خاص العهد
مونة "الدفء".. هل باتت عبئًا على سكان المناطق الباردة؟
ياسمين مصطفى
على أبواب فصل الشتاء من كل عام، ومع تسلل لسعات البرد إلى القرى، يتحضر سكان المناطق الداخلية في لبنان مثل البقاعيين والجنوبيين لتأمين "مونة" الموسم من مختلف وسائل التدفئة، مما يقيهم الصقيع والبرد القارس، ويحفظهم من الأمراض. يصبح هذا الموضوع همّهم وشغلهم الشاغل، ولأجله يدّخرون بعضا من أموالهم خلال العام، يدفعونها مقابل شراء أمتار من الحطب، أو براميل من المازوت، وفق الحاجة والقدرة.
جولة لموقع "العهد" الإخباري على عدد من سكان بعض القرى البقاعية والجنوبية- المعروفة بالبرودة الشديدة في فصل الشتاء نتيجة علوها عن سطح البحر-تكفي لحساب حاجة السكان من "مونة الدفء"، وما يقابلها من كلفة مادية، تختلف باختلاف وسيلة التدفئة وكيفيكة استعمالها.
القرى الجنوبية تستهلك نصف ما تستهلكه قرى البقاع من المازوت والحطب
الحاج عدنان كركي، وهو أحد ساكني منطقة عين بوسوار في الجنوب (قضاء النبطية)، التي ترتفع 950 مترا عن سطح البحر، يحمد الله على تأمين الحطب لتدفئة منزله وعياله، ويؤكد في حديث لموقع "العهد" أن المنزل الذي يحوي أطفالاً لا يمكن إطفاء الصوبا فيه على مدى ثلاثة أشهر ولا حتى لساعة في النهار أو الليل لشدة البرودة. يلفت الحاج إلى أن الحطب أعلى سعرا من المازوت، خاصة إن كان من شجر السنديان، موضحا أنه دفع مليون ونصف المليون ليرة مقابل الحصول على 3 أطنان من الحطب من شجر السنديان واللوز.
ولمن يستعين بصوبا المازوت للتدفئة، يشير الحاج عدنان إلى أن الجنوبيين يحتاجون في الحد المتوسط إلى ستة براميل مازوت خلال الموسم، وكلفتها مليون ليرة لبنانية.
الأستاذ علي شريم من بلدة حولا الحدودية (قضاء مرجعيون) التي تقع على ارتفاع 700 متر، يوضح لموقعنا أن الجنوبي يحتاج إلى دفع 500 ألف ليرة مقابل إشعال صوبا واحدة على الحطب في المنزل خلال فصل الشتاء، وإذا كان بحاجة لتدفئة غرفتين فالكمية تتضاعف وكذلك المبلغ، ويلعب نوع الحطب وجودته وقدرته على التدفئة والاشتعال السريع دورا في تحديد سعره، إذ يبلغ سعر متر الحطب من خشب السنديان 170 ألف ليرة، ما يعني 700 ألف ليرة لما يكفي أربعة أو خمسة أشهر، أما غير المستطيع شراء حطب خشب السنديان، فيتجه للنوعية الأقل بسعر أقل، مثل الحطب المتأتي من أنواع عديدة غير مكلفة من الخشب.
أما المنازل التي تستخدم صوبا على المازوت، فيوضح شريم أنه على السعر الحالي لتنكة المازوت والبالغ 17 ألفاً و500 ليرة، يحتاج المنزل إلى ما يقارب 500 ألف ليرة لشراء مادة مازوت تكفي لكل الموسم، لافتًا إلى أن الوضع في البقاع أصعب، إذ إن البرودة الشديدة الممتدة على ستة أو سبعة أشهر تتطلب مضاعفة الكلفة المادية والكميات من الحطب، أو براميل المازوت، ويقول: "في القرى البقاعية يستهلكون الكثير من مادة المازوت على مدى كل ساعات الليل والنهار".
"تفل الزيتون" و"الطبليات" بدائل عن المازوت والحطب
مدير متوسطة بعلبك الجديدة الأولى الأستاذ مصطفى ايوب يتحدث للموقع عن الحاجة في البقاع للمازوت والحطب للتدفئة، موضحا أنها مرتبطة بعدة عوامل، مثل عدد الصوب المستخدمة وحجم المنزل أو المؤسسة وطبيعة استهلاك وسائل التدفئة وكيفيته، ويقول: "هناك بعض المنازل التي لا تحتاج لاكثر من 600 لتر مازوت خلال فصل الشتاء، إذ تكفيهم صوبا في غرفة واحدة، وإن كان في المنزل أطفال صغار فـ1000 ليتر من المازوت للموسم كله، لكن استعمال صوبا في غرفة أخرى يضاعف السعر والكمية المطلوبة للاستهلاك. العائلات الكبيرة تحتاج لـ1500 ليتر خلال الموسم وبكلفة مليون ونصف المليون ليرة لبنانية".
يلفت أيوب إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازي للسوق الرسمي أثّر على سعر المازوت، إذ وصل سعر التنكة الواحدة إلى 20,000 ليرة لبنانية اليوم في البقاع، لكون الاستلام يكون عبر وكلاء يشترونه بدورهم بالدولار، وبسعر الصرف في السوق السوداء، ما عدا محطات الأمانة، التي أعلنت أنها تبيع بسعر الصرف الرسمي، ولو على حساب خساراتها المادية، تلبية لنداء الأمين العام لحزب الله.
أما الحطب، فيتراوح سعره تبعا لنوعيته. يقول أيوب: "خشب السنديان سعره مرتفع لأنه الأكثر جودة، سعر الطن 300 ألف مقطعاً وجاهزاً للاستخدام، أي مليون ونصف المليون للموسم كاملاً، أما ذوو القدرة الشرائية المحدودة والدخل المحدود فيعمد بعضهم إلى استبدال الخشب باهظ الثمن والمازوت بـ"تفل الزيتون" و"الطبليات"".
يشرح أيوب للموقع عن "الطبليات" و"تفل الزيتون" فيقول: "المؤسسات التي تستورد بضاعة من الخارج تضعها على طبليات من خشب، وحين تفريغ البضائع يأتي أناس متخصصون في بيع الطبليات للتدفئة، يبلغ سعر "النقلة" 300 ألف ليرة، تكفي اثنان منها لتأمين الدفء خلال الشتاء، لكن مشكلته في تقطيعه إلى أجزاء صغيرة يسهل وضعها في الصوبا، أما "تفل الزيتون" أو "الجفْت" فهو عبارة عن بقايا زيت الزيتون "العكر"، وهو ممتاز للتدفئة، يتم تحويله إلى قطع للموقد ويبلغ سعر الطن 250 ألف ليرة أي مليون ليرة خلال الموسم، ميزته أنه سريع الاشتعال لكن مشكلته في كونه سائلاً من الزيتون يصعب بعد استخدامه تنظيف الموقد كما لو كان فيه حطب أو مازوت".
التدفئة المركزية للميسورين فقط
أما الميسورون من أهالي البقاع، فيقول أيوب إنهم يعمدون إلى التدفئة المركزية في منازلهم، وهي أفضل بكثير من وضع المواقد واستعمال الحطب والمازوت، لكنه الحد الأدنى من الصرف-في هذه التقنية المعتمدة على أنابيب هواء ساخن أو ماء ساخن يجري فيها داخل الجدران-هي 3000 ليتر مازوت ما يعني دفع 3 ملايين ليرة خلال الموسم كحدٍ أدنى، يرتفع مع كُبر المنزل وازدياد عدد الغرف"، أما في المدارس والمؤسسات فيكلف إنشاء هذا النظام بحدود الـ20 ألف دولار، عدا عن كلفة استخدامه يوميا على مدار فضل الشتاء.
في المحصلة، إذا أجرينا معادلة حسابية بسيطة يتبين لنا المعدل الوسطي لاستهلاك المازوت للتدفئة في القرى الباردة والمرتفعة عن سطح البحر، مع فارق في الاستهلاك بين الجنوب والبقاع، تبعا لتفاوت حدة الصقيع بينهما، وعليه اذا اعتبرنا ان الصوب تستهلك 10 ليتر اي نصف تنكة من مادة المازوت خلال ستة عشر ساعة في اليوم كمعدل تقريبي، ومع كون سعر تنكة المازوت 20 الف، يكون معدل الصرف 10 الاف في اليوم، و300 الف في الشهر، وفي اقصى قرى البقاع برودة تكون الكلفة على مدى ستة اشهر من تشرين الثاني وحتى نيسان مليون و800 الف ليرة لبنانية.
والسؤال الذي لا بد منه اليوم، في ظل الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة وانخفاض القدرة الشرائية للبنانيين بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار،هل يستطيع كل سكان المناطق والقرى الباردة تأمين "مونة الدفء" لهذا الشتاء ؟