خاص العهد
القطاع الخاص يعيش كارثة..صرف مئات العمال تعسفياً
فاطمة سلامة
حين تتحدّث مع موظفين في القطاع الخاص، تستشف مستوى عدم الاستقرار الذي يعيشونه. حالات "الصرف التعسفي" التي سمعوا بها تجعلهم يعملون على قاعدة "كل يوم بيومه". يخاف هؤلاء من أن يأتيهم "الدور" فيجدون أنفسهم بلا عمل. يخافون أن يناموا موظفين ويستيقظون "عاطلين" عن العمل. كل تلك الهواجس نسمعها من المحيطين بنا، في وقت بات فيه الموظّف في القطاع الخاص محكوماً لـ"رحمة" رب العمل، بينما تغيب الجهات المسؤولة عن المحاسبة عن "السمع"، ليجد عدد كبير من العمال أنفسهم في الشارع بلا عمل ولا ضمان ولا حتى حقوق. هذا الأمر ما كان ليحصل لولا أعمال الشغب وقطع الطرقات التي اندلعت مع حراك 17 تشرين الأول، والتي تعطّلت بموجبها الدورة الاقتصادية بأكملها. عمال القطاع الخاص يعيشون "كارثة" بكل ما للكلمة من معنى. مصادر في وزارة العمل تقول لموقع "العهد" الإخباري إنّه لو قدّر لهم "الكشف" عن أعداد "الشكاوى" التي تصل أسبوعياً الى الوزارة من العمال المصروفين تعسفياً، لأعلن "فعلياً" عن "لبنان المنهار". وفق قناعاتها، فإنّ هذه المرحلة تكاد تكون الأصعب على الموظفين في القطاع الخاص.
ولدى محاولتنا معرفة الرقم "الفعلي" للمصروفين، تكتفي المصادر بالإشارة الى أنّ هناك عشرات العمال المصروفين "تعسفياً" يلجأون أسبوعياً الى وزارة العمل لتقديم شكواهم أمام دائرة التفتيش، وهناك بعض المؤسسات التي تأتي للتشاور مع الوزارة بشأن صرف موظفيها. وفق المصادر، فإنّ الوزارة لا تستطيع "فعل" شيء سوى تحديد موعد لمقابلة رب العمل والموظف لحل القضية "حبياً"، وفي حال لم تتمكّن من حلها يتوجّه الموظّف الى المجالس التحكيمية والتي للأسف "تموت" فيها القضايا، تقول المصادر.
فقيه: عشرات الشكاوى أسبوعياً
ما تقوله مصادر وزارة العمل، يؤكّده رئيس الاتحاد العمالي العام بالانابة الاستاذ حسن فقيه لموقع "العهد" الإخباري. يؤكّد المتحدّث أنّ القطاع الخاص هو القطاع الأكثر تضرراً جراء الأزمة التي حدثت، والتي بدأت معالمها تظهر بشكل كبير مطلع الشهر الفائت. الآن وبعد حوالى الشهر والنصف على انطلاق الحراك وما رافقه من قطع طرق وأعمال "شغب"، بلغت الأزمة الاقتصادية ذروتها وبدأ المواطنون يتحسسون تداعياتها التي طالت "لقمة العيش". يؤكّد فقيه أنّ الاتحاد العمالي يتلقى عدداً كبيراً من الشكاوى أسبوعياً يُقدّر بالعشرات من عمال جرى صرفهم بشكل "تعسفي" وبلا وجه حق. فالكثير من المؤسسات خصوصاً الصغيرة منها والتي تعمل على تصدير البضائع لمؤسسات كبيرة، تراجع عملها نتيجة الأزمة المصرفية، وتراجع القدرة الشرائية 40 بالمئة، ما حدا بتلك المؤسسات الى صرف موظفيها.
ويلفت فقيه الى أنّه وبالاضافة الى تضرر العديد من المؤسسات الصغيرة، هناك قطاعات كبيرة تضرّرت بأكملها، على رأسها: المدارس الخاصة، الفنادق، المطاعم والمقاهي. وفق معلوماته، فإنّ حوالى 300 مؤسسة من قطاع المطاعم والمقاهي تم اقفالها فعلياً منذ بدء الأزمة أي بعد 17 تشرين الأول حتى اليوم. الفنادق تشكو أيضاً من قلّة العمل نتيجة "ضرب" القطاع السياحي برمته، ما دفع البعض منها الى صرف موظفيها "تعسفياً"، وهذا الأمر غير مقبول بتاتاً، بحسب فقيه، الذي يناشد أرباب العمل عدم استخدام ورقة الصرف مهما تراجعت الأحوال بحجة "التعثر" الاقتصادي. "نحن في مرحلة صعبة علينا جميعاً التكاتف، وعلى رب العمل التفاهم "حبياً" مع الموظفين الذي قضوا ربما في هذه المؤسسة سنوات طويلة، حتى ولو اقتضى الأمر اعطاءهم نصف راتب شهري، فهذه الخطوة تظل أفضل من الصرف لأنها تضمن "ديمومة" العمل، وحق الموظفين في الضمان، كما أنّ باستطاعة المؤسسات الكبيرة التعهد بالتعويض للموظفين لاحقاً بعد انتهاء الأزمة".
ويوضح فقيه أنّ الأزمة لدى الموظّفين تجلّت بالكثير من المظاهر بدءاً من تقاضيهم نصف راتب، مروراً بدفعهم الى أخذ اجارات الزامية، وتخفيض عدد ساعات العمل، انتهاء بالصرف "التعسفي". وهنا يعلن فقيه أن الاتحاد بصدد تأمين خط "ساخن" للعمال لتسريع آلية الشكاوى، مجدداً التمنى على أرباب العمل التريث وعدم صرف الموظفين كي لا تذهب الأمور الى مجلس العمل التحكيمي الذي تموت فيه القضايا نظراً الى أنّ القانون لا يطبق والدولة تقف الى جانب "القوي" أي مع أرباب العمل، بدليل أنّ البت بقضايا العمل يطول في الكثير من الأحيان لسنتين وثلاث.
