائقو السيارات (40 الف نسمة)، العاملون في قطاع البناء وهو قطاع متدهور حالياً ويبلغ عددهم أكثر من 20 الف نسمة، قطاع صيادي الأسماك وهو من القطاعات التي تضم نحو 4000 عامل من أقصى العبدة الى أقصى الناقورة، هؤلاء يعتاش بهمتهم حوالى 4 آلاف أسرة، كل أسرة تضم حوالى 5 أفراد. طبعاً بالاضافة الى عمال البيع بالتجزئة، وعمال المهن الحرة كالنجارين وما الى ذلك. كما أن هناك بعض القطاعات يعمل فيها الشخص لدى نفسه، كمزارع التبغ مثلاً الذي يعمل بمدخول سنوي بالكاد يصل حد الـ 6 ملايين ليرة، خسر 50 بالمئة منها نتيجة تراجع القدرة الشرائية، و20 بالمئة جراء التضخم لتتدهور حالته وتصبح في الحضيض.
ويؤكّد فقيه أنّ حال لبنان من حال العالم بأسره، لكنه في المقابل يشير الى حزم الدعم الاجتماعي التي تطلقها الدول، إذ إن البرتغال مثلاً وهي أفقر دولة في أوروبا، وضعت حزمة لمساعدة شعبها اجتماعياً بـ9 مليار ونصف المليار دولار. فرنسا أطلقت حزمة بـ45 مليار يورو لإغاثة شعبها. وفق قناعات فقيه فإن اهتمام العالم كله منصب اليوم على قضية الصحة من جهة والمساعدات الاجتماعية من جهة أخرى. برأيه فإنّ الحزمة التي أقرتها الحكومة والبالغة 75 مليار ليرة لا تكفي مقارنة بحجم الأسر المتضررة. باستطاعة الدولة –وفق قناعات فقيه- أن تقدّم مساعدات أكبر بكثير، فالناس قد كُتم على أنفاسها، وأموالها محتجزة في المصارف، والفقر يحاصر الأسر. وهنا يُشدّد فقيه على أنّ جزءاً من الخطة الصحية هي أن ندعم الناس لتبىقى في منازلها وأن لا تخرج أبداً، لأن لا أحد يحتمل أن يرى أطفاله يبكون أمامه من الجوع ويبقى مكتوف اليدين.