معركة أولي البأس

خاص العهد

عن صلاحيات رياض سلامة الاستثنائية لحماية المصارف
13/01/2020

عن صلاحيات رياض سلامة الاستثنائية لحماية المصارف

فاطمة سلامة

تكاد لا تخلو الندوات والمقابلات والمقالات لخبراء اقتصاديين وأحياناً سياسيين من التصويب على الادارة السيئة التي انتهجها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. منذ عام 1993 تاريخ تسلمه سدة الحاكمية وحتى اليوم، يدير الرجل السياسة النقدية بكيفية غير مفهومة لدى كثيرين. انحيازه شبه التام لمصلحة المصارف على حساب المصلحة الوطنية جعلته الناطق الرسمي باسمهم في الكثير من الأحيان. الهندسات المالية التي أجراها والتي راكمت ثروات المصارف على مدى أكثر من عقدين تؤكّد ما سبق. وهو الذي بقي لسنوات السند المدافع عن المصارف والممانع لمساهمة المصارف في الحل، وهي التي جنت من عام 1993 حتى عام 2018 أرباحاً وُصفت بالخيالية وتخطّت عتبة 22 مليار دولار. اليوم وفي ظل الأزمة غير المسبوقة التي تعيشها المصارف، يبدي حاكم المصرف المركزي انحيازه مجدداً للمصارف. وبدل أن يتحمّل مسؤولياته وآخرين في السلطة للبحث في كيفية الخروج من الأزمة، تراه يطالب وبكل برودة أعصاب بصلاحيات استثنائية من وزير المال علي حسن خليل تحت عناوين وحجج عدة على رأسها المحافظة على الاستقرار النقدي والمصرفي. فماذا تعني خطوة سلامة المذكورة؟. 

مصادر نيابية في لجنة المال والموازنة تُشدّد في حديث لموقع "العهد" الاخباري على أنّ الخطأ الجسيم جداً والذي ارتكبته السلطة السياسية تمثّل بإطلاق يدي رياض سلامة للعبث كيفما يشاء في السياسة النقدية. لا تستهين المصادر بالفراغ الحاصل في المصرف المركزي لجهة شغور مراكز نواب الحاكم، وهو الذي دفع بسلامة الى اتخاذ القرارات منفرداً، وهذا الأمر لا يتقبله القانون. وتؤكّد المصارف أنّ ارسال سلامة الكتاب الى وزير المال لا يصب سوى في خانة القاء الحجة، ورمي المسؤولية عن كتفه لا أكثر ولا أقل، وهو المسؤول الأول -برأي المصادر- عما وصلنا اليه الآن. كان الأجدى بسلامة أن يسارع منذ اليوم الأول للأزمة الى تنظيم الواقع المصرفي، بعيداً عن سياسة "ناس بسمنة وناس بزيت". أخطأ سلامة حين لم ينظّم عملية تحويل الرساميل الى الخارج، ما أدى الى هروب الرساميل وسحب الودائع لارسالها الى الخارج. برأي المصادر، المطلوب كان ومنذ اليوم الأول لاعادة فتح المصارف التي أقفلت بسبب الأزمة أن يصار الى تشكيل لجنة في مصرف لبنان لدراسة كل طلب للتحويلات الخارجية، لا أن يهرّب أصحاب النفوذ أموالهم وتنحصر الأزمة في رأس صغار المودعين. 

ومن خلال الكتاب المذكور ينشد سلامة تحويل "الكابيتال كونترول" غير القانوني الى تعميم تتبناه الدولة وفق ما تقول المصادر النيابية. وهو الأمر الذي يؤكّده الكاتب والباحث الاقتصادي الأستاذ زياد ناصر الدين لموقعنا فالحاكم يريد تشريع "الكابيتال كونترول" تحت مسمى "صلاحيات استثنائية". من وجهة نظره، فإنّ هذه الصلاحيات الاستثنائية التي يطلبها الحاكم هي بشكل عام لحماية المصارف نظراً للاجراءات غير القانونية التي تتخذها، اذ لا يحق للمصارف القول إنّني أتخذ اجراءات استثنائية لفترة محددة، وسط أسئلة كثيرة تثار اليوم من قبيل: ما مصير الودائع؟ هل ما زالت موجودة في لبنان،  أم هرّبت الى الخارج؟. 

ويسأل ناصر الدين: هل هذا اليوم هو التوقيت المناسب للصلاحيات الاستثنائية، لحماية المصارف من الدعاوى التي سترفع عليهم، في ظل غياب تشكيل الحكومة وفي ظل حكومة مستقيلة من دورها بينما يعيش لبنان أزمات متعدّدة من أزمة دولار الى ودائع وأزمة انتاج واستيراد وثقة؟. ويلفت ناصر الدين الى أنّ المصارف في الأصل لا يحق لها القيام بالـ"كابيتال كونترول" الا بتشريع من المجلس النيابي، وحتى وزير المالية لا يحق له إعطاء تلك الصلاحيات، بل هذا الأمر يتطلّب موافقة الحكومة ومن ثم مجلس النواب. فهل المطلوب اضعاف وزارة المالية؟. وفق قناعات المتحدّث فإنّ هذه المحاولات تعمل على تفريغ المؤسسات التشريعية من دورها ومضمونها الذي وجدت لأجله وهو حماية الناس والمودعين. يسهب الكاتب والباحث الاقتصادي في أسئلته: هل المطلوب حماية المصارف وكبار المودعين على حساب الاقتصاد والنقد اللبناني. ماذا عن الـ"هير كات"؟.

ويتوقف ناصر الدين عند  الكلام الذي أطلقه سلامة مؤخراً لجهة أنّ المصارف غير مجبرة على إعطاء الدولارات للزبائن بل هي مجبرة على دفعها بالليرة اللبنانية. هذا الأمر يجب التوقف عنده ملياً. أين كان هذا الكلام وأين كان تطبيق القانون خلال السبعة والعشرين عاماً الماضية؟. لبنان للأسف بدأ يفقد ميزته لجهة تميزه بالعملات الأجنبية، وهذ أمر مخيف. ويشير المتحدّث الى أننا نعيش فترة ضياع كامل، فما الفائدة من اجراءات تؤذي المودعين وتسير بالواقع الاقتصادي نحو الانحدار، تحت عناوين حلول؟. الخوف كل الخوف اليوم من رسملة جديدة على حساب المودعين تحت عناوين اجراءات. 

ويشدّد ناصر الدين على أنّ من وضع السياسة النقدية منذ عام 1992 حتى اليوم يتحمّل كل ما وصلنا اليه، في اشارة الى سلامة، وطبعاً مع من تشارك معه من أهل السلطة. الحل الوحيد -برأي ناصر الدين- لكل ما نتخبّط فيه من أزمات يكمن في التوجه الى سياسة ورؤية اقتصادية جديدة انتاجية، وتشكيل هيئة لادارة الدين العام لمعالجته خارج سياسة الفوائد المرتفعة، كما علينا حماية السيادة الاقتصادية حفاظاً على الملف النفطي. بالموازاة فإنّ الاصلاح الحقيقي يبدأ من معالجة العجز، واستعادة الدولة لايراداتها ومعالجة الأملاك البحرية، بالاضافة الى تنفيذ قرارات اصلاحية، في قطاع الكهرباء والاتصالات وغيرها بعيداً عن عرض بيع الدولة كأسهل الحلول. فنحن أمام فرصة لتحويل اقتصادنا من ريعي الى انتاجي، لبناء اقتصاد يختلف عن حقبة التسعينيات، ولكن للأسف هناك من يريد تمديد هذه الحقبة وبشكل قسري على اللبنانيين تحت عناوين ضرورات، للسيطرة على الملف النفطي لاحقاً ورهنه وعدم السماح للاقتصاد اللبناني بالاستفادة منه.

وفي الختام، يدعو ناصر الدين الى تشكيل حكومة جديدة تضع الرؤية التصحيحية لهذا الواقع السيئ، فلا فائدة من حكومة استقالت من دورها، رغم أنّ فيها بعض الوزراء الذين حققوا انجازات ترفع لها القبعة كوزير الصحة الذي حقّق وفراً بقيمة 400 مليون دولار في الوزارة، ووزيرة الطاقة التي اتخذت خطوات مهمة وغيرهما. هؤلاء يجب اختيار نماذج تشبههم في الحكومة الجديدة بعيداً عن الوزراء الذين تخلوا عن أدوارهم لا بل كانوا سبباً في اندلاع الازمة ويشدون باتجاه بيع القطاع العام للقطاع الخاص.
 

رياض سلامةمصرف لبنان

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل