خاص العهد
هكذا نشأت "السوق السوداء" للدولار
فاطمة سلامة
كل ما حولنا يتكلّم بـ"الدولار". الأخير بات "حديث الناس" كيفما اتجهنا. لبنان يعيش أزمة "دولار" حقيقية. المشهد الذي شهدناه في الأيام الأخيرة، وبالتحديد أمس الخميس أمام أبواب محلات الصيارفة غير مألوف. تهافت غير مسبوق على "بيع" الدولار، فسعره في ما يُسمى بـ"السوق السوداء" وصل الى 2300 ليرة. وهو سعر يتخطى الصرف الرسمي بمئات الليرات. هذا الواقع أوجد أزمة انعكست تداعياتها على كافة الصعد خصوصاً الاقتصادية منها. القدرة الشرائية للمواطنين تآكلت، والأسعار ارتفعت بشكل جنوني. فما الأسباب وراء ارتفاع سعر صرف الدولار؟ وكيف تنشأ "السوق السوداء"؟.
لدى سؤالنا أحد الخبراء الاقتصاديين عن الأسباب التي أدّت الى نشوء سوق مواز لسعر صرف الدولار، أكّد أنّ "السوق السوداء" لا تنشأ في البلدان التي تقوم على حرية سعر صرف، بل في البلدان التي تعمل على تثبيته كحالتنا في لبنان. فتحديد سعر الصرف من قبل الدولة أو المصرف المركزي يخلق سوقاً سوداء، خصوصاً عندما لم يعد بإمكان الناس تلبية حاجاتها. ورغم ذلك، لا يتفهّم الخبير الاقتصادي التلاعب الذي حصل أمس الخميس بسعر صرف الدولار، حيث وصل الى 2300 ليرة، ما يؤكّد أنّ هناك تلاعباً بسعر الصرف واستغلالاً.
كاتب وباحث اقتصادي ـ يُفضّل عدم ذكر اسمه ـ يُحمّل المسؤولية بالدرجة الأولى للحكومة، وبالدرجة الثانية للصيارفة الذين أنشأوا سوق "مضاربة" و"احتكار". ينطلق الكاتب من هذا الكلام قبل أن يبدأ بشرح "العملية" التي تنشأ بموجبها "السوق السوداء". لدينا نوعان من الدولار في لبنان. الأول عملة ورقية وهي المتداولة بين الأيدي يُباع ويُشترى من خلالها، والثاني عملة لكنّها غير ورقية تتعلّق بالعمليات المصرفية، كبطاقات الائتمان و"الشيكات" المصرفية، وغيرها. النوع الأول محدود نسبةً الى أنّ لبنان لا "يطبع" الدولار، أما النوع الثاني فموجود بشكل أكبر بكثير من الأول. هذه المعادلة تجعل من العملة الورقية المحدودة، عملة مطلوبة بشكل كبير، لنكون في هذه الحالة أمام عرض قليل وطلب أعلى، ما يرفع سعر الدولار، ومن هنا تنشأ "السوق السوداء". لكنّ الباحث وهو ـ خبير اقتصادي ـ يسأل: لماذا ظهرت المشكلة الآن؟ ليجيب على نفسه بالاشارة الى أنّ لدينا تقريباً ما يقارب المليارين الى ثلاثة مليارات دولار جرى سحبها من المصارف نتيجة هلع الناس. لم يُصَر الى "تهريبها" الى الخارج، بل تمّ إيداعها في المنازل.
هذا الأمر -وفق المتحدّث - أدى الى نقص واضح في العملة "الورقية"، قابله طلب زائد عليها، ما أوجد خللاً يجب أن يتم إصلاحه من جهة أخرى. ويوضح الخبير أننا "عادة لا نشعر بهذا الخلل و"الحاجة" لأنّ الشخص منا كان باستطاعته الذهاب الى المصرف وسحب المبلغ الذي يريده، أما الآن وفي ظل "الكابيتال كونترول" اختلف الأمر، خصوصاً أنّ الكثير من المعاملات اليومية تحتاج الى الدولار، ما أدى الى نشوء هذه الأزمة الكبيرة. فالفرد منا حتى ولو أودع مئات الملايين بالليرة، وأراد أن يدفع فاتورة معيّنة بالدولار، سيعتذر منه المصرف عن القيام بعملية التحويل وسيجد نفسه مضطراً للجوء الى الصيارفة.
