ابناؤك الاشداء

خاص العهد

في تسجيل يبث للمرة الأولى: السيد عباس مواكباً إحدى عمليات المقاومة الاسلامية
16/02/2020

في تسجيل يبث للمرة الأولى: السيد عباس مواكباً إحدى عمليات المقاومة الاسلامية

سامر حاج علي
لو أن للسكون قدرة على الكلام لروى عن مجاهدي زمن البدايات، يوم كان العصر الإسرائيلي يخيم على نفوس مواطني هذا البلد إلا ثلة تكبّرت على الموت فهزمته بدمها حتى صار سبيلاً لكسر جبروت الإحتلال، الذي لا زال عويل جنوده والتابعين له محفور على فتات الصخر المتناثر بين تلال إقليم التفاح.. مسرى السيد عباس الموسوي ومأوى ثوار الزمن الجميل.

وعن مجاهدي الإقليم تحكي كل زوايا المنطقة، هنا سلكوا خطوط النار متدرّعين بأسطر من دعاء كان يردده عالم دين أتى على عجلٍ من إحدى مناطق البقاع. وهنا، عفّروا اجسادهم بتراب أكل من أعمارهم عقوداً كي يفكّ رهن حدوده، وفي كل مكان أثر لمقاوم سلك طريق مقارعة الذل لمّا ارتدى كثرٌ من أبناء جيله ذُلاً لا يغسل عاره زمن، مقاومٌ وجد بين الثغور أباً وأخاً وصديقاً يلازمه، يمسح عنه الألم الساكن في ضلوعه، يطعمه بيده كما لو أنه طفل مدلّلٌ في حضن أمه، يتلو على سكونه آيات من القران وبعض من دعاء تيسير وتوفيق.. كل هذا كان بعض من أسرار الجبهات، وبهذا كانت تقوى سرايا من مقاومين خجولي التجهيز على هزيمة أقوى قوة في المنطقة ذلك الوقت، ولكل هذا صاحبٌ لم يغادر المكان يوماً رغم خروجه من حواجز الحياة الدنياً شهيداً كجده الحسين.. سيد شهداء المقاومة الإسلامية أمين عام حزب الله السابق السيد عباس الموسوي.

بين السيد وعدد من النقاط في إقليم التفاح ذكريات تظل عصية على النسيان يذكرها كل من واكب تلك الحقبة من تاريخ المقاومة ومنهم "بلال" الضابظ في المقاومة الإسلامية الذي اصطحبنا بزيارة إلى مقام نبي الله سجد في البلدة المسماة على إسمه، والمقام نفسه كان قد اتخذه العدو الإسرائيلي موقعاً عسكرياً بعد اجتياحه للبنان، ووضع فيه قوة من جيش العملاء حتى التحرير عام ألفين. في سجد يحكي بلال عن تجربته مع السيد عباس الموسوي وكيف كان السيد متواجداً إلى جانب أبنائه في المقاومة كلما حان موعد مع عملية أو هجوم على مواقع العدو وعملائه، يشارك في أدق التفاصيل من التحضير والإستطلاع إلى وضع الخطط مروراً بنقاط التجمع قبيل البدء بأي عملية وصولاً إلى البقاء مع القيادة في غرفة العمليات حتى إتمام المهمة تماماً كما حصل في عملية سجد الأولى عام 1986.

يذكر بلال أن السيد كان قد طلب منه أن يخبره بمواعيد العمليات كي يكون حاضراً، وعند التحضير لاقتحام موقع سجد كان التجمع في إحدى النقاط القريبة من الموقع، وصل السيد عباس مع وصول المجاهدين فصلى فيهم جماعة وقرأ بصوته بعضاً من الادعية المأثورة ثم شرح أحد المقاومين مراحل العملية وانطلق الجميع إلى المهمة بعد أن قبّلهم السيد واحداً تلو الآخر، مسح على أكتافهم وحمل القرآن ليقبلوه ويمروا من تحته ميممين وجههم نحو ساحة من ساحات الدفاع عن كرامة الوطن.

كان السيد عباس يمتلك حناناً غريباً لا يمكن أن نصفه اليوم، يقول بلال ويتابع "كان مصراً على مواكبة الشبان المقاومين وكان يهتز كثيراً إذا علم يسقوط شهيد ما، يسأل عن اسمه عن مكان سكنه عن كيفية استشهاده"، حتى أن حضوره لم يكن ليشكل حالة معنوية فقط، فالمقاوم مثلاً عندما يرى قيادته معه وإلى جانبه على خطوط التماس كان يشعر بالاطمئنان التام وبمعنويات لا يمكن أن يحصل عليها بأي وسيلة أخرى، وفي احدى المهام كان يشارك معنا اخوة مقاومون من فصيل آخر ولما رأوا السيد بيننا تفاجأوا كثيراً ولم يتردد أحدهم بالقول: أنتم منتصرون لا محال طالما أن قائدكم إلى جانبكم هنا!

