معركة أولي البأس

خاص العهد

هل تُطبّق المصارف تعهداتها أمام القضاء وتعطي المواطنين حقوقهم؟
11/03/2020

هل تُطبّق المصارف تعهداتها أمام القضاء وتعطي المواطنين حقوقهم؟

فاطمة سلامة

منذ نحو خمسة أشهر، يعيش اللبنانيون مع المصارف قصّة أقرب الى "السريالية". لكل مودع مع تلك المسماة "مصارف" قصص لا تنتهي فصولها. مودعون باتوا للأسف يتسوّلون "شقاء عمرهم" بالقطارة. موظفون محرومون من سحب رواتبهم بالكامل. أقسى أنواع "الكابيتال كونترول" مورست بحق السواد الأعظم من المودعين. أما أولئك الأقلية الذين تتركّز الثروة بأيديهم فلم يجدوا حرجاً في سحب ما يحلو لهم أو حتى تهريبه الى الخارج. ازدواجية المعايير بالنسبة للمصارف فعلت فعلها، فالهالة السياسية والظهر السياسي لطالما كانا الحكم. أما أولئك الذين لا سند لهم فعليهم أن يعيشوا كافة أشكال المعاناة، بدءاً من ساعات الانتظار الطويلة، مروراً بالمبالغ الخجولة المسموح بسحبها، وليس انتهاء بدفع اللبنانيين الى أخذ ودائعهم بالليرة اللبنانية، ووفقاً للسعر الرسمي. 

ورغم أنّ حصول المودعين على أموالهم وحقوقهم هو أمر بديهي يجب أن يتحقّق بلا منّة من أحد، وبلا أي تدخل سياسي أو قضائي، إلا أنّ المصارف أدارت الأذن الطرشاء لكافة التوصيات والانتقادات التي طالتها، ما اضطر القضاء الى التدخل لإعطاء المواطنين حقوقهم. أمس الثلاثاء، عُقد اجتماعان متتاليان ضما النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، والنائب العام المالي القاضي علي إبراهيم والممثلين القانونيين للمصارف اللبنانية من جهة، وجمعية المصارف من جهة أخرى. وقد خلص اللقاءان الى الاتفاق على 7 نقاط أساسية تصب في مصلحة المودعين والموظفين الذين ذاقوا الأمرين. كما تُمكّن من تأمين متطلبات شراء المستلزمات الطبية وأقساط التعليم وتكاليف الطبابة والاستشفاء وتسديد الضرائب وكلّ ما هو ضروري، عبر تحويلات بالعملة الأجنبية إلى الخارج.

كذلك تتعهّد المصارف بدفع كامل المبالغ المحولة من الخارج (Fresh money) وعدم حجزها، فضلاً عن بنود أخرى ذات أهمية. ولعل السؤال الأساسي اليوم: هل تمتلك المصارف الإمكانات لتنفيذ تعهداتها بعدما بقيت لخمسة أشهر تشكو وتئن من ضيق الحال وتحرم المواطنين حقوقهم؟ وما الذي يضمن عدم إخلال المصارف بتعهداتها من جديد؟. 

القاضي ابراهيم: تدابير أشد وأقسى في حال الاخلال بالتعهدات

يُجيب المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم على السؤال الثاني بالإشارة الى أن لا تهاون هذه المرة مع أي إخلال بالتعهدات تمارسه المصارف. ويؤكّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ ما توصلنا اليه مع المصارف أمس الثلاثاء مهم جداً، وهدفه الأول حماية مصلحة المودعين الى حد كبير. ذلك الهدف الذي كنت أرمي اليه من خلال قراري الشهير الذي وضعت فيه إشارة "منع تصرف" على أصول 21 مصرفاً. ويلفت القاضي ابراهيم الى أنّ المصارف عبّرت عن التزامها بالبنود التي تم الاتفاق عليها، وبالبدء بتطبيقها منذ اليوم 11 آذار 2020 ولغاية عام. وهنا يُشدّد المدعي العام المالي على أنّه وفي حال لم يتم الالتزام بهذه التعهدات، سأقوم بالتدبير الذي سبق أن قمت به الأسبوع الماضي أي وضع إشارة منع تصرف على أصول المصارف المخالفة، وقد أعمد الى تدابير أشد وأقسى على اعتبار أنّ هذه المصارف أخّلت بتعهداتها أمام القضاء، بعد أن قدّمت ضمانات بتنفيذ البنود السبعة. 

 

هل تُطبّق المصارف تعهداتها أمام القضاء وتعطي المواطنين حقوقهم؟

 

ويُكرّر القاضي ابراهيم أنّ قرار "منع التصرف" الذي جُمّد قد نعيد تفعيله بدرجة أشد في حال لم يتم الالتزام به. ورداً على سؤال حول قدرة المصارف على التطبيق، يقول ابراهيم "لو أنهم لا يستطيعون تطبيق البنود لما التزموا بها". عليهم التطبيق وعلينا القيام بواجباتنا الوطنية، يختم ابراهيم. 

هل تمتلك المصارف الإمكانات؟

رغم تسجيله ملاحظات على التدخل القضائي في ملف المصارف، فهناك جهات أخرى مخوّلة التعاطي بجدية وحزم مع هذا الملف على رأسها وزارة المالية، يُشدّد الخبير الاقتصادي الدكتور حسن مقلّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على أهمية المضمون الذي صدر عن اتفاق الأمس. برأيه، كافة البنود قابلة للتطبيق، لا بل باستطاعة المصارف تقديم ما هو أبعد منها. وهنا يسأل مقلّد لماذا لا تقدّم المصارف أكثر مما تم الاتفاق عليه؟ هل باستطاعة أحد أن يقول لنا لماذا لا ترفع المصارف من السقف المحدّد سحبه شهرياً بالليرة اللبنانية طالما العملة الوطنية متوفرة؟. قد نتفهّم "الكابيتال كونترول" بالعملة الصعبة، ولكن لا نتفهّمه بالليرة اللبنانية، يقول مقلّد. 

