خاص العهد
الحياة عادت إلى صور وقطع الطرقات على أعتاب الجنوب ينغص حركتها
سامر الحاج علي
الطريق إلى صور لا تشبه ما كانت عليه في أولى ليالي اندلاع التحركات المطلبية مع ما رافقها من عمليات تخريب ممنهجة ضربت أكثر من مكان فيها. عادت صور إلى الحياة التي لم تغادرها مذ وجدت حتى صارت اليوم تملأ صورها كل أحياء المدينة، من الحارة القديمة إلى السوق التراثي فشارع المصارف مرورًا بميناء الصيادين الأشهر من نار على علم.
النار أكل بعضها بعضًا هنا، وأشعلت مواقد الرمل في أروقة السوق القديم حيث رائحة الفول الصوري ورواد مطاعمه الذين لم يتأخروا عن موعد الفطور، قبل أن يتوجهوا للتبضع من محال السوق التجاري الذي لم يقفل أبوابه حتى في أكثر ليالي الاعتداءات الإسرائيلية ظلمة والتي توالت على المدينة منذ عقود وتوقفت بفعل معادلات المقاومة التي تجسد حركة الناس هنا أحد وجوهها. عادت الحركة التجارية إلى طبيعتها، يقول نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي مشيرًا إلى أن السوق التجاري لم يقفل يومًا.
يتحدث صبراوي لموقع "العهد" الاخباري عن أن بلدية صور أحصت الأضرار التي تعرضت لها المدينة وعلى رأسها ما لحق باستراحة صور السياحية، إضافة إلى مستوعبات النفايات البلاستيكية التي أُحرقت وتلك الحديدية التي قام عمال البلدية بإعادة طلائها بالإضافة إلى عمليات تنظيف الطرقات ورفع بقايا الإطارات المحترقة والحجارة التي رميت في الشوارع.
ما يشير إليه صبراوي من أن حركة المدينة عادت إلى شكلها الطبيعي، يمكن ملاحظته من خلال جولة سريعة في شوارعها التي عادت زحمة السير إليها خاصة مع افتتاح المصارف والمدارس الرسمية والخاصة، ناهيك عن حركة الناس التي أحيت من جديد المؤسسات التجارية وفق رئيس جمعية تجار صور ديب بدوي، الذي تمنى عبر "العهد" لو "يأتي الناس جميعًا إلى صور فالمحلات افتتحت حتى في عز الأزمة التي مرت".
ومن شارع أبو ذيب وسط المدينة، يشير بدوي إلى أن الحركة باتت طبيعية هنا، فصور مدينة العيش المشترك التي كانت على الدوام تسيطر عليها أجواء المحبة والتلاقي، متمنيًا عبر موقع "العهد" الإخباري من قيادة الجيش اللبناني المحافظة على منع قطع الطرقات المحيطة بالمدينة حتى لا نتأثر سلبًا بها، فنحن نعاني اليوم أصلاً من قطع الطرقات بين الجنوب وبيروت وبين بيروت نفسها وبقية المناطق.
ويكشف بدوي عن مضايقات ومعاناة يتعرض لها التجار الذين ينقلون البضائع إلى صور من قبل قطاع الطرق خاصة بين بيروت والجنوب، مشددًا على ضرورة أن تعالج هذه القضية بأسرع وقت ممكن لما لها من تأثير سلبي على حياة اللبنانيين الذين يعانون منذ أشهر من ضائقة اقتصادية.
ضائقة يشير إليها أحد المواطنين الذين التقيناهم خلال جولتنا على مؤسسات تجارية في المدينة، فيرى أن لبنان اليوم يمر في واحدة من أصعب أزماته ولكن على مستوى صور فإن حكمة الناس ووعيهم مكنتهم من المحافظة على كرامتهم بالحد الأدنى فقد أدركوا ماهية المخطط الذي أراد أن يضرب المدينة واستطاعوا كما في كل تحدٍّ أن يقلبوا التهديد إلى فرصة تدفعهم نحو الأمام في محاربة الفساد الذي كان الإمام موسى الصدر أول من أطلق الصرخة لمواجهته.
ويشير إلى أن الحركة في صور عادت إلى طبيعتها ولكن ينقصها اليوم إعادة فتح الطرقات نحو الجنوب، داعيًا من يقومون بقطعها لأن يكونوا عقلانيين فقطع الطرقات هو قطع لأرزاق كثيرين من الناس الذين يعانون من ظروف صعبة وهي دعوة يعتبرها متلازمة لدعوة سماحة السيد حسن نصر الله للغاية نفسها، ويضيف: هذا الوضع لا زال ينغص علينا كثيراً خاصة وأنه يستحضر أمامنا صور الحرب الأهلية التي عشناها ولا نريد لها أن تعود، خاتماً حديثه برفضه لأن يُذل الناس على الطرقات وخاصة أهل الجنوب الذين قدموا الدماء ليبقى الوطن موحداً وسيداً ومستقلاً.
وبين رائحة الحياة التي تعبق من مداخن الأفران والمطاعم هنا، قلق مستمر من أن تفشل الدولة مجدداً في بسط سيادتها على مجموعة من قطاع الطرق، فعلي مهدي وهو صاحب إحدى المؤسسات في صور واحد من هذا الجمع الذي لا يريد لبلاده أن تدخل في مصير مجهول سبقته إليه دول عدة في المنطقة، يتمنى بوجع يسكن قلبه وقلوب بقية زملائه كل الذين ينتشرون على الطرقات صبيحة كل يوم لأن يعودوا إلى رشدهم وعقلانيتهم، ويصفهم بالمندسين تارة وطورا بالمحتجين على شيء لم نفهمه بعد أو حتى لم يفهموه هم، فما الذي سنحققه إذا ما ضربنا وحدة بلادنا وألحقنا بالوطن ضررًا لا يستطيع معالجته؟
وعلى أعتاب المدينة خوف يكاد يأكل ما تبقى من أمل بإنتاج زراعي، ففي سهول الموز والحمضيات رزق بملايين الدولارات بات أسير طيش الطرقات نترك الحديث عنه لسطور وإن جمعت بعض فتات الوجع فإنها قد تصنع من نفسها صرخة في وجه مصير يهدد اقتصاد وطن تعب من فوضى جزء من أبنائه.