ومما لا شك فيه أن جود السيد عباس على الخطوط الأمامية شكل مدرسة قائمة بحد ذاتها في تجربة المقاومة الإسلامية في لبنان، إذ أن مختلف القيادات وبأعلى المستويات في المقاومة دائمة التواجد على خطوط المواجهة الأولى ذلك أن كل تمني هؤلاء لا يتوقف عند المشاركة الجهادية فحسب بل ويصل إلى حدود نيل الشهادة كالإمام الحسين عليه السلام، ناهيك عن الدافع الذاتي لهم بالتقرب من الله أكثر من خلال ذلك. ويشير بلال إلى أهمية وجود القائد إلى جانب جنوده وتأثير ذلك في تحقيق النتائج والإنتصار إضافة إلى التأثير الكبير لهذا التواجد على العدو مباشرة، اذ يزرع الرعب والخوف فيه لأنه يستنتج مدى تماسك وترابط وانسجام قيادة المقاومة وجنودها من خلال تواجدهم معاً في الميادين.

ويزيد بلال من معلوماته عن المشاركات الجهادية للسيد الشهيد فيعدد الكثير من العمليات من موقع الحقبان إلى موقع سجد وعمليات الأسيرين وموقع بئر كلاب وبدر الكبرى والسويداء وعلمان والشومرية والدبشة وعلي الطاهر وغيرها من عشرات المواجهات البطولية التي كان النصر فيها للمقاومين، الذين كان يحدثهم ويخاطبهم عبر الجهاز اللاسلكي من غرفة العمليات مباشرة فيدعوهم إلى التوكل على الله لتحقيق المهام الموكلة إليهم، وقد حصل موقع "العهد" الإخباري على تسجيل صوتي لنداء وجهه السيد عباس الموسوي في احدى العمليات لم يعرض من قبل.


النداء نفسه كان قد سمعه بلال من قبل، فهو كان مشاركاً في تلك العملية فاستعاد بعضاً من صورٍ لم تغادر ذاكرته التي لا زالت تحفظ بكاء بعض الإخوة يومها "فالسيد عباس يخاطبهم ويتحدث اليهم من داخل غرفة العمليات كأنه يهاجم معهم ويحمل سلاحاً ويقاتل مثلهم" ولا تنسى اندفاعهم الكبير نحو الموقع الذي يهاجمونه فاقتحموا الموت بالموت وحققوا النتائج المطلوبة.

وقبل أن يشارف اللقاء مع مجاهد من مجاهدي زمن انطلاقة المقاومة، يجول بنا بلال في الأحراش المحيطة بتلة سجد وفخر، فيشدد على أن العدو الإسرائيلي ركّز وسعى لاغتيال السيد عباس ظنا منه بان المقاومة ستنهار وتسقط معنوياتها ما يمكنّه من تحقيق اهدافه بالسيطرة وتثبيت الاحتلال إلا أنه لا يعرف من أي كربلاء ومن أي مدرسة نحن. ثم يقف مخاطباً قائده الشهيد: هنيئاً لك يا سيد بهكذا قيادة وهكذا مجاهدون تتلمذوا على يديك وأكملوا الطريق من بعدك مستفيدين من كل كلمة وكل موقف منك وكل دعاء وصلاة، هنيئاً لك على الزرع الذي زرعته فأثمر عزة ونصرا وإباء.

ونسال عن المقاومة اليوم في ذكرى شهادة قادتها وقادة محورها كما لو أننا نسأل وفي طياتنا ثقة مطلقة بقدرتها، والإجابة عند العارفين بالقدرة، لا يتردد بلال في التأكيد "نحن في حالة اطمئنان تام اليوم فالذي زرعوه بدمائهم وشهادتهم لا يمكن إلا أن يثمر قوة وشجاعة ونصراً عزيزاً، هم يواكبوننا بأرواحهم التي تحلق معنا، وان هذه المقاومة حتما منتصرة لأن التاريخ اليوم لها وليس لعدوها الذي ينهار شيئاً فشيئاً أمام تضحيات القادة.. سندخل فلسطين فاتحين لكن ما لم نكن نتوقعه هو أننا قد ندخل فلسطين دون عناء كما كنا ندخل بعض المواقع دون عناء.

إقرأ المزيد في: خاص العهد