"الارباك" الذي حصل أوجد نوعاً من "المضاربة" في الأسواق من قبل الصيارفة، وأوجد نوعاً من الاحتكار. فصحيح أنّ لدى الصيرفي هامش حركة بين سعر البيع والشراء حدّده القانون بعشر ليرات، إلا أنّ ما نشهده اليوم لا يخرج عن منطق الاستغلال، فالصيرفي لا يبيع الدولار على أساس الـ 1515، بل يتخطى هامش الربح بمئات الليرات، وهذا شهدناه بالأمس عبر وصول الدولار الى 2300 ليرة لبنانية. بهذا المعنى أضحى ربح الصيارفة غير قانوني، فسعر الدولار غير حقيقي مطلقاً.
وللأمانة، يُحمّل المتحدّث المسؤولية الأولى للحكومة قبل الصيارفة. برأيه فإنّ الدولة كانت مطالبة باجتماع مالي منذ بدء الأزمة. المسؤولية الأولى -برأيه - تقع على عاتق الحكومة ووزارتي المالية والاقتصاد والمصرف المركزي. ما المطلوب من الحكومة اليوم؟ أول إجراء يفترض على الحكومة اتخاذه هو جعل كل المعاملات في لبنان بالليرة اللبنانية، حتى لا يرتفع الطلب على الدولار. فمثلاً، لماذا يُطلب منا دفع فاتورة الهاتف بالدولار ونحن نتعاطى مع شركتي هاتف خليوي تتبعان الدولة اللبنانية؟
أما فيما يتعلّق بالتعاملات الخارجية كالاستيراد فيجب أن يتم بحثه بكل مسؤولية ـ حسب المتحدّث ـ لاتخاذ الخطوات المناسبة.
أما الاجراء الثاني ـ برأي المتحدّث ـ فيكمن في تحمل الدولة مسؤولياتها عبر سد النقص الحاصل من الدولار، كأن تطلب من المصرف المركزي مثلاً أن يتّخذ قرارت معينة أو أن تسارع الى سحب كمية من الدولار من احتياطها لسد العجز الحاصل.
وفي الختام، يأسف المتحدث لتعاطي الدولة اللامسؤول مع الأزمة. وفق قناعاته، تعيش الحكومة في "كوما"، ما أفسح المجال واسعاً أمام الصيارفة للمضاربة واستغلال السوق.
نائب نقيب الصيارفة: "تهافت" الناس أعطانا "صك براءة"
نائب نقيب الصيارفة الياس سرور يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري، فيتطرّق الى "الاتهامات" التي توجّه للقطاع الصيرفي بتحميله المسؤولية عن ارتفاع سعر الدولار، فيعتبر أنّ "هجمة" المواطنين أمس الخميس لبيع الدولار قدّمت لنا أكبر "صك براءة" لأنها بيّنت أننا الشعب هو مصدر "دولاراتنا" لا المصارف، خصوصاً أن هناك أكثر من ملياري دولار في المنازل. ويعتبر سرور أن زيادة العرض أمس عبر تهافت المواطنين ـ نتيجة إعلاننا الاضراب ـ أدى الى خفض سعر الدولار نتيجة كثافة العرض.
وفي معرض ردّه يقول سرور "نحن نمثّل وسطاء بين بائع الدولار ومشتريه، فعندما نشتري الدولار بسعر أقل نبيعه بسعر أقل، وعندما نشتريه بسعر عال، لا نستطيع بيعه بسعر متدنٍّ". وهنا يشدّد سرور على أنّ ارتفاع سعر الدولار يخضع لقاعدة "العرض والطلب" فقط، نافياً أن يكون للصيارفة أي يد في عملية رفع سعره. برأيه، فإنّ الصيرفي لا يستطيع القيام بعملية مضاربة لأنّ المواطنين هم من "يغربلون" الصيارفة، فعندما يعجبهم سعر صرف في محل يلجأون اليه ويتركون مئات المحلات. ويلفت المتحدّث الى أنّ أزمة الدولار وُجدت نتيجة زيادة الطلب عليه من قبل التجار الذين يتعاملون بالعملة الأجنبية لاستيراد البضائع من الخارج، رافضاً تحميل القطاع المصرفي مسؤولية الأزمة.