خاص العهد
لا حدودَ لجشع آل سعود.. عقارات العوامية الوُجهة الجديدة
لطيفة الحسيني
تُتابع السلطات السعودية مسلسلَ خداع الرأي العام المحلي والعالمي. خلافًا لكلّ ادعاءات الانفتاح على الآخر التي تُسوّق لها كثيرًا في الإعلام الغربي، وعلى الرغم من حملات تجميل الصورة الرديئة للمملكة، تمضي الرياض نحو مزيد من التعسّف وانتهاك الحقوق وخصوصًا لأولئك الذين يُعانون جَورَها واضطهادها.
تزخر محافظة القطيف بنماذج حيّة توضح حجم الإجحاف الذي يتعرّض له ساكنوها الأصليون. هناك، حيثُ مشاريع السلطة لا تنتهي والحجّة الحاضرة دائمًا: التطوير العمراني. الذريعة هذه تُعَنون أيّ مخطّط ميداني تُعلن عنه بلديات المناطق في تلك البُقعة. قبل أيّام، دعت بلدية القطيف أصحاب العقارات الواقعة ضمن مشروع الطرق المحورية في العوامية (مخطط ش. ق 1434) لمراجعتها لاستكمال إجراءات صرف التعويضات الخاصة بالمشروع. عند الغوص بتبريرات التصميم، يتضح أن سبب اعتماد البلدية للمُخطّط، وفق ما تورد في الخبر الرسمي الصادر عنها، يعود الى تزايد النمو السكاني والعمراني وما يخلّفه ذلك من أزمة مرورية، ما يحتّم تأهيل وتطوير الطرق. لكن ماذا في الخلفية فعلًا؟
مصادر خاصة بموقع "العهد الإخباري" تشرح ماذا يحصل في العوامية وما هي النوايا الحقيقية للسلطات هناك. تقول المصادر إنه وبعد أن انتهت عملية تهجير سكان حيّ المسورة في العوامية وتدميره بالكامل (آب/أغسطس 2018) وسلب أكثر من 488 عقارًا لهم بالإكراه، قرّرت الأجهزة السعودية تهجير المزيد من العوائل وتحديدًا في العوامية ومحيط مقبرتها.
معالم المشروع بدأت تتّضح قبل نحو عامين، وُضعت الخطط، وأُجبرت أكثر من 500 عائلة على التوقيع على بطاقات نزع ملكيات عقارات مشروع توسعة طرق الملك عبد العزيز والناصرة والرياض في محافظة القطيف، وفق ما أعلنت البلدية في 2/10/2018، لكن المعلومات تشير الآن الى أن ما تمّ نزع ملكيّته تجاوز الـ 1200 عقارٍ تقريبًا، والغاية المنشودة اليوم هي انتزاع ملكية 91 عقارًا إضافيًا بحسب بيان البلدية.
الشارع الذي يطاله المخطّط يمتدّ من مستشفى محمد بن فهد لأمراض الدم الوراثية (شرق العوامية) حتى حي الزارة (جنوب العوامية)، وهو أحد الأحياء القديمة في البلدة ويقع فيه مسجد الإمام الحسين (ع) حيث كان يُقيم الشهيد الشيخ نمر النمر صلاة الجمعة والجماعة، كما يُلامس المشروع جزءًا من المسجد من خلال شقّ الطرق، ليصل الى الشوارع المحيطة بالمقبرة.
الأمر يُثير قلق الأهالي اذًا، هم يتلمّسون نيّة تغيير ديمغرافي للمنطقة تحت عنوان توسعة الطرقات والتخلّص من الاختناقات المرورية، غير أن خبايا التقارير المُتلفزة التي تُعرض تباعًا على وسائل الإعلام الرسمية في المملكة كفيلة بتثبيت الهدف الأساس لمشروع "وسط العوامية".
عينُ السلطة على عقارات "شارع الثورة"
بتاريخ 18 كانون الثاني/يناير 2020، بثّت الإخبارية السعودية ضمن "برنامج 120" تقريرًا تناولت فيه المخطّط وأين سيحطّ قريبًا. المُعدّة (شادن الحايك) تُقدّم المسألة على أنها عملية استباقية تنموية تُواجه وتُحاصر الإرهاب. إنها "زُبدة" القضية. المُبتغى هو القضاء على كلّ ما يُذكِّر بالثورة وحراكها السلمي، فكيف اذا كانت شوارع؟ التكلفة عالية جدًا تصل الى نحو 3 مليارات ريال، كما يقول رئيس المجلس البلدي في القطيف شفيق آل سيف.
وعليه، نزع ملكية الأحياء والعقارات يطال شارع الملك عبد العزيز الذي بات معروفًا بـ"شارع الثورة"، مكان انطلاق المسيرات السلمية المُطالبة بالحقوق المشروعة. لأجل ذلك، تُشرّع كلّ الأساليب وتُصرف لها الأموال لمحوِ أيّ أثر يذكّر ويشجّع المواطنين على الانتفاض ومُعارضة الاستبداد الحاكم.
في هذه الحالات، يُروّج الإعلام الرسمي دائمًا لمسألة التعويضات، ويكرّر حديثه عن أن الأهالي تلقوا تعويضاتهم قُبيل بدء تنفيذ المخطّط. مصدرٌ خاصّ بـ"العهد" يشير الى أن ما يزيد عن 1100 عقارٍ جرى نزع ملكيّته منذ عام 2017 حتى بداية العام 2020 مُقابل صرف أموال لا تتلاءم مع أوضاع الأهالي وضيق أحوالهم، كما لا تتساوى مع ثمن عقاراتهم ومنازلهم، فالسلطة تفرض أسعارًا أقلّ بكثير من السعر الحقيقي، وما حصل في العوامية عام 2017 مثالٌ حيّ على الغبن الذي لحق بالأهالي والخداع الذي مورس بحقّهم، ولا سيّما أن بعض المنازل يعيش بداخلها أربع عوائل بسبب الفقر وسوء الحال، وما زاد الأمر تعقيدًا تهجيرهم من الحيّ.
مُخطّط "وسط العوامية" ليس سوى عمل تخريبي لحياة المواطنين الأصيلين والمتجذّرين في المنطقة منذ قرون، لا تجميل وخدمات إلّا للسلطة التي تُنفّذ ما يتناسب وسياساتها فقط. نحن أمام تغيير ديمغرافي مُمَنهج في سبيل استثمار شوارع الحراك السلمي اقتصاديًا لصالح مشاريع طرب وفسق ومجون تطبيقًا لرؤية ولي العهد 2030، أمّا الناس فلها الله.