ولا شك أنّ الأزمة التي ضربت القطاع المصرفي فاقمت الأحوال الاقتصادية سوءاً، برأي فقيه الذي يؤكد أن الاتحاد تلقى صباح اليوم شكاوى من موظفين في النبطية لم يتمكنوا على مدى أربعة أيام من سحب رواتبهم من "الصراف الآلي" بسبب عدم وجود أموال بداخله. يكرّر فقيه مناشدته الجميع التحمل والابتعاد عن الخطوات "التعسفية" لأننا نعيش أوضاعاً صعبة نتيجة الأزمة الأخيرة ونتيجة النظام الاقتصادي الريعي السيئ والرديء، والسياسات التي لم يُعتمد فيها على القطاعات الانتاجية. "نحتاج وقفة ضمير من أصحاب العمل رأفة بالعمال والبلد"، يختم فقيه.
قطاع المطاعم والمقاهي والفنادق: 30 بالمئة صرفوا "تعسفياً"
رئيس اتحاد نقابة موظفي وعمال الفنادق والمطاعم في لبنان جوزيف حداد يؤكّد لموقعنا أنّ القطاع الخاص يعيش كارثة في العديد من الأماكن، ولكن أكثر قطاع متضرّر هو المطاعم والمقاهي والفنادق. 30 بالمئة من العمال في هذا القطاع جرى صرفهم منذ بدء الأزمة. 90 بالمئة منهم صرفوا "تعسفياً". يأسف حداد فهناك أسماء شركات ومؤسسات "عريقة" تملك فروعاً لها على امتداد لبنان، "استغنت" عن موظفين لها لم يتركوها على مدى سنوات، ورافقوها في كافة مراحلها التي كانت تنتج فيها وتجني الثروات. يُسمي حداد بعضاً من تلك الشركات كـ"آيشتي" التي صرفت عدداً من الموظفين في الأزمة الأخيرة، والتي استفادت من موظفيها لجني ملايين الدولارات على مدى سنوات. وقبل الصرف لجأت المؤسسة الى إعطاء موظفيها نصف راتب، وهذا الأمر غير مقبول، فقانون العمل لا يجيز إعطاء الموظف نصف راتب، وإلا لكان الضمان سمح بأخذ نصف اشتراكات من المسجّلين.
لا يجد حداد مبرراً لاستخدام أسلوب الصرف "التعسفي" حتى وإن كنا نعيش ظروفاً استثنائية. مرّ على لبنان في السابق الكثير من الحروب والأزمات، ولم يشهد القطاع الخاص هذا الكم الكبير من حالات الصرف. ويأسف حداد فهناك بعض المؤسسات المعروفة بسمعتها واسمها لم تعد تتحمل موظفيها شهرين وثلاثة لتخطي الأزمة كما تحملوها هم لسنوات طويلة. ويتوقّف عند نقطة يصفها بالمهمة جداً فبعض المؤسسات تعمل على صرف عمالها اللبنانيين وتُبقي على وجود الأجانب. هذه مشكلة المشكلات -وفق حداد- الذي يرى أن جزءاً كبيراً من الأزمة جاء نتيجة أزمة النزوح السوري. برأيه، على أرباب العمل وفي ظل هذه الأزمة الكبيرة والاستثنائية الاستغناء عن العمال الأجانب وليس اللبنانيين.
ويؤكّد حداد أنّ النقابة ستستكمل تحركاتها بعد أن وجهت نداءات عدة لعدم استخدام الصرف "التعسفي"، وفي حال كان خيار الصرف وحيداً، فلتنصف المؤسسات عمالها وتعطهم حقوقهم بما ينص عليه القانون. ويستغل حداد المناسبة ليناشد الموظفين عدم التوقيع على أي عملية صرف من العمل قبل مراجعة وزارة العمل.
عملية الصرف التعسفي، تسبقها محاولات "ابتزاز" يقوم بها أرباب العمل بحق الموظفين. يلفت حداد الى أنّ العمال يتعرضون في أيامهم الأخيرة بالعمل للكثير من الضغوطات، كأن تقوم المؤسسة بنقل العامل من فرع في بيروت الى فرع في جبيل وبعد أسبوع الى صيدا، أو كأن يقوم رب العمل بتوجيه انذارات للعامل لأتفه الأسباب، ويتهجّم عليه تمهيداً لطرده.
وفي الختام، يوجّه حداد رسالة من "القلب" الى أصحاب المؤسسات ويناشدهم بضرورة "التحمل" وعدم القيام بخطوات "تعسفية" ريثما نتخطى الأزمة وننهض بالاقتصاد.
الرامي: لا جديد لدينا
من جهته، نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري طوني الرامي يرفض التعليق على عمليات الصرف "التعسفي"، ويكتفي بالقول لموقعنا " لا جديد لدينا أكثر من البيانات السابقة التي أصدرناها".
بعد كل ما تقدّم، لا بد من الاشارة الى أنّ أزمة العمال ما كانت لتشتد وتتفاقم لولا "التقاعس" الذي تبديه حكومة تصريف الأعمال "الغائبة" عن السمع، والتي "يتفرّج" رئيسها على كل ما يدور حوله ببرودة أعصاب، فيما يتّجه البلد من أسوأ الى الأكثر سوءاً.