ابناؤك الاشداء

خاص العهد

خريش لـ
06/02/2020

خريش لـ"العهد": تفاهم مار مخايل صمد وسيصمد والعلاقة متينة بين السيد نصرالله وباسيل

فاطمة سلامة

14 عاماً مرّت على ذكرى التفاهم الذي عُقد بين حزب الله و"التيار الوطني الحر" في كنيسة مار مخايل. أعوام طويلة شكّلت فيها ورقة التفاهم الحصن المنيع للبنان الذي شهد الكثير من التحديات والاستحقاقات. تلك الورقة أُطلقت عليها الكثير من الرشقات من منصات المصطادين بالماء العكر، لكنها بقيت ناصعة البياض. بين الفترة والأخرى، يحاول بعض المصطادين بالماء العكر -ممّن لا تحلو لهم هذه الورقة بما تحمله من قوة للبنان-، يحاولون بث الشائعات والايحاء بأنّ التفاهم اهتز ووقع.

وحين نسأل أصحاب التفاهم عن حقيقة ما يُكتب ويُقال تراهم يُسارعون الى القول إنّ ما يعمل البعض على تصويره ليس سوى أضغاث أحلام. فورقة التفاهم لا تزال ناصعة البياض، لا بل تزداد بريقاً كُلما مرّت علينا التحديات. يضعون كل ما قيل ويُقال في خانة أصوات النشاز التي تُفتّش بين السطور عن أي شيء لتسخيره في خدمة نواياها السيئة. وفق قناعاتهم، لا ينتظر أصحاب التفاهم الذكرى لتأكيد متانة تلك العلاقة بالكلام فقط، بل باتت تلك الورقة نهجًا يسير عليه الحزبان لحل مختلف القضايا والأزمات التي تعصف بلبنان. يؤكّد الحزبان أن الاختلاف في وجهات النظر موجود، لكنّه لا ولن يُفسد في الود قضية. فما بُني على حق وإيمان وقناعة وثقة سيزداد قوة مع مرور الوقت. وهو الكلام الذي تؤكّده نائبة رئيس "التيار الوطني الحر" للشؤون السياسية الأستاذة مي خريش في حديثها لموقع "العهد" الإخباري. 

وتوضح خريش أنّ ورقة التفاهم هي بمثابة دستور يؤسّس لبناء الدولة. برأيها، فإنّ التفاهم بين الرابية وحارة حريك عميق ومتين قدّم الكثير للبنان وحصّن الوحدة الداخلية. وتتوجّه المتحدّثة الى كل المشكّكين بصدقية هذا التفاهم بالاشارة الى أنه صمد وسيصمد في المستقبل ولن تهزه كل أصوات النشاز والشائعات. كما تؤكّد أنّ هناك علاقة متينة تربط الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، وتتجلى هذه العلاقة  في كافة الاجتماعات التي تعقد على الدوام والتي لا يظهر بعضها الى الاعلام. 

وهنا نص المقابلة: 

س. بعد مرور 14 عاماً على التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر. برأيكم، ما أبرز تجليات هذا التفاهم؟ 

ج. التفاهم قدّم الكثير للبنان لأنّه تفاهم متين وقوي قام بين فريقين يمتلكان تمثيلاً شعبياً واسعاً. بين فريقين يمتلكان نوايا صافية، اذ إن أهم أمر لدى عقد أي تفاهم، هو نيّة المتعاقدَين. وهذا هو جوهر تفاهم مار مخايل، حيث التقت مشيئة قامتين وحزبين على نوايا حسنة لما فيه خير للبنان.  وعند التقاء مشيئتين تمتلكان نوايا صافية، نتمكّن من تحقيق الكثير. فرأينا مثلاً أنّ هذا التفاهم حصّن الوحدة الداخلية وشكّل مناعة وسدا منيعا لمن يريد العبث بهذه الوحدة. وهو بالتأكيد تفاهم عميق حول كافة المواضيع الاستراتيجية لحماية سيادة لبنان خاصةً من الأطماع "الاسرائيلية" إن كان في ثروات لبنان النفطية أو المالية.

س. اذا أردنا أن نجري قراءة سريعة لأبرز ثمار هذا التفاهم وانعكاساتها على لبنان، ماذا تقولون؟. 

