خاص العهد
حسان اللقيس: هذه فلسطين من فوق .. هل تشاهدونها؟
فاطمة ذيب حمزة
في توصيف الأمور، تكثر استخدامات الاستعارة. تمامًا كما لو أردنا توصيف الشهيد القائد حسان اللقيس، فلا بد أن نستعير شيئاً من "السحر". كالسحر تحديداً، كان. ألمعيٌ في جهاده، ربما هذه خاصية لم يمتلكها كثيرون في ساحة مقارعة العدو. كان الحاج حسان فريدًا في قتال الصهاينة، لذلك، كانت المعركة معه من نوع آخر، بل فوق العادة.
المؤمن بالروح المقاومة .. نعم نحن قادرون
كل من يعرف الحاج حسان، ينقل لنا كم كان متأثراً بشخصية الإمام الراحل السيد روح الله الخميني (قدس). كان متأثراً إلى حدود الذوبان به. كان الشهيد المبدع يؤمن بالروح، يؤمن بأنها هي أساس القوة والصلابة، وهي أصل المقاومة والصمود، وهي جوهر فكرة رفض الذل والمهانة، تماماً كما كان ينظّر الإمام الخميني. لم يخف مرة من عدوه، لكنه كان ينظر إلى قدراته التكنولوجية بعين المتابع، المقاوم والطامح. يعلم حجم الدور الذي يلعبه عنصر التطور في رسم معادلات الصراع مع المحتل، يعلم جيدًا هذا الأمر. مذ عاد من أفريقيا عام 1978 وهو يعلم ذلك، ويعمل وفقه. ومذاك الحين، كان الشهيد اللقيس يحلم بشيء ما، بمشهد ما، بحدث ما، أو حتى بخبر ما. هذه الضبابية في "حلم الحسان" كانت مجرد شظايا طموح تتوقد ناره في جوارح الشهيد، وترتسم أمام عينيه على شاكلة "مسيّرة" تحلق فوق رؤوس الصهاينة، أو شيء من هذا القبيل.
ابنته "نور" تحدثت لموقع "العهد" عن والدها بعد ست سنوات على رحيله، تقول نور: "لقد علّمنا والدنا الشهيد – جميعنا – أن لا مستحيل، طالما أن العمل لله، والله خير كفيل .. ".
هنا ايضاً، يصفه عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب ابراهيم الموسوي لموقعنا "بالشهيد الاستثنائي المبدع المميز، والذي شكّل علامة فارقة في سجل المقاومين الأبطال الذين قارعوا العدو وأذلوه.."
يضيف الموسوي لموقع "العهد": "ما كان يدبّره هذا البطل على المستوى الجهادي، هو أشبه بحلم، من أجل الوصول إلى سماء فلسطين..".
رغم طلاقة النائب الموسوي في استخدام اللغة العربية، لكنه يتأنى في وصف الشهيد اللقيس. يستنبط منه قاعدة أساسية في الحياة: "لقد تعلمنا من الحاج حسان كيف نشتق من الضعف قوة، وكيف نكتنز في شخصيتنا رسالة مدوية، في التوكل على الله .. هو - باختصار - صفحة عز من صفحات مقاومة المحتل.." يختم الموسوي لموقعنا.
واستكمالاً، وبعد اغتيال الحاج اللقيس بيومين (05/12/2013) يكشف تقرير لمعلق الشؤون الأمنية في صحيفة يديعوت أحرونوت "رونن بيرغمان" أن "لدى اللقيس مهارات إبداعية في مجال الأسلحة وتطويرها، مبنية على تعليمه التقني في الجامعة اللبنانية وعلى قدراته الخاصة".
إلى هذا الحد كان ذلك الرجل الخمسيني الهادئ الزاهد البعيد عن صخب الإعلام والشاشات والأخبار، إلى هذا الحد كان يشكل خطراً داهماً، وتحدياً دائماً بالنسبة لكيان العدو.
هذه فلسطين من فوق .. هل تشاهدونها؟
ابن بعلبك ومحبها كان يحبذ فكرة الاعتداد بالنفس. لذلك، كان يسعى مع إخوانه في المقاومة للوصول إلى مرتبة عظيمة من الجهوزية، أو بالأحرى كان يرفض فكرة الظهور بمظهر الضعيف أمام العدو، وبمظهر "غير المتمكن" في رحلة الصراع مع عدو يمتلك كل معدات القتل والإجرام، وإن كان ذلك يحتاج جهداً مضاعفاً، فكرياً وجسدياً.
