ابناؤك الاشداء

خاص العهد

05/11/2019

"كارتيل" النفط..احتكارات وأرباح خيالية

فاطمة سلامة

يكفي أن يُلوّح قطاع المحروقات في لبنان بالإضراب المفتوح، حتى نُشاهد احتشاد السيارات كـ"الطوابير" أمام محطات المحروقات لتعبئة الوقود. خبرٌ عاجل من هذا القبيل على هواتف المواطنين، يكفي لوقوف الناس في "الصف" خوفاً من الانقطاع. هذا المشهد الذي ألفناه في الأسابيع الماضية، لم يكن سوى "نسخة" مصغّرة عن واقع بلد تسوده الاحتكارات من كل حدب وصوب. ونحن هنا نتحدّث عن احتكار قطاع النفط في لبنان من قبل بعض الشركات، ما يجعل مصير بلد بأكمله معلّقا تحت رحمة تلك الشركات الخاصة. مصادر مطّلعة تتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عما سُمي بـ"كارتيل النفط" فتوضح أن ٨٥٪ من سوق النفط تُسيطر عليه ٩ شركات تابعة لعائلات معروفة في عالم الأعمال وسياسيين وشركات عربية وأجنبية. برأيها، فإن سوق المُشتقات النفطية يسوده الكثير من المغالطات التي تبدأ بالاحتكار مع إقفال السوق أمام أي شركة تُريد الدخول إليه والإتفاق غير المشروع بين الشركات، ولا تنتهي بالغش في الكثير من الأحيان.

المصادر التي ترفض الكشف عن اسمها، توضح أنّه وبالاضافة الى الشركات التسعة، هناك بعض الشركات الصغيرة التي تستورد المُشتقات من خلال الشركات الكبيرة. وفق المصادر فإنّ هذا الاحتكار كرّسته الشروط الصعبة للحصول على رخصة استيراد مشتقات نفطية والتي تتطلّب امتلاك الشركة أو استئجارها لميناء لاستقبال البضائع. برأي المصادر، فإنّ هذا الشرط كمن يضع العُصي في الدواليب، لأنه من شبه المُستحيلات نظرًا إلى ندرة الموانئ. وهنا تشير المصادر الى أنّ سوق استيراد وتوزيع المشتقات البترولية في لبنان، كان بيد الدولة اللبنانية حتى أواخر الثمانينيات، وقبل أن تُحكم شركات خاصة السيطرة على هذا السوق.
ووفق حسابات المصادر، فإنّ استيراد الدولة المباشر للمشتقات النفطية يوفر ما يقارب الـ 400 مليون دولار سنوياً.

تتوقّف المصادر عند نقطة تُثير -برأيها- الكثير من علامات الاستفهام، فهذه الشركات تلجأ الى تقاسم الكمية المُستوردة على نفس الباخرة التي تستورد المشتقات من خلال نوع من الاتفاق الداخلي فيما بينها. الهدف من هذه الخطوة يكمن في "تعظيم" الأرباح. كما تتطرّق المصادر الى "هيكلية" التوزيع، بحيث تأتي شركات أخرى لتشتري البضائع من الشركات المُستوردة مع العلم أن عددًا من الشركات المُستوردة للمشتقات تلعب دور الموزّع في السوق المحلّي وحتى أنها تمتلك بشكل مباشر وغير مباشر محطات توزيع. 

بو مصلح: أحد أبواب الفساد الكبيرة

الكاتب والباحث الاقتصادي الاستاذ غالب بو مصلح، يرى أنّ ملف النفط هو أحد أبواب الفساد الكبيرة في لبنان. يوجز المتحدّث قصّة هذا القطاع، فيشير الى أنّ أواخر فترة الحرب الأهلية، وعقب الاجتياح "الاسرائيلي" للبنان، تم تعطيل معملي تكرير النفط في الزهراني وطرابلس عن سابق تصور وتصميم. وفي أواسط التسعينيات كانت كلفة إصلاحهما لاعادتهما الى العمل بشكل جيد تكبّد الخزينة أكثر من 125 مليون دولار، إلا أنّهما تركا ليهترئا. المطلوب كان تجميدهما لاستغلال الأمر من قبل بعض السياسيين وشركات النفط الاجنبية. أولئك عطّلوا -وفق بو مصلح- انتاج المشتقات النفطية في لبنان حتى يحتكروا عملية الاستيراد.

 

"كارتيل" النفط..احتكارات وأرباح خيالية

 

يؤكّد المتحدّث أنّه وفي عهد حكومة الراحل رفيق الحريري، بدأت تدريجياً عملية حرمان القطاع العام من استيراد النفط، وبدأ نجم الشركات الخاصة يتصاعد، حيث جرى العمل على ضرب القطاع العام وحرمانه من استيراد النفط، وبدأت عملية تصدير النفط للقطاعين العام والخاص بأسعار باهظة. وهنا وجدت الدولة نفسها مضطرةً لاستيراد النفط من الشركات الخاصة لمحطات توليد الطاقة الكهربائية. برأي بو مصلح، فإنّ كل ما جرى سابقاً في هذا الملف كان هدفه كف يد الدولة لصالح شركات خاصة، إذ عطّلوا الاتفاقية التي جرت لمد أنابيب الغاز في التسعينيات ولم ينفذ التلزيم، وذلك بهدف إجبار الدولة على شراء "الديزل" لمحطات توليد الطاقة، ما كبّد الخزينة أموالاً طائلة. 

ويوضح بو مصلح أن الشركات الخاصة عمدت الى بيع "الفيول اويل" الذي تستعمله تقليدياً مصانع الكهرباء في لبنان، والذي يحتوي على نسبة سرطنة عالية جداً، عمدت الى بيعه لشركات القطاع العام بسعر أعلى 20 بالمئة، ما حدا بالخزينة الى إنفاق أسعار ضخمة على هذا القطاع، وجعل أسعار النفط متذبذبة جدا، تتغير كل أسبوع، ما يُصعّب على الشركات مهمة تحديد كلفة الانتاج، وما يجعل النفط في دائرة الاحتكار حيث تتحكّم قلة قليلة بالأسعار، ضمن اتفاق جائر بحق الدولة والمواطنين معاً، وللأسف لغاية الآن ممنوع إعادة بناء محطات تكرير لتبقى هذه الاحتكارات "شغالة"، يضيف بو مصلح. 
 
ويختم بو مصلح حديثه بالاشارة الى أنّ "الحل لهذه الاحتكارات يكمن في أن تستعيد الدولة تجارة النفط، وتسمح بإعادة بناء محطات التكرير، لمعالجة الوضع المزري الذي يعانيه هذا القطاع سواء لناحية الفوضى أو الأسعار الفالتة من عقالها. بإمكان لبنان أن يتحوّل الى بلد يُصدر مشتقات النفط بدل أن يشتريها، وهذا يوفر الكثير على الخزينة، ويؤمّن فرص عمل كثيرة بعيداً عن نهب الطبقة الحاكمة".

 

إقرأ المزيد في: خاص العهد