ج. في البداية، لا شك أنّ هذا التفاهم كسر خوف فريق من آخر. هذا الخوف الذي أنتجه –بطبيعة الحال- البعد وعدم التواصل. ذلك الخوف انكسر عندما التقى فريقان قدّما كل ما يملكان من خير للبنان. فعلى الصعيد الداخلي، حصّن التفاهم الوحدة الداخلية، تلك الوحدة التي كان أول اختبار لها في حرب تموز 2006. رأينا حينها كم حمى هذا التفاهم لبنان، وكيف تجلى بين اللبنانيين وشكّل للمقاومة حصنا شعبيا حاضنا لها في مواجهة "اسرائيل". أيضا أعاد هذا التفاهم إحياء الميثاقية بمعناها الحقيقي. وقد تجلى هذا الأمر بوصول رئيس الجمهورية ميشال عون الى سدة الرئاسة في بعبدا. وأيضا وأيضاً ساعد في محاربة الارهاب وشكل الحصن والحضن الشعبي للمقاومة والجيش اللبناني عندما خاضا معركة محاربة الارهاب في الجرود وغيرها. والجدير ذكره، أنّ هذا التفاهم القائم على ثلاث ركائز أساسية: الاستراتيجية الدفاعية، الديمقراطية التوافقية، وبناء الدولة، حقق الكثير من أهدافه، ما انعكس خيراً على لبنان. ولا شك أنّ هناك بعض الأمور التي نسعى الى تحقيقها في المستقبل  كمحاربة الفساد وبناء الدولة.

س. البعض من المصطادين في الماء العكر يحاولون التصويب على هذا التفاهم، والاشارة الى أنّه اهتزّ ووقع. كيف تردون؟.

ج.  نحن نستفيد من هذه الذكرى لنعيد التذكير والقول إن تفاهمنا متين . كثر من الناس حاولوا زعزعة هذا التفاهم في فترات سابقة. أذكر منها، عندما وصل الرئيس عون الى سدة الرئاسة واتهامنا بالتسوية مع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري واتهام رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل بعقد صفقات مع الحريري على ظهر المقاومة. تبيّن فيما بعد أن كل هذه الاتهامات لم تخرج عن سياق الإشاعات، وتبيّن أيضاً أننا عند كل استحقاق وعندما "تحز الحزات" كان هذا التفاهم يتجلى. ولا ننسى مواقف الرئيس عون وباسيل عندما كان وزيراً للخارجية على المنابر الدولية إن كان في الأمم المتحدة أو الجامعة العربية في الدفاع عن حق لبنان في أن يكون لديه مقاومة وأن يدافع عن سيادته وأرضه بشتى الوسائل. وكل هذا يأتي ضمن التفاهم الذي عقد في مار مخايل. انا اعتبر أنّ تفاهم مار مخايل بمثابة دستور يؤسس لبناء الدولة. وقتذاك دعونا كل الأفرقاء اللبنانيين الى ملاقاتنا لعقد هذا التفاهم الذي لم يكن تفاهماً مع فريق ضد فريق أو على حساب الآخرين.  بالعكس أسّس للاتفاق على تفاهمات وطنية للجميع. لكن للأسف كما جرت العادة في لبنان. كلما اتفق اثنان يعتبر الآخرون أنهما يتفقان ضدههم، وهذه النظرة خاطئة.

 

خريش لـ"العهد": تفاهم مار مخايل صمد وسيصمد والعلاقة متينة بين السيد نصرالله وباسيل


  

س. البعض ينتقد الاختلاف في وجهات النظر بين الحزبين، ويغتنمها فرصة للاشارة الى التباين بينكما. ماذا تحدثوننا عن هذه النقطة؟.

ج.  هذا التفاهم عقد بين فريقين لا يذوبان ببعضهما بعضًا. بل إن كل طرف منهما يحافظ على خصوصيته ويتعامل بندية مع الآخر. هذا التفاهم لا يدفع كما قال الوزير باسيل بحزب الله للعمل لدى "التيار الوطني الحر"، ولا يدفع بالتيار للعمل لدى الحزب. هذه ميزة الأقوياء والأحرار. من الطبيعي أن يكون هناك اختلاف في وجهات النظر بين الحزبين، ولكن هذا الأمر لا يفسد في الود قضية، لأن النوايا صافية وحسنة. وبالتالي فإنّ أي اختلاف  وتباين لا يُفسد التفاهم الكبير ولا يلغي المقاربة المتفّق عليها للقضايا الوطنية الكبيرة. في السياسة، جميعنا يعرف أن الكبار يعملون لصالح المصلحة العامة قبل مصلحتهم الشخصية، وبالتالي عندما يتسلّل التباين في وجهات النظر بين التيار وحزب الله في بعض الملفات، نرى أن الفريقين في نهاية المطاف يفضّلان المصلحة الوطنية. هذا تفاهم الكبار والأحرار، وهذه ميزة التفاهم. 