ويؤكّد مقلّد أنّ المصارف تستطيع بالتأكيد تطبيق البنود وإعطاء الناس حقوقها، طالما تبيّن اليوم أنّ هذه المصارف، وباعتراف الهيئات الرقابية حوّلت الى سويسرا وخلال ثلاثة أشهر و10 أيام 4 مليارات دولار. يأخذ مقلّد على هذه المصارف عدم مصارحتنا وبشكل رسمي كم تمتلك من الأموال لدى المصارف المراسلة، في الوقت الذي يسود فيه كلام جدي عن أنّها تمتلك مليارات الدولارات هناك سواء لناحية أموالها الخاصة، أو الأموال التي تحولت من خلال رؤساء مجالس الادارة الى الخارج. وفق قناعات مقلّد فإنّ هذه الأموال لو قدّر استردادها الى السوق اللبناني لأوجدت مرونة مهمة.

 

هل تُطبّق المصارف تعهداتها أمام القضاء وتعطي المواطنين حقوقهم؟

 

ويُشدّد مقلّد على أنّ الاجراءات التي تمّ الاتفاق عليها أمس الثلاثاء هي إجراءات بديهية يجب تطبيقها بدون أي تردد. هل تمتلك المصارف الإمكانات؟، بالتأكيد تمتلك يقول مقلّد الذي يقيس قدرات المصارف تبعاً للمؤشرات والمعطيات التالية: 

1ـ استرجاع واقع السيولة في الأشهر الماضية، اذ وخلال ثلاثة أشهر و10 أيام أرسلت المصارف الى الخارج 4 مليارات دولار، وسّدد مصرف لبنان "يوروبوند" بقيمة تصل حد الملياري دولار في تشرين الثاني 2019. وفق مقلّد، يستحيل أن يكون الوضع بالمستوى الكارثي الذي يتم التحدث عنه، وقد بانت 6 مليارات دولار وفق الأرقام الرسمية في تلك الفترة التي يقال إنها مأزومة. 

2ـ تمكُن بعض المودعين من سحب ودائعهم مقابل دفع "خُوة" تتراوح بين 30 و40 بالمئة، ما يعني أنّ المصارف تمتلك السيولة. 

3ـ طالما أن هناك أموالاً يجري ترحيلها الى الخارج، معناه أنّ الإمكانات المالية موجودة. 

4ـ إعلان عدة وزراء على رأسهم وزيرا المال غازي وزني والاقتصاد راوول نعمة عقب قرار الحكومة تعليق سداد سندات "اليوروبوند"، أنّ لديهما الأرقام الرسمية عن احتياطات مصرف لبنان والتي تقول إن هناك 29 مليار دولار، 7 منها أعطيت للمصارف لتسديد المستحقات وتغطية طلب السوق من طحين ومحروقات وغيرها. ماذا يعني ذلك؟، يعني أنّ مبلغ 22 مليار دولار لا يزال في حوزة مصرف لبنان عدا عن "اليوروبوند" الخاص بالمصرف المركزي. هذا الإعلان -وفق مقلّد- أتى بعدما بقيت الحكومة والمسؤولون لدينا يخبروننا أن ليس لديهم أرقام احتياطات المصرف المركزي. 

أمام كل ما سبق، يمكن القول ـ وفق مقلّد ـ إنّ الاتفاق الذي حصل بين المصارف والقضاء بغض النظر عن ملاحظاتي عليه قابل للتحقيق، اذ باستطاعة القطاع المصرفي تطبيق مجموعة من الاجراءات الضرورية مهما كان الوضع صعباً، فنحن لسنا في موقع إفلاس كلي لا نستطيع بموجبه فعل أي شيء. على العكس، فإنّ الأموال الموجودة وعلى قلّتها تسمح لنا بإدارة الأزمة بطريقة أفضل وبناء شيء للخروج من النفق بطريقة مختلفة.

بعد هذا العرض، وأمام هذا الواقع يسأل مقلّد: لماذا بقي "الكابيتال كونترول" وسياسة التضييق على أموال المودعين والموظفين؟. سرعان ما يُجيب على نفسه لأنّه وبكل بساطة هناك مصالح مشتركة بين المصارف والطبقة السياسية. الاثنان لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض. لطالما كان هناك غطاء سياسي على المصارف من قبل الطبقة السياسية الشريكة، اذ لا يوجد مصرفي الا ولديه سياسي. 

كما يُرجع الخبير الاقتصادي جزءاً كبيراً من سياسة "الكابيتال كونترول" التي طبّقت الى استخدام الخارج للقطاع المالي والمصرفي كواحد من الحروب البديلة، بعدما عجز البعض عن القيام بحرب عسكرية أو أمنية. هذا الأمر بدأ منذ استخدام سياسة العقوبات وتحديداً القرار الذي صدر بحق بنك الجمال. والملفت ـ وفق مقلّد ـ أنّ الخارج وجد كثيرين في لبنان، مهّدوا الطريق أمامه وساعدوه لممارسة هذه الحرب على الشعب، سواء عن سابق تصور وتصميم أو عن غباء ومصلحة ذاتية، يختم مقلّد.

المصارفالنيابة العامة الماليةcapital controlfresh moneyالقاضي علي ابراهيم

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل