خاص العهد
إسقاط التمديد لشركتي الخليوي: إسقاط لسياسات الهدر والفساد
فاطمة سلامة
فيما تغيب حكومة تصريف الأعمال عن السمع، يُفعّل المجلس النيابي حركته، مقدّما مقاربة أكثر جدية للملفات التي باتت تُدرس بمنهجية وذهنية مختلفة عن تلك التي سادت لعقود. ما شهدته لجنة الاعلام والاتصالات الثلاثاء الماضي يعتبر شاهداً على هذا التغير، الذي لم يعد بموجبه مسموحاً العبث بقطاعات الدولة. إسقاط التمديد لشركتي الخليوي يعد ضربة قاضية لمحاولات ركن قطاع الاتصالات تحت رحمة "ألفا" و"تاتش". الكثير من علامات الاستفهام رُسمت حول الطريقة التي جرت فيها ادارة قطاع حيوي سُمي في فترة من الفترات بـ"نفط لبنان" أو البقرة الحلوب التي تدر واردات مهمة للخزينة. تلك الواردات التي بدأت تتبخّر شيئاً فشيئاً بفعل سياسة الهدر والفساد التي نخرت وزارة الاتصالات لسنوات مضت. وقد وثّقت لجنة الاعلام والاتصالات بالأرقام التجاوزات الواسعة لقطاع الخليوي ضمن ملفات عدة، أشارت فيها الى العشوائية وسوء الإدارة و"كميّة" المخالفات التي أخذت قطاع الخليوي في لبنان الى الانحدار، وضيّعت فرصة الخزينة اللبنانية في الاستفادة من واردات مهمة. التدقيق في تلك الملفات يُبيّن الارتفاع غير المبرّر لنفقات هاتين الشركتين التشغيلية والرأسمالية والتي بلغت بين عامي 2010 و2018 4 مليار و492 مليون دولار، فيما بلغت مجمل التحويلات الى وزارة الاتصالات 9 مليارات و954 مليون دولار، في مؤشر واضح على ارتفاع نسبة الهدر في هذا القطاع.
انطلاقاً مما تقدّم، جاءت "المعارضة" الشديدة في وجه التمديد لشركتين أثبتتا سوء ادارة، على مدى سنوات طويلة. محاولات وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال محمد شقير الساعية للتمسك بهما باءت بالفشل، لتسترجع الدولة اللبنانية تشغيل الشركتين، وفق ما يقول رئيس لجنة الاعلام والاتصالات النائب حسين الحاج حسن لموقع "العهد" الاخباري. ويُشدّد الحاج حسن على أنّ أمام الحكومة الجديدة خيارين؛ إما أن تتولى تشغيل القطاع مباشرةً أو تذهب باتجاه مناقصة جديدة وشفافة. كما ينوّه الحاج حسن بالاجماع الذي شهدته الجلسة والذي يعبّر عن اقتناع تام بضرورة اصلاح هذا القطاع.
عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب محمد خواجة يؤكّد في حديث لموقعنا أنّ الاجماع الذي شهدناه داخل المجلس النيابي يكاد يحصل لأول مرة حول قضية خلافية بهذا الحجم، خاصة وسط وجود أفرقاء اتهموا بتحويل هذا القطاع الى مزرعة. وذلك مرده -بحسب خواجة- الى بروز ذهنية جديدة في مقاربة الملفات ومواجهتها بكل مسؤولية استناداً الى مواقف علمية مدروسة، تراعي مصلحة الخزينة العامة. ويشدّد المتحدّث على أنّ شقير أتى الى الجلسة واضعا التمديد كخيار وحيد لا بديل عنه على طريقة "الساعة الأخيرة"، وقبل 12 ساعة من انتهاء فترة العقد، الا أنّ موقف حزب الله وحركة أمل ومعهما قوى سياسية كان حاسماً باعادة تنظيم هذا القطاع، خصوصاً أنّنا عثرنا على ثغرة في العقد تقول إنّ الشركتين ملزمتان بتقديم الخدمات ولمدة 60 يوماً بعد انتهاء العقد.
ويعتبر خواجة أن التمديد بات شيئاً من الماضي وعلى الحكومة الجديدة أن تعد استراتيجية جديدة للتعاطي مع هذا القطاع، خصوصاً أن السياسيات التي اعتمدت خلال فترة طويلة كانت قائمة على الرشاوى والفساد والهدر والتوظيف غير الضروري، ما أضاع على خزينة الدولة فرصة الاستفادة من قطاع سمي بنفط لبنان. يعود خواجة ليؤكّد أنّ خطوة رفض التمديد كانت جريئة جداً، ويجب أن تعمم على كافة القطاعات ليستفيد لبنان من القدرات والامكانيات الموجودة لديه. يعبّر خواجة صراحة عن رفضه خصخصة أي قطاع منتج ومربح للدولة، فلنذهب لخصخصة القطاعات المتعثّرة كالكهرباء. قطاع كالاتصالات من المفترض أن يعطي الدولة أقلها مليار ونصف المليار دولار سنوياً. بينما الواقع بيّن أنّ هناك هدراً وفساداً تغلغل داخل القطاع لترتفع النفقات التشغيلية وتتخطى الحد الأقصى، ما يحتّم ضرورة اعادة النظر بالقانون الذي ينظّم هذا القطاع. وقد برزت خطوة مهمة في هذا الصدد يشير اليها خواجة حيث وُضع في موازنة عام 2020 بند يشير الى تحويل ايرادات قطاع الاتصالات الى خزينة الدولة وليس الى وزارة الاتصالات للحد من الهدر.
في الختام، يشدد خواجة على ضرورة حفظ القطاع وتعزيزه لنتمكّن من جني ايرادات مهمة، عبر اجراء مناقصة شفافة تحت أنظار الاعلام واللبنانيين كافة. ويرى المتحدّث أن أي اجراء معاكس لما اتخذ يوم الثلاثاء يشكّل استمراراً لسياسة الهدر والفساد داخل هذا القطاع. برأيه، علينا التوجه أيضاً لمعالجة الكثير من الملفات كملف "أوجيرو" الغابة الأخرى المقفلة، فوضع لبنان لم يعد يسمح بترف الفساد.