س. ما مقومات صمود هذا التفاهم؟

ج. ما يميز هذا التحالف أنّ تمثيل فريقيه الشعبي صحيح ونابع من قناعة شعبية وإيمان تام بهما وبخياراتهما، بعيداً عن سياسة شراء الأصوات الانتخابية بالمال. من وجهة نظري، فإنّ قوّة أي فريق بشعبه عندما يكون مقتنعاً بالقضية. على سبيل التبسيط، فإنّ المقاومة لا ترسل الى الجبهة لمحاربة الأعداء الا من يكون مقتنعاً بمبادئها. الأمر ذاته ينطبق علينا، على شعب التيار المؤمن بخياراتنا وقضيتنا ورؤيتنا للبنان. لبنان العيش المشترك، ولبنان الرسالة والقوي. القوي بقوته وبمقاومته، وليس القوي بضعفه كما أوهمونا لسنوات. ليس لبنان الحياد. نعم قد يكون لبنان على الحياد في بعض الأمور التي تتعلق بالدول العربية، لكنه لن يكون على الحياد في حال الاعتداء عليه وعلى أرضه ونفطه ومياهه وكرامته وحدوده. هنا نفهم السر وراء صمود هذا التفاهم. إنه يصمد لأنه تفاهم الكبار والأحرار، وغير التابعين لا لدول ولا لسفارات، ولذلك صمد. صمد وسيصمد في المستقبل، ولن يهزه شيء رغم أننا كل يوم قد نسمع إشاعات عنه من هنا وهناك. وفي كل مرة تتجدّد فيها الذكرى تطالعنا مقالات على مد العين والنظر، تتطرّق  الى بعض الأمور الصغيرة كأن تقول بعض التحليلات إنّ باسيل أغضب المقاومة في هذه الجزئية، أو إنّ باسيل عاتب على فريق المقاومة من هذا الأمر. أود القول إنّ هذا التفاهم ليس فقط لمصلحة التيار وحزب الله بل تفاهم لمصحة لبنان، وطالما هو كذلك لن يزعزعه أي شيء. على العكس تماماً فكل ما يطرأ على هذا التفاهم من تحديات نراه يزداد متانة ومناعة. 

س. من المعروف أنّ هناك علاقة متينة تربط الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله برئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله الحاج وفيق صفا تحدّث في مقابلة سابقة عن هذا الأمر، ولفت الى أنّ باسيل ينظر الى السيد نصر الله على أنه من القديسين. ماذا تقولون؟. 

ج. الحاج وفيق قال وأنا اؤكد. حقيقة هناك علاقة متينة بين الرجلين، وهذا ما رأيناه في الكثير من المحطات، خصوصاً عندما أصبح الرئيس عون في سدة الرئاسة وأصبحت علاقة التيار بحزب الله المباشرة مع باسيل أكثر. هذه العلاقة نراها في عدة أمور وملفات، وتتجلى على الأرض في الكثير من الاستحقاقات. خاصة عند استقالة الحريري المفاجئة والدور الذي لعبه باسيل حينها ولاقاه فيه حزب الله. وتتجلى هذه العلاقة أيضاً في كافة الاجتماعات التي تعقد على الدوام بين باسيل والسيد نصر الله. هناك اجتماعات بين الرجلين لا تظهر الى الإعلام حفاظاً على أمنهما خاصة في ظل الظروف التي نعيشها  ووسط ما يتربص بهذه الشخصيات من شر ونوايا سيئة. وهناك بعض الأمور لا نستطبع اعطاءها للإعلام منعاً لتحميلها أكثر من الواقع. أعيد وأكرّر هناك علاقة متينة بين الرجلين، وخصوصيات معينة. ولا عجب من هذه المتانة  خاصةً عندما تكون العلاقة  بين أناس كبار سواء الرئيس عون أو باسيل مع السيد نصر الله. وبالتالي فإنّ التنسيق والتواصل مستمران  سواء أكان بصورة مباشرة أو غير مباشرة والدليل معالجة كل ما مرّ به لبنان منذ ثلاثة أشهر حتى الآن.  

كلمة أخيرة

أقول الى كل المشكّكين، والذين يزعمون أن هذا التفاهم هو تفاهم مصالح، أقول لهم إنّ هذا التفاهم ليس تفاهم مصالح بل تفاهم ثوابت على بناء الدولة ولبنان الذي نحلم به. ونحن بعد كل هذه السنوات، ورغم كل المحن التي مرّت على لبنان، ندعو كل الأفرقاء الآخرين الى الدخول معنا في هذا التفاهم، لأنّ هناك الكثير من الأمور المشتركة التي اذا اتفقنا عليها نستطيع أن نحصّن أنفسنا من كل الأعداء الخارجيين وخاصة في الموضوع الاقتصادي.
 

إقرأ المزيد في: خاص العهد