هكذا اذاً، راكم الشهيد البارع خبرات تقنية وتكنولوجية كبيرة. كانت محطات الانتصارات، نقاط تحول في حياته، وحياة المقاومة. بعد التحرير عام 2000، ثم بعد انتصار تموز 2006، بيّن الحاج المبدع عن علو في الفكر والتفكير وطريقة تطويره للمنظومة التقنية والتكنولوجية في المقاومة .. من شبكة الاتصالات – السلكية واللاسلكية – إلى أنظمة الرصد والتتبع، وصولاً إلى المنظومة العسكرية – الصاروخية ثم المسيّرة في سماء المقاومين إلى فلسطين.
تقول كريمته "نور" لموقع "العهد" إن "أثر والدي الطيب لا يزال هنا، في الأخبار الآتية الينا عن دخول مسيرة الى الاراضي الفلسطينية المحتلة، أو استهداف، أو إسقاط طائرة للعدو، أو في أي عمل جهادي تقني، تكنولوجي نستشعر وجوده معنا ..".
"لقد فرض الحاج معادلة قوة جديدة وفريدة، معادلة مقارعة العقول وحرب الأدمغة مع عدو مدجج .. ومع ذلك كان يقول لي ولأخوتي دوماً، ولى الزمان الذي كانت طائرات العدو تدخل فيه وتقصف ارضنا وأهلنا" تضيف نور لموقعنا.
في أحد أيام تموز 2006، في بعلبك، كان الطيران يغير على أهداف في المنطقة، تروي "نور" لموقع "العهد" القصة، "كان أبي بيننا في زيارة سريعة، خرج إلى الحديقة بهدوء، تتبعته خوفاً عليه .. قال لي يومها، لا تخافي من هذا العدو، ولا تخافي من شي أبداً نحن بعين الله، ثم رأيته ينظر إلى السماء وكأنه يبحث عن شيء فيها، كان يراقب سماء بعلبك مراقبة دقيقة، حاولت أن أعرف منه الى ماذا ينظر، قال لي التالي: حربنا مع الصهاينة على المسطرة، وعدونا ما عاد يجرؤ على تخطي الحدود .. "
أبعد من ذلك كان "حلم الحسان". أبعد من ذلك وأجمل، كان فلسطين "وأيوب" المقاومة، المشكّلة على طراز قوة جوية أدخلت العدو في حسابات عسكرية جديدة، ورفعت المقاومة درجة في سلم القتال والتصدي مع العدو، إلى أن شاهد فلسطين من فوق: "هذه فلسطين .. هل تشاهدونها؟". كان ذلك خطراً داهماً لا يمكن المرور عليه في مخيلة الكيان، فحسم قراره بأن: لا بد من التخلص من فكر المبدع. كان ذلك ليل 3 – 4 كانون الأول عام 2013 في أحد الأحياء، على أطراف الضاحية الجنوبية.
الحسان الساحر .. وحسن العاقبة
قليلون من يعرفون كل شيء عن الحاج حسان. هو كان يعمل بصمت، وبعيداً عن ضوضاء الأسماء والأخبار والصورة. ومَن يُحدثك عنه، تتلمس استئناسه بذكره في محطات جهادية عديدة. "حسان أسس للمقاومة قاعدة فكرية متطورة، وروحية لا تعترف بالمستحيل". الحاج حسان هو ذلك التحدي الذي أنهك العدو ولم يُنهك. هو من ضحى ببيته وابنه وكل ما يملك في سبيل طريق تجهيز مقاومة قوية متطورة، وهو من لم تمتلئ عيناه حباً من النظر في أولاده لكثرة انشغالاته وقلة حضوره بينهم. وهو مَن كان اذا عاد إلى بيته، يتأبط مجلات أجنبية وعربية ومقالات وأبحاثاً عسكرية وتقنية ليقضي ما تبقى من ساعات اليوم مطلعاً عليها. هو مَن لم يجد في ترك أي شيء هزيمة، طالما أنه فاز في طريق الحق إلى الله .. الحاج حسان، هو ذلك الخبر المقبل بلا ريب – من فلسطين المحتلة – بأن مسيّرات المقاومة تحلق هناك عالية ما بين الأرض المغصوبة والسماء الشاهدة. هو الشهيد الذي عندما طلب من الإمام السيد علي الخامنئي قبل شهرين من استشهاده أن يدعو له بالشهادة، كان جواب السيد القائد له: "أدعو لك بحسن العاقبة"، فكان له ذلك.