معركة أولي البأس

خاص العهد

هل وصل لبنان فعلاً الى حافة الإفلاس؟
21/11/2019

هل وصل لبنان فعلاً الى حافة الإفلاس؟

فاطمة سلامة

بات الحديث عن الوضع الاقتصادي متشابهاً الى حد ما، لا بل مُكرّراً في الكثير من الأحيان. هناك شبه إجماع لدى مختلف الجهات والفئات أنّ الوضع قد وصل مراحل "خطيرة" نستطيع معها القول إنّنا في أمسّ الحاجة لحكومة، هذه الساعة قبل التي تليها. بقاء الوضع على ما هو عليه ينذر بالمجهول. وهنا تبرز وجهتا نظر، أولى، تقول إنّ لبنان على حافة الإفلاس، معتبرةً أنّ أوان المعالجة قد فات، ووضع لبنان لامس الخطوط الحمراء، وثانية، تتفق مع الأولى لجهة "حراجة" الوضع المالي والاقتصادي والنقدي، لكنّها ترفض استخدام مصطلح "إفلاس"، وترفض أيضاً القول إنّ القطار قد سبقنا، بل على العكس، الوضع لا يزال تحت السيطرة، الحلول موجودة، لا خوف على لبنان، طالما يُجيد سياسة "الترقيع"، وما علينا سوى عقد النية للبدء بالمعالجة. 

بموازاة هذا الوضع، تظهر المؤشرات "المقلقة" على اقتصاد لبنان تباعاً. ليس آخرها، ما أعلنته وكالة "بلومبيرغ" لناحية انخفاض قيمة سندات "اليوروبوندز" المتداولة في الأسواق العالمية الى ما يقارب الـ77 دولارا، ما يرفع العائد عليها بشكل كبير، نسبة لسعرها الذي يحدد عادة بالمئة دولار. وللتوضيح فإنّ "اليوروبوندز" هي أوراق مالية تلجأ اليها الدولة كشكل من أشكال الاستدانة، يجري تداولها في الأسواق المالية العالمية، ويتحرّك سعرها تبعاً لسوق العرض والطلب. عندما تزداد الثقة بلبنان ترتفع قيمتها ما ينعكس إيجاباً على مالية الدولة حيث يتم استقطاب مستثمرين يشترون تلك السندات. فهل من تداعيات "خطيرة" لانخفاض قيمة تلك السندات؟. 

لا يولي الخبير الاقتصادي الدكتور لويس حبيقة أهمية كبرى لهبوط أسعار سندات "اليوروبوندز". برأيه، فإنها ليست من المؤشرات المهمة جداً للدلالة على الانتكاسة الاقتصادية. هناك الكثير من المؤشرات الأهم كالنمو والبطالة وغيرهما. إذ يكفي أن يطل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في خطابه اليوم على اللبنانيين معلناً تحديد موعد للاستشارات النيابية حتى تصعد فجأة السندات "الدولارية" وبسرعة. يلفت حبيقة الى أنّ" أسعار "اليوروبوندز" وأسواق البورصة تصعد وتهبط بشكل يومي وهذا لا يهم، المهم فقط هو البدء في معالجة الأوضاع السياسية لتنعكس إيجاباً على الاقتصاد. 

لا يبدو حبيقة وانطلاقاً من رؤيته الاقتصادية متشاتماً، "طبعاً هذا ليس معناه انني متفائل"، مستطرداً "أفكر بطريقة ايجابية انطلاقاً من إيماني بأن الحلول في أيدينا ونستطيع إنعاش الواقع الاقتصادي بشكل سريع". ولدى سؤاله عن المقولة التي يرددها البعض بأن لبنان على حافة الافلاس يجيب قائلاً "في كل دول العالم لا يوجد شيء اسمه افلاس دولة. هذا المنطق ينطبق على الشركات فقط، بينما الدول التي تتعرّض لعجز مالي تصاب بالبطالة والفقر ونقص في النمو. الشركة التي تفلس تبيع موجوداتها بينما لا يسري هذا الأمر على الدول، فهي تمتلك حصانتها واستقلاليتها ودستورها". 

يرفض حبيقة استخدام مصطلح "الافلاس"، فهذا التعبير -برأيه- خاطئ. يُفضّل استخدام مصطلح "التعثر" الاقتصادي.  خلاصة القول بالنسبة للمتحدّث " لبنان في وضع صعب، ولدينا مشاكل كبيرة، لكننا في المقابل نمتلك حلولاً سهلة لها، وما علينا سوى المبادرة وخفض السقوف، وتشكيل حكومة اليوم قبل الغد".

مصادر مصرفية: الوضع تحت السيطرة حتى اللحظة

تتفق مصادر مصرفية مع حبيقة لجهة أنّ لبنان في وضع صعب جداً، لكنّه ليس على شفير الافلاس. وفق قناعاتها، فإنّ الاجراءات التي اتخذتها المصارف لجهة تقييد حركة السحب والتحويل ساهمت في بقاء البلد واقفاً على رجليه حتى الساعة. تؤكّد المصادر أنّنا دخلنا في مرحلة جديدة لجهة تنظيم عمل القطاع المصرفي الذي تغيّرت هيكليته وطريقة عمله، ويتجه الى المزيد من التغير في المستقبل ليصبح مغايراً للشكل الذي تعودنا عليه. 

تعتبر المصادر  في حديثها لموقع "العهد" أنّ انخفاض أسعار السندات هو أمر طبيعي جداً، في ظل الظروف التي يعيشها لبنان، فبكل بساطة انخفض الطلب على السندات نتيجة تزعزع الثقة في لبنان، مقابل كثرة في العرض، ما يضطر المستثمر في الخارج الى التخلص منها بسعر أقل تحاشياً لتكبد المزيد من الخسائر، وهذا لا يعني مطلقاً أننا على حافة الافلاس. 

ما سبق لا يعني من وجهة نظر المصادر أنّ لبنان ينام على حرير. بلدنا دخل في نفق اقتصادي، والخروج منه يحتاج لسنوات. حتى أنّ الاجراءات الجديدة التي تتخذها المصارف وما يُشبه "الكابيتال كونترول" هي مفيدة من ناحية لجهة الحفاظ على الرساميل الموجودة في لبنان، لكنها حتماً سيكون لها انعكاسات، فالاستيراد سينخفض من 20 مليار دولار الى حوالى 12 مليار دولار نتيجة السقوف، وبالتالي فإنّ الحركة الاقتصادية في البلد ستصبح أسوأ. وهنا تتوقّع المصادر أن ينخفض الناتج القومي العام المقبل ما يقارب الـ15 بالمئة، ما يعني أننا سنعاني من نسبة "انكماش" 15 بالمئة، بما أن نسبة النمو لدينا تلامس عتبة الصفر. 

وترى المصادر أنّ "الحسنة" الوحيدة التي يتميّز بها لبنان، هي أنّ 85 بالمئة من دينه داخلي موزع بين المصرف المركزي، والمصارف اللبنانية والمودعين. وهنا تستغل المصادر الفرصة للقول إنّ بيد الدولة العديد من الاجراءات لتخطي الأزمة كخفض نسبة الفوائد على الودائع، وما عليها سوى الاسراع في التنفيذ.

المصرف المركزي

إقرأ المزيد في: خاص العهد