خاص العهد
في موازنة 2020..تدابير واجراءات لصالح المواطن
فاطمة سلامة
لا شك أنّ عوامل عدة مجتمعة أوصلت البلد الى ما هو عليه اليوم لناحية الأزمات الاقتصادية والنقدية والمالية. الاستخفاف والاستهتار بموضوع الموازنة كان أحد أبرز تلك الأسباب التي جعلت من الصرف العشوائي قاعدة يتّبعها البعض ما جعل المال العام سائبا. الانفاق غير المجدي فُتح على مصراعيه، وسط غياب الحسيب والرقيب. غياب انجاز الموازنة لسنوات طويلة فتح شهيّة كثيرين لاغتنام الفرصة وتسجيل ما يحلو لهم من نفقات على حساب المال العام. والمؤسف أنّ الموازنة التي يُنظر اليها في الكثير من دول العالم على أنها خريطة طريق تحدّد للدولة ما لها وما عليها، ظلّت لسنوات طويلة وفق عقلية قوى سياسية على أنها مجموعة أوراق نصّت عليها القوانين، في الوقت الذي يجب أن ينظر فيه اليها على أنها القاعدة الأساسية لأي جباية وانفاق. هذا الأمر نصّت عليه المادة 3/الباب الأول من قانون المحاسبة العمومية والتي عرّفت الموازنة بأنها "صك تشريعي تقدّر فيه نفقات الدولة ووارداتها، عن سنة مقبلة، وتُجاز بموجبه الجباية والانفاق". وعليه تترجم الموازنة بالأرقام برنامج عمل الحكومة وخياراتها السياسية والاقتصادية والمالية المختلفة التي يجب أن تكون بموجبها منتجة وتساهم في انماء المجتمع.
تلك العقلية التي لم تحسن التعامل مع موضوع الموازنة كمسار يحدّد كل مالية الدولة يبدو أنها بدأت تتغيّر اليوم. قوى سياسية على رأسها حزب الله تبذل جهوداً مضاعفة للتعامل مع الموازنة بوصفها خارطة طريق لمالية الدولة السنوية تُحسب فيها كل شاردة وواردة، بحيث يتم تخفيض كل أشكال الانفاق غير المجدي، وتحسين الايرادات، والأهم مساهمتها في التخفيف عن الناس قدر الامكان عبر القيام بمجموعة خطوات اصلاحية. تماماً كما حصل مؤخراً لدى مناقشة مشروع موازنة عام 2020 داخل لجنة المال والموازنة. عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض يؤكّد أنّ موازنة عام 2020 كانت موازنة "أفضل الممكن"، بحيث أجرت اللجنة النيابية على الموازنة المرسلة من الحكومة التعديلات اللازمة لتصبح موازنة شفّافة وصريحة، اذ أعيد النظر في تخفيض النفقات وتقدير الواردات آخذين بعين الاعتبار ظروف المواطنين، كما جرى تمديد كافة الاجراءات لتسهيل حياة المواطنين. وفي المقابل جرى تشكيل لجنة مصغّرة من الكتل كافة لضمان استرجاع الأموال المنهوبة للدولة، عبر متابعة قضية تهريب الأموال مع المصارف لتعزيز مالية الدولة.
وفي حديث لموقع "العهد" الإخباري يوضح فياض أنّه ونتيجة التطورات التي حصلت في لبنان بعد تاريخ 17 تشرين الأول اختلفت أرقام الموازنة، إذ تراجعت الايرادات الضريبية قرابة الـ40 بالمئة، وبالتالي اختلف مستوى العجز فيها، ففي الوقت الذي كان مقدراً ما دون الواحد بالمئة ارتفعت تقديراته الى حدود كبيرة. ومن هنا -بحسب فياض- حرصت لجنة المال والموازنة على تقديم موازنة شفافة وواقعية تعمل على تخفيض النفقات وإعادة تقديم الايرادات بطريقة جديدة، وتأخذ بعين الاعتبار الأرقام الحقيقية. لذلك أعيد النظر بالايرادات، وجرى الاجتماع بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لنأخذ منه التزاما واضحاً وصريحاً لجهة تطبيق المادة 14 من الورقة الاصلاحية والتي تنص على فرض ضريبة دخل استثنائية على المصارف لسنة واحدة في العام 2020 بما يؤمن مبلغ 600 مليار ليرة لبنانية، كما جرى البحث في مبلغ الـ 5200 مليار ليرة كتخفيضات فوائد للدولة. الحاكم أعلن عن التزامه كمصرف مركزي بما تم الاتفاق عليه في الورقة الاصلاحية لكنّه أعرب عن اعتقاده بأنّ المصارف لن تفي بالتزاماتها لجهة مبلغ الـ600 مليار ليرة في ظل الأزمة التي تعانيها وعدم تحصيلها الأرباح هذا العام، ما يُخسّر الموازنة مبلغاً من الايرادات التي كانت موضوعة داخلها.
ورغم ذلك، يقول فياض، عملت لجنة المال والموازنة على تخفيض العجز، فلجأت الى مجموعة اقتراحات عصرت بموجبها النفقات لتخفيضها قرابة الـ1000 مليار ليرة، بالتفاهم مع وزارة المال. أبرز تلك الاقتراحات، كان العمل بما هو ضروري على مستوى الجمعيات، التخفيض من أعداد المكاتب، التخفيض من النفقات التشغيلية بالاضافة الى عدة مستويات. تخفيض الانفاق خفّض العجز في الموازنة 1000 مليار ليرة. طبعاً لم يكن مقدّراً -برأي فياض- أن يصل العجز الى مستويات كبيرة، ولكن هذا ما حصل نتيجة الأزمة.
ويشير فياض الى أنّ الموازنة انطوت على عدة مواد تراعي الوضع المتأزم للمواطنين. هناك 21 مادة جرى تمديد المهل الخاصة بها من عام 2019 الى عام 2020. خضنا نقاشاً حول تلك المواد بحيث يتم التمديد لكل المهل المنصوص عليها في موازنة عام 2019 والمتعلقة بتخفيض الغرامات وتقسيط الضرائب وتقديم محفزات على اعتبار أنّ المواطنين لم يتمكنوا من تسديدها. كما جرى التصويت على اقتراح يُعلّق المهل الخاصة بالقروض السكنية والصناعية والزراعية لمدة 6 أشهر. ومن أهم الاصلاحات أيضاً، الزام شركتي الخليوي بتحويل الواردات الى مالية الدولة بدلاً من وزارة الاتصالات، كما جرى وضع مهل لتنفيذ الاستملاكات. باختصار، وُضعت اجراءات داخل الموازنة لصالح المواطن خلافاً لما كان يحصل سابقاً، يختم فياض.
عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب قاسم هاشم يؤكّد لموقعنا أنّ أهم ما تحقق في الموازنة هو تخفيض العجز عبر الوفر الذي تحقّق من خلال تخفيض الكثير من النفقات. ويوضح هاشم أنّ هناك عدة خطوات اصلاحية تحتاج الى بعض القوانين لاقرارها منها ما تم تمريره في الموازنة ومنها لا يزال قيد النقاش لاتخاذ قرارات واضحة بشأنها. من وجهة نظر هاشم، تجري مقاربة ملف الموازنة تبعاً للمصلحة الوطنية، واليوم بدأت الكتل النيابية باعداد بعض اصلاحات القوانين تسهيلاً لعمل الحكومة المنتظرة وتسهيلاً للوقت.
أما النائب عدنان الطرابلسي فيعتبر في حديث لموقعنا أنّ أبرز وأهم ما تضمنته موازنة عام 2020 كان تمديد مهل الدفع والإعفاءات للمستحقات الضريبية على أنواعها ستة أشهر. هذا الأمر بنظره مهم جداً للمواطنين والشركات في ظل الاوضاع المعيشية الصعبة. كما أخذت اللجنة وعداً من حاكم مصرف لبنان ببدء تخفيض الفوائد على القروض ابتداء من 5 كانون الثاني 2020، أسوة بتخفيض الفوائد